رمضان: شهيدٌ علينا لا لنا
الخميس 14 مارس ,2024 الساعة: 09:51 مساءً



بين يدي معركةٍ حضاريةٍ كبرى، تقف الأمة المسلمة اليوم أمام امتحانٍ رمضانيٍ صعبٍ. امتحانٌ يتجاوز الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر إلى غروب الشمس، وتكثيف العبادات الفردية والجماعية طمعًا في الأجر، إلى امتحانٌ معرفة مدى تحقيق معاني الصيام واهدافه في سلوكنا العام، ومدى قدرتنا على الانتصار على ضعفنا وجبننا الاجتماعي، والتحرك للقيام بواجب النصرة ورفع الظلم عن بلداننا أولاً وغزة ثانياً.

إن تكرار أسئلة رمضان العبادية والممارسات الاجتماعية وخطاب تلاوة القرآن وقيام الليلة كممارسات مرتبطة بالشهر دون فهمٍ لأهدافه ومقاصده نوع من التخدير العام. فالرشد والتقوى تعنيان حالة من الاستفاقة الحضارية للفرد والأمة، والعودة إلى طريق استخلافها على الأرض تعميراً وعدلاً ورفع الظلم العام، والخروج من حالة الجبن والاذلال الفردي.

سنوات طويلة قضيناها في رمضان، رسخنا فيه عادات، واغفلنا المقاصد الحضارية الكبرى للتهذيب الجماعي. التركيز على الهدف الفردي، الذي غالباً لا نمتلك له محددات قياس مرئية، في ظل التجريف التكنولوجي، وتفاهة المحتوى، والهروب أو الخوف من المقاصد الجماعية، حتى الخطاب الفردي أصبح محاطًا بسياقات متعددة، سياسية ، واعلامية ، تكرس النمطية في الطاعة العمياء ، او التخدير العبادي الذي يعلي الكم علي الكيف ، ويغفل الفعل المصلح الذي يقوم اعوجاج الامة، ويحفظ فاعليتها ، ما يجعلنا أمام تحديات كبيرة.

أول هذه التحديات هو امتحان العلماء وأئمة التراويح ومقدمي الدروس الدينية. فالعاجزون عن قول كلمة الحق ومجاهرة الحاكم بانحرافه وخيانته لواجبه لا يستحقون لقب علماء، بل هم مجرد ذاكرة معلوماتية لا قيمة لها. أرى مقاطعة هؤلاء العلماء والأئمة ومساجدهم وملازمة المنازل أو ساحات خاصة، لِإرسال رسائل واضحة للأمة التي عليها واجب تقويم الاعوجاج.

تصفيد الشياطين، بمعنى الفساد والعتو والتمرد، هو شرط لتوفير مناخات الصلاح والسمو. وسيكون على الأمة مسؤولية تصفيد شياطين الإنسان، وأعلى درجات الشياطين التمرد السياسي على المسؤولية، وعتوه واستبداده، فهم يمثلون أعلى درجات الطغيان الشيطاني اليوم. ثم علماء ومثقفي السلطان الذين يزينون الطغيان، القتل، والنهب، والاذلال. هؤلاء الشياطين السياسيون، من سلبوا الأمة حقها باسم الدين والقوة لإدارة شأنها، لكنهم تحولون إلى شياطين للقتل والاذلال، سواء كانوا يحملون صفات ضابط أو زعيم مليشيا أو ملك.

القنوات الفضائية هي جزء من الأمة في معركتها الكبرى. فالقنوات التي تساهم في مشروع التخدير والالهاء، وتقف مع الظالم وتمجد من يسفك الدماء، يجب مقاطعتها وتقديم رسائل واضحة. معركتنا اليوم تبدأ بانتصار القيم وتثبيت معاني الكرامة الإنسانية. نتمنى أن نرى برامج ومسلسلات خاصة بكشف حقيقة الطغاة وجرائمهم في أسلوب تشويقي. الإعلام شريك في الجريمة التي تشهدها الأمة، حتى الإعلام الديني الذي لم يواكب خطاب العصر ونفسية المشاهد.

خطاب الكم مقابل الكيف، الذي يسعى لفصل الإنسان المسلم عن المجتمع باسم الدين والعبادة، يقدم صورة سلبية للمسلم ومجتمعه النموذجي. رمضان يسعى لتقديم صورة مكثفة في رمضان، يجمع العبادة والعمل، التلاوة والجهاد، الصوم والعطاء، البناء النفسي والفكري. خطاب التدبر في الآيات وحركة المجتمع سيقود إلى حالة وعي ضد التخدير باسم الكسب للحسنات الفردية، وترك المعاني الكبرى وأهدافها الحضارية في الانعتاق من حالة التبعية والتخاذل.

مقاطعة الكماليات، وأعلاها الاقتصاد الداعم للظلم الوطني والخارجي، ووقف النفاق والمديح لبرامج السلطان وفتاته من العطاء. الأمة التي تمتنع عن الأكل والشرب لنقف جميعًا في مواجهة الظلم والاستبداد، وغير قادرة على الامتناع عن مقاطعة مغذيات الاستبداد الاقتصادية ، امة فاشل في اختيار الرشد الرمضاني والحضاري ، ولن يكون رمضان الا شاهد علي دعمها للظلم والاستبداد ، وشراكتها في حالة القهري التي تعانيها الامك.

ولنتأكد أن رمضان لم يمر علينا دون أن نحقق التقدم المطلوب في حياتنا عاي المستوي الحضاري ، لن يكون الا شاهد علينا لا لنا ، يوم العرض علي الله 

رمضان كريم وكل عام والجميع بخير.


Create Account



Log In Your Account