"أمـل" والانقلابيون والعشرية الدامية
الخميس 22 فبراير ,2024 الساعة: 10:19 صباحاً

في سبتمبر من العام 2014م خرجت إلى الحياة طفلة تشبه القمر سمتها أسرة "أمـل"، ومع دخولها عامها الأول انطلقت الحرب التي أشعلها الانقلابيون فاضطرت أسرتها للتشرد في مخيمات النازحين، وطوال السنوات اللاحقة تعددت عمليات النزوح، وتنوعت أشكال المعاناة التي عاشتها "أمـل" وأسرتها، فهي لم تعرف من السكن إلا الخيام، ومن الطعام إلا القليل الرديئ الذي توفره منظمات الإغاثة، والأسوأ انها كادت أن تكون ضحية قذيفة أطلقها الانقلابيون على مخيمها، ورأت بعينيها الصغيرتين طفلين في عمر الزهور كانت تلعب معهم قبل لحظات غرقوا في بحر من الدماء لم يفيقوا منه إطلاقاً.

تدخل "أمـل" اليوم عامها العاشر ولم يتح لها الالتحاق بالتعليم النظامي، وتفتقد أباها الذي إختطفه الانقلابيون إلى سجونهم مع بلوغها السابعة من العمر، وهو السن الذي كان ينبغي أن تكون فيه قد خطت أول خطواتها نحو التعليم، لكن لم يحدث من ذلك شئ، وما حدث فقط أن أبوها خاطر  بالذهاب لإحدى المدن التي يسيطرون عليها باحثاً عن لقمة العيش فاعتبروه جاسوساً! ومرتزقاً! وعميلاً! ولم تراه "أمـل" حتى اليوم.

تدخل "أمـل" اليوم عامها العاشر وهي مشبعة بالأوجاع الحسية والمعنوية، فهي لم تعرف من الحياة الكريمة إلا وصفها، ومن الطفولة إلا أسمها، وتستوطنها العديد من الأمراض التي خلّفتها موجات الصقيع ولحظات الخوف ونوبات الجوع في مخيمات النزوح والتشرد، ولم تتمكن من الالتحاق بالمدرسة، وحرمت من ممارسة أنشطة أقرانها في العالم، فهي لم ترسم يوماً، ولم تحضى بمعلمة تربت على كتفها، ولم تحمل بيدها حقيبة أو دفاتراً أو كتباً، وعوضاً عن ذلك لزاماً عليها أن تحمل أعواد الحطب وقناني المياه كل يوم لتستطيع هي وأسرتها البقاء على هامش الحياة وقيد الأمل.

هذه المأساة لا تخص "أمـل" وأسرتها فقط، بل هي نموذج لمعاناة شاملة يتجرعها قطاع واسع من اليمنيين منذ أن أدخلتنا جماعة الحوثي الانقلابية في بركة دماء لن تتوقف عن النزف حتى اليوم، وتوشك عشرية من السنوات أن تكتمل ولازلنا نتجرع آلامها ومراراتها كل يوم ، ويبدو من سلوك هذه الجماعة أنها غير مستعدة بالمطلق لإنهاء هذا الوضع المأساوي الذي ترك أثره القاتل على مختلف جوانب الحياة، ولم يسلم أي يمني في جهات الوطن من أذى هؤلاء الدمويون الذين استهانوا بالحرمات وتجاوزوا كل الأخلاق ناشرين في الوطن القتل والنهب والسلب والحصار والاختطاف.

عشرية دامية لن ينساها التاريخ ولن تتجاوزها الأجيال، وستظل شاهدة على حقارة وجبن الانقلابين الحوثيين الذين أهدروا كل الفرص لاستعادة السلام الذي لا يجدون أنفسهم فيه، ولا يجدونه محققاً لأطماعهم في التملك والسيطرة والإثراء، وأمام مطامعهم هذه أهدروا كل الفرص، وراحت هباء كل جولات الحوار ودعوات التصالح، كما مارسوا الالتفاف والتنكر لكل التفاهمات التي وقّعوا عليها  ليستمر نزف الدم اليمني خدمة لأطماعهم وأطماع مموليهم في طهران والنجف وجنوب لبنان، وتحت رضى ومحاباة القوى الدولية الكبرى التي مارست وتمارس معهم سياسة المراضاة وتدعي أنها تقدم العصى والجزرة لكنها في الواقع تمدهم بالجزرة تلو الجزرة على طبق من ذهب.

طوال عشرة أعوام ظهر جلياً الوجه الدموي القبيح لهذه الجماعة المليشاوية، وبدا واضحاً أن العشرية الدموية التي نغرق فيها اليوم لا مجال لإنهائها إلا باستكمال التحرير وإسقاط الانقلاب بأشخاصه وأدواته وآثاره، والتحرك الجاد نحو استعادة الجمهورية وتفعيل مؤسسات الدولة وبسط نفوذها على مختلف جهات الوطن لتتمكن "أمـل" وأقرانها من العيش بكرامة، وليحصلوا على خدمات التعليم والرعاية الصحية، ويعود والد "أمـل" ليعيش معها ومع بقية أسرته، ويسدل الستار على عشرية دامية أوقعونا بها الحالمون بعودة مجد الإمامة الكهنوتية التي قذف بها اليمنيون إلى مزبلة التأريخ.

دمتم سالمين ..


Create Account



Log In Your Account