‏دولة بلا ميزانية دولة عصابات
الثلاثاء 31 يوليو ,2018 الساعة: 09:14 مساءً

تتفاوض الحكومة اليمنية مع البنك الدولي من أجل الحصول على قرض مالي بمبلغ 3 مليار دولار لدفع المرتبات كما تنقل الصحافة، مقابل تسليم ايرادات النفط والغاز للبنك الدولي في صيغة مباشرة هي الرواتب مقابل النفط.

وأمام هذا الخبر يجدر بنا الالتفاتة الى الملحوظات التالية:

أولا: أن التفاوض يأتي في النصف الثاني من السنة المالي ٢٠١٨ أي بعد مرور نصف السنة المالية والإقتراب من تقديم الموازنة وإعداد ميزانية العام القادم. وعلينا ان نتساءل كيف سارت الأمور في النصف الاول؟

ثانيا: وبناءً على أولا، أن الحكومة أعلنت ميزانية مبهمة للعام ٢٠١٨ بمقدار مصروفات ثلاثة مليار دولار وبعجز مالي يصل الى ثلث المبلغ تقديرا منها أن الإيرادات ستصل الى ملياري دولار، فلماذا تطلب ثلاثة مليارات دولار؟

ثالثا: ان التفاوض يقوم على أساس تسليم رقبة البلاد رهنا لمبلغ لن يأتي إلا بشروط مجحفة في لحظة ما تزال المعركة العسكرية قائمة والحكومة مدعومة بتحالف عسكري إقليمي هو الأول من نوعه منذ عقود والأولى ان الدعم الاقليمي يتضمن دعما إنسانيا وعسكريا واقتصاديا حتى لا يخضع العمل العسكري لشروط المقرض الدولي معلوم الموقف من الحرب في اليمن. أي أن التفاوض لا يسلم رقبة اليمن فقط للمجتمع الدولي ولكن يخضع الإرادة الاقليمية معه لشروط الدول المانحة ويقدم لها ورقة ضغط إضافية على دول التحالف.

رابعا: ان المبلغ المطلوب في التفاوض يساوي الميزانية المبهمة المعلن عنها بداية العام بينما كان العجز في الميزانية التقديرية الثلث وهذا يعني أنه لا وجود لميزانية بالمرة، وعليه يمكننا ان نجزم بالتالي:

للعام الرابع على التوالي والحكومة لم تنشر ميزانية عامة للدولة وتوضح الإيرادات والمصروفات وتريد منا أن نصدقها أنها تحارب من اجل استعادة الدولة!

بل ويزعجها الحديث عن فسادها. كان صالح وزبانيته يواجهون الحديث عن فسادهم بأنه استهداف للوطن حين كان صالح هو الوطن وتجند حزب المؤتمر بقضه لهذه الكذبة المخزية. سلطة الْيَوْم في الحكومة الشرعية عاجزة عن تمثل وتمثيل الوطن وتقودها نزعاتها المناطقية وانتهازيتها الحزبية فترى أن الحديث عن فسادها هو استهداف مناطقي بالنسبة للاخوة الجنوبيين او استهداف للأحزاب كما هو الحال مع حزب الإصلاح والحزب الناصري.

تسيير شؤون الدولة دون توضيح ميزانية فيها الحد الأدنى من الشفافية هو عمل عصابة وفِي هذا لا تختلف الحكومة الشرعية عن الحوثيين.

يعلن الإخوة في التحالف تقديمهم مساعدات لليمن تصل قيمتها الى ستة عشر مليار دولارا.  بينما تصمت الحكومة اليمنية أمام هذا الرقم المهول الكفيل بإعادة الحياة لليمن وانعاشه، لا صمت الممتن ولكن صمت المذنب.

هذا لأن الحكومة ملزمة تجاه الشعب بالتوضيح. فالرقم كبير بينما المأساة الانسانية حرجة وتهدد بكارثة ومجاعة كما ان الاقتصاد في أسوأ حالاته والعملة اليمنية تهوي. ولن نخوض في الحديث عن الخدمات الأساسية المتردية.

لنتذكر أن المنظمات الدولية هي الأخرى تستهر باليمنيين وتتاجر بمأساتهم ووصل الأمر ببعض المنظمات أن استجلبت قمحا فاسدا.

وهذا الفساد يعكس فساد الشرعية التي جعلت المؤسسات الإيرادية إقطاعات خاصة بأمراء الحرب وامتهنت التسول والإستدانة بلا مسؤولية بينما مؤسسات سيادية إيرادية لا أحد يعلم عنها أي تفاصيل بعد ان استحوذ نَفَر عصبوي في الحكومة الشرعية على قطاعات النفط والنقل والموانئ والمنافذ والمالية.

يتركز النقد على الحكومة الشرعية لأنها أمل الناس في الخلاص من كابوس الحوثية الأفسد والأجرم ولأن مئات الأرواح الشابة تقدم نفسها فداء وتموت في الجبهات بلا حقوق ولا إعاشة ولا تكريم بينما يعيث المسؤولون وأولادهم فسادا وفنقا. ويعيش مجمل اليمنيون بلا رواتب ولا مداخيل ولا رعاية.

وأخيرا، التفاوض على قرض بمقدار الميزانية يوضح التنافر في عمل التحالف الذي يتدخل عسكريا ويقوض الدولة اليمنية اقتصاديا وإلا ما معنى تسليم موارد الدولة النفطية لمؤسسة دولية وتقزيم المناورة السياسية بينما الحليف العسكري مقتدر  على تجاوز هذا الإجراء.

والحقيقة أن التفاوض بقدر ما هو سوء إدارة وتصرف فإنه مناورة سياسية داخلية تستبق أي استقطاع للموارد النفطية على أسس مناطقية أو انفصالية.


Create Account



Log In Your Account