للمسلمين ... لا تمتحنوا اوروبا
الأربعاء 06 يونيو ,2018 الساعة: 11:08 مساءً

ليست اوروبا في احسن حال وهي تبني مشروعها الكبير ببطىء شديد ومفاوضات ونقاش حاد وطويل وعسير. ويصاحب التراجع الاقتصادي لايقين في الخيارات السياسة وفقدان ثقة في المشاريع التقدمية ونجاعة القيم الحضارية. وككل مجتمع، هناك من يرفض لمجرد الرفض ويستند الى التاريخ والقومية والدين في تقديم مشروعه المضاد طمعا في السلطة. ويسارع في الاتهام ويبحث عن الحلقة الضعيفة في المجتمع ويجعلها كبش فداء وصوله الى السلطة.

في اوروبا تزدهر الشعوبية كالفطر وتربح البلدان واحدة بعد اخرى. ووضعت قضايا عديدة نصب أعينها من قبيل الهجرة واللجوء والمسلمين. وتتحرك الآلة الإعلامية بشراسة. الارهاب الاسلاموي هو المدخل المناسب للجميع من اجل فرض سياسيات أمنية وتطمين المجتمع والوصول الى الحكم. وهذا شأن سياسي جدير بالاهتمام والمتابعة.

لكن طالما والمسلمين قد وجّهت اليهم أصابع الاتهام والشك والريبة، كيف يتصرفون في هذه اللحظة من اللايقين وامكانات النكوص حضاريا؟

يضع المسلمون في اوروبا بقية الأوروبيين والأوروبين المتمسكين عن حق بقيمهم في امتحان عسير تجاه القيم الحضارية الأوروبية التي تجلت في الممارسات الديمقراطية والعلمانية والحريات الفردية.

يضغط هؤلاء المسلمون، لنقل جلهم لا كلهم احتياطا ، على الأوروبيين حتى يُخرِجوا منهم كل اشكال النكوص الحضاري. وبهذا يكون إسهامهم في حقل التطور الحضاري ينحصر في امتحان هذه القيم ومنتجيها على الثبات.

فصعود اليمين المتطرف هو نتيجة مباشرة وغير مباشرة لسلوك المسلمين في اوروبا وظاهرة الهجرة وان كانت الأسباب الحقيقية ذات طابع سياسي واقتصادي واجتماعي الا ان للمسلمين يد طولى في هذا الشأن.

ويدرك الأوروبيون ان هذا الصعود هو انتكاسة حضارية وهو تشدد يتغذى من تشدد.

فلا يكفي ان يكون حضور المسلم في اوروبا قانونيا ولا ان تكون ممارساته قانونية ، بل عليه ان يتفهم الشرط الاخلاقي الذي املي القيم الحضارية الأوروبية. وعليه ايضا ان يُؤْمِن بالمبدأ الجوهري وراء تكوّن هذه القيم وهو النقد والمراجعة هذا لأن القيم ليست معطى تاريخيا ولا قوالب جاهزة إنما تشيّد وتعزّز.

ومقابل طراوة التجربة في اوروبا، المسلمون قادمون من خارج السياق التاريخي ولم يكونوا في المعمل الذي دفع بأوروبا الى اختيار نمط الحياة هذا.

ولهذا يأتي المسلم من اخر المطاف ويمارس حياة غير منفصلة عن منابعه الثقافية ويكرسها بكل ما اوتي من قوة استفزاز فقط كي يمتحن تناقض الاوروبي مع قيمه وبعدها يشتكي ويولول. وهذا لا يمكن فهمه الا باعتباره ضغينة مضمرة وحرصا على تعميم الفشل وأغراق الجميع فيه.

فمثلا يحاول المسلمون انتزاع اعتراف وحكم قيمي من القوى السياسية والاجتماعية في اوروبا تجاه بعض او كل احداث الشرق الأوسط انطلاقا من موقف قيمي ينسجم والأركان الرئيسة للحضارة الأوروبية وفِي الوقت نفسه يقدّمون انموذجا مغايرا ومتناقضا مع هذه القيم.

سأعطيكم مثالا على ما قلته، وهو دليل التناقض الداخلي وتجزئة المبادىء. يطالب المسلمون ادانة من المجتمعات الغربية لطبيعة الحكم القائم في مصر باعتباره انقلابا على الديمقراطية، هذا المنتج الغربي الذي على الغرب الدفاع عنه. لكنهم يريدون ديمقراطية ذات خصوصية بل انهم نادمون على نظام الاخوان في مصر والذي لم يكن فاشلا فحسب ويخلو من اي مشروع للمجتمع غير الخطاب الديني والدعاء والحوقلة بل حاول الانقلاب على شروط الديمقراطية والاساءة لبقية القوى الاجتماعية والسياسية والجماعة الدينية المغايرة اي للمسيحين في مصر ارتكازا على مفهوم الذمي لا الشريك.  

في حقيقة الامر التمسك الجاف بالحق القانوني في التدين والمبالغة في التدين وتقديم الاسلام كدين نقيض ومتحدٍ للقيم الغربية هو انانية صرفة من المسلم الذي يعيش في اوروبا.

انانية لانه ينتمي الى عالم إسلامي مدان عمليا ونظريا وكل أصابع الاتهام موجهة اليه وعلى رأسه قامت فكرة صراع الحضارات وتدشن الحروب، بحق وبغير حق، عليه. ثم يتمسك المسلم الاوروبي بحق قانوني يعكس الصورة النمطية عن المسلم المنفصل عن واقعه وعن التحدي الحضاري الذي ينبغي ان يضطلع به في الغرب كما ويذكي هذا الصراع ويضعف المناصرين له من غير المسلمين.

يغالط المسلم نفسه ويعفي نفسه من المسؤولية حين يقدم مبررات من قبيل انه مستهدف لإسلامه وعليه الا يفكر او ينتقد موقفه.

كما يذهب البعض الى القول ان اليمين المتطرف حتمية تاريخية صبت غضبها على اليهود في السابق واليوم على المسلمين. بمعنى ان المسلم جاء في اللحظة الخطأ. وان العدو هو الآخر.

لا يوجد طرف قادر على مواجهة الغرب غير الصين بما تمتلك من مقومات حضارية ونظام سياسي ومقدرات اقتصادية وعسكرية. مع هذا لا يمثل الصينيون استفزازا حضاريا للغرب رغم حضورهم الكبير وتنامي حصتهم الاقتصادية. فهم تحدٍ وربما خطر استراتيجي حقيقي في عيون الغربيين لكنهم ليسوا تحديا حضاريا يقوض القيم الحضارية الأوروبية.

وكبار دارسي الظاهرة الصينية ومتابعي صعودها يَرَوْن انه مِن الممكن جدا الوصول الى تفاهمات بناءة مع الصين على عكس المجتمعات المسلمة.

وقد كتب الكثير حول هذا الامر الا ان المسلم اكتفي بالتوهم انه مستهدف لإسلامه فقط لا غير. وذهب يبحث في السلوكيات الهامشية المعادية للاسلام في المجتمعات الغربية ليؤكد فرضيته ويعفي نفسه عن التفكير في وجاهة فكرة انه يمثل تهديدا حضاريا سيقود اوروبا الى نكوص ووبال ينال منه وينال بالتاكيد من اوروبا ذاتها.

التيارات المتطرفة تهدم نفسها ولأوروبا تجربة قاسية في هذا الامر.

ما هي مشكلة المسلم حتى نخرج من دائرة الجدل العقيم.

اولا، ان المسلم يتمسك بالعبادات ويظهرها وكأنّها تتجزأ من ثلاثية المعاملة والعقيدة والعبادات. ولهذا فهو الاسواء في المعاملات لكنه يرى نفسه طاهرا لمجرد انه توضأ وصلى.

ثانيا، انه قادم او يتصل بثقافة تقييمها للفرد يمر عبر التزامه بمظاهر العبادات وتنسف قيم الاستحقاق والجدارة والخيرية والعمل. ولهذا لم يستوعب بعد معايير التقييم الاجتماعية في اوروبا. في ذهن اغلب المسلمين ان المواطن الصالح هو المواطن الملتزم دينيا. ولديهم تصور مفاده، ان الاخر سيحترمك متى ما احترمت دينك. فيتقوقع المسلم في تصوراته هذه ولا ينظر الى القيمة المشتركة التي يمكنها تعزيز الاحترام المتبادل. اذ لا علاقة لكثير من الأوروبيين بالتدين كمعيار للصلاح. هذه شروط مختلفة تماما ومعايير مغايرة عن الالتزام الديني الذي في اغلبه يورّث نفاقا مجتمعيا.

ان أكبر اضافة شائعة قدمها المسلمون والعرب في أوروبا هي الشتائم باللغة العربية  او "ان شاء الله" وتعني تداولاً عدم احترام الوقت والالتزامات او الأيمان بكل المقدسات لأتفه الأسباب واحيانا للكذب.

ثالثا، يظن انه أفضل لأنه مسلم وهو يعيش في مجتمع كافر. وهذا الحكم القيمي الذي من خلاله منح نفسه افضلية تتجلى مظاهره مهما حاول اخفاءها وينكشف في ابسط المواقف ويبدو واضحا انفصاله عن المجتمع وحالة العداء المشترك التي تتغذى من حكم كهذا.

رابعا، يمارس استغلالا وانتقائية في تعامله مع القيم الحضارية الأوروبية. فهي بالنسبة له فضاء يستغله باتجاه واحد لكنه لا يستطيع تمثّل قيم هذا الفضاء ونقلها. يريد ان ينتزع حقوقه المواطناتية كاملة وغير مستعد على الإلتزام بواجباته المواطناتية. باختصار اذهبوا الى اي حي فيه كثافة سكانية مسلمة وسترون فارق الحياة من حيث النظافة، نسبة السلامة والأمن، احترام المرأة والحريات الفردية، الاندماج او الاستبعاد الاجتماعي الاختياري، مستوى التعليم، الفاعلية الاقتصادية... 

 هذا لان المسلم يساهم كبيرا في صوغ شروط حياته في المجتمع الاوروبي ثم يشكوا من هذه الشروط.

خامسا، ان المسلم معني بتشخيص وفضح عيوب الآخرين لكنه لا ينظر الى عيوبه. وهنا لا جدوى من النقاش معه لانه غير مستعد على مراجعة نفسه ومسلكه. يرفض التمييز تجاهه وديكتاتورية الأغلبية لكنه في اطار الجماعة المسلمة تمييزي وديكتاتور ولا يحترم الخيارات الشخصية. انظروا الى النقاش العنيف في اطار الجماعات المسلمة داخل اوروبا حول الافطار في رمضان على سبيل المثال. تذهب الى مطعم حلال يعمل في نهار رمضان ويسألك لماذا لا تصوم. 

سادساً: وهذه النقطة الأهم وهي ان المسلم يبدو انه لا يمتلك عقلا سياسيا على الاطلاق. فقط يعيش بحمولة تاريخية ثقيلة من العنف والمظالم والصراعات والعبادات يجلبها معه وتقوده في الأخير الى التشكيك بكل شيء. التشكيك المرضي، ويتفق في هذا مع الجماعات الأوروبية المتطرفة والمقصية التي تشكك في جدوى الخيارات التقدمية وتشكك بالطب والصحف والسياسة وتسمم المجال العام بالشك المرضي لا الشك المنهجي النقدي بالتالي تتيح المجال لانتشار أفكار القاعدة وداعش بين صفوفها.

وفِي الأخير، من هي اوروبا؟ هي مجموعة دولة بلغات مختلفة تجمعها جذورها الثقافية الإغريقية واللاتينية وروح الدين المسيحي وصولا الى الدولة القومية ومن ثم العلمانية التي قوضت الدين من المجال العام وأصبح شأنا خاصا لا يتجاوز سلطة الدولة ولا يفرض قيمه وهو سند روحي لا اكثر. لكنه لا يعيق العمل ولا التقدم العلمي ولا رفاه الافراد وازدهارهم نفسيا وجسديا او يكبح خياراتهم ويقيد حرياتهم.

بالتالي فإن المدخل لنقد ومعالجة اختلالات اوروبا ليست من خلال الدين لان الكنيسة، اختيارا او إجبارا والاجبار ارجح، انقذت نفسها وأنقذت المجتمع من تزمتها وتهديداتها وقيودها وتعبدها وفلسفتها ايضا.

وعندما يُهَاجَم المجتمع بأدوات لا يريد تفعيلها ويحاول كبحها يجد الا مفر من إعادتها ويعود اليها وقد فقد المناعة منها حيث انتزعت منه الثقة بخياراته التقدمية والمدنية.

ان اصرار المسلمين على هذا المسلك سيقود في نهاية المطاف الى محاكم تفتيش جديدة ومجازر بشعة لا ينبغي ان تكرر.


Create Account



Log In Your Account