جردة حساب صغيرة
الخميس 07 يونيو ,2018 الساعة: 09:46 مساءً

دائما كنت أقول أن الموقف من الحرب هو شآن شخصي قبل كل شيء. وعندما اندلعت هذه الحرب, كنت اجد في قرارة نفسي استعداد كامل لخوضها, كمقاتل أو بأي طريقة أخرى تضمن لي المشاركة, وتحقيق نصر معتبر على تحالف الثورة المضادة.

كنت أعتقد ايضا ان من يعلن مواقفه للناس ويشهرها لابد ان يكون عمله هذا انعكاسا لما يؤمن به في قرارة نفسه. اي يكون مستعدا للذهاب والاشتراك في القتال, او القيام بأي عمل قد يعرض حياته للخطر, وليس فقط تبني المواقف الصارخة.

بالطبع فشلت في العثور على أي دور. لعوامل كثيرة بعضها متعلق بي ومعظمها متعلق بالطريقة التي تدار بها الامور. لكني مع ذلك حافظت على ايماني بالمقاومة واستعدادي الذاتي للمشاركة فيها اذا ما تهيأت الظروف او وجدت سبيلا الى ذلك. ثم قررت, اثناء تلك الاوقات العصيبة والايام السوداء عندما كانت تعز محاصرة والقذائف لا تتوقف عن التساقط على احيائها, قررت الاستقرار مع اسرتي في المدينة, على مقربة من الاحداث, ومن اجل مشاركة الناس حياتهم تحت وطأة الحرب ومع مخاوف ان تفقد حياتك في أي لحظة. وكان هذا أضعف الايمان. فالذي يظل يكتب تأيدا للمقاومة, اذا لم يكن عنده استعداد ذاتي للمشاركة فيها وتعريض نفسه لامكانية فقد حياته, يبقى انه كاذبا أمام نفسه, وميالا لتبني أكثر المواقف ميوعا, وحصر كل تلك التضحيات والامال بالخلاص, في معارك وحسابات صغيرة ومخجلة.

بالنسبة للطريقة التي كانت تدار بها الامور, رغم انها قد ترتقي الى مستوى الجريمة, فقد كنت مقتنعا انه لا مكان للتصورات المثالية خصوصا وان هذه المقاومة تشكلت من الصفر, بعفوية, وفي مواجهة تحالف عصبوي وطائفي استولى على مقدرات البلد وعلى جيشه والياته العسكرية وحتى على خبرته التاريخية في ادارة الحرب. لكن كنت أعتقد أيضا, انها مسألة وقت وسنتجاوز كل تلك الاختلالات التي بدا انها لا تقيم لحياة المقاتلين أي قيمة, وتعلي من شأن امور اخرى على حساب الهدف الاساسي المتمثل بالانتصار على الثورة المضادة وانقاذ الناس من سطوتها. مرت الاشهر, مرت سنة, وجاءت أخرى, وانهينا ثالثة, ولم يحدث اي تبدل. فقط تلك الاختلالات كانت تتوسع راسيا وافقيا.

والآن مع الاحترام الواجب لكل المقاتلين الصامدين في الجبهات, والتقدير اللازم لاصرارهم وتفانيهم, ثمة سؤال بات مطروحا امام كل شخص متعافي, لا يزال منحازا للمقاومة وغير مشارك في معاركها: هل لا يزال لديك الاستعداد للقتال من اجل انتصار مشروع المقاومة, بالرغم من الاداء التعيس وهذه الاوضاع المحبطة التي بتنا نعيشها؟

بالنسبة لي فإن المعركة الحقيقية اليوم, تتمثل في العمل من اجل انقاذ مشروع المقاومة وحماية تضحيات الناس. وعمل كهذا يتطلب المجازفة وتعريض نفسك لكل انواع المخاطر. وعند هذه النقطة فقط تصبح امكانية ان تفقد حياتك بمثابة نافذة وحيدة للتواصل مع ذلك الايمان الذي كان في البداية.

في مثل هذه الايام, قبل عام, أضطررت لاغلاق صفحتي في فيس بوك, والذهاب لقضاء شهر رمضان في القرية. فبعد عدد من المعارك الصغيرة لأجل ذلك الهدف الكبير, كنت قد أستطعت بناء تصور حول المآلات التي اصبحنا سائرين اليها. وكان الامر مرعبا بالنسبة لي.

تلك المعارك الصغيرة كانت من قبيل كتابة منشورات حدية ضد الخط السياسي للناصرين, الذين اصبحوا يتحالفون ضمنيا مع جماعة ابو العباس وعارف جامل, ويجندون أنفسهم لتخريب أي محاولة قد تهدف الى اعادة قراءة الامور من زاوية الهدف الاساسي المتمثل في تحرير المحافظة وحماية مشروع المقاومة بما تمثله من امتداد لثورة فبراير. قراءة تسمح بتجاوز الاختلالات واعادة الامور الى نصابها.

وكانت رؤيتي ان شيء كهذا لا يمكن ان يحدث في ظل حملات التشويش الممنهجة على المشهد القائم حينها لاسباب حاضرة وفي الغالب بدونها. كنا فعلا نعيش ظرف عصيب للغاية. لهذا كنت اخوض تلك المعارك الصغيرة واعرض نفسي لكل انواع المخاطر والاساءات. فأنا اعرف حجم الشغل الذي يقف خلف مثل هذه التوجهات. لكن ليس لهذا السبب كان موقفي حادا من توجه الناصرين. بل الى جانب ذلك, كنت لا ازال غير مصدق ان حزب سياسي عريق يمكنه ان يلقي بثقله كله خلف جماعة دينية طارئة لا احد يعرف ما الذي تخبئه لنا. ثم هناك ما يتعلق بالتعقيدات التي جعلت اطراف اقليميه تبدأ في عملية استقطاب واسعة. وفي المجمل لأن ذلك التوجه, كنت اعرف انه يأتي في سياق ترتيبات مع جناح صالح الذي كان لا يزال شريكا للحوثي في ارتكاب الجرائم البشعة بحق سكان هذه المحافظة, بهدف قتل تطلعاتهم المشروعة.

ادركت هذه الامور من وقت مبكر, وكنت اعتقد ان خوض المعارك الصغيرة لافشال المخططات المشبوهة, مسألة واجبة على كل من يعي خطورة ذلك. وكان الأكثر رعبا, ان قليلين فقط هم من كانوا يعون ذلك, ولا يعرفون ما العمل؟

بالطبع, قبل ان يقتل صالح بيومين كان قد اعلن انفكاك تحالفه مع جماعة الحوثي واعلان خوض الحرب في مواجهتها, اعتمادا على تلك الترتيبات التي كانت تجري في اماكن أخرى (داخل مساحة الشرعية), بينما اصبح واضحا بعد مقتله انه لم يرتب شيئا لمعركته داخل صنعاء.

منذ مقتل صالح, تغيرت امور كثيرة. ظهرت تحالفات الى العلن, واختفت تلك الوعود بامكانية ايجاد طريقة ليس فقط للانتصار لمشروع المقاومة وحماية مسار الثورة وصيانة التضحيات, بل ايضا الى جانب ذلك, بتنا نشك ان هناك طريقة قد تساعدنا في الحفاظ على تماسك البلاد مرة أخرى, وعلى تلك المكاسب الشحيحة التي تحققت طوال عقود منذ فجر الثورتين (الديمقراطية بصورتها المشوهة والنظام الجمهوري المخصي), كمعالم واضحة لاستئناف الحلم, وقبل ذلك انهاء هذه الحرب قريبا, وبما يحفظ لنا القدر البسيط من الكرامة.

لا اعتقد ان الاستسلام لهذه الصورة القاتمة, هو الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به. وارى انه علينا البحث بجدية عن طريقة ممكنة لمواصلة النضال ورد الاعتبار لكل تلك الاهداف الكبيرة التي جعلتنا على استعداد للتضحية وبذل حياتنا في سبيل الانتصار لها. ما دون ذلك, يصبح أي عمل نقوم به, مجرد مساهمة متواضعة (لكن على نحو بشع) في ارتكاب الجريمة الماثلة والمتواصلة بحق انفسنا وبلادنا واحلامنا. وعينا ذلك او لم نعيه. والاهم من ذلك ان حياة اغلبنا اصبحت عرضة للفقد, وبدون أي معنى, قد نحتاجه ويحتاجه من سيعيش من بعدنا, لتقبل مسألة اختفاءنا, والاعتقاد ان تضحياتنا كانت تستحق فعلا.

*نقلاً عن صفحة الكاتب في فيسبوك


Create Account



Log In Your Account