الوطن المنكوب بالخفة
الخميس 24 مايو ,2018 الساعة: 09:51 مساءً

٤٠ عربة هو عدد عربات الإنقاذ التابعة للدفاع المدني اليمني لبلد فيها قرابة ٣٠ مليون مواطن.

قبل أعوام دوى انفجار في مخازن الأسلحة في المناطق المجاورة لنقم في العاصمة صنعاء واستمرت الحرائق و الانفجارات حتى صبيحة الْيَوْم التالي. كان ذلك قبل الانقلاب وقبل الحرب وقبل ثورة ٢٠١١.
كان الجبل يغص بالأسلحة بينما كانت عربات الإنقاذ فارغة حتى من الماء لإطفاء الحرائق التي تشب في الأسواق التجارية أو مساكن الفقراء والمهمشين.

غادر علي عبد الله صالح جزئيا الحكم والبلد الذي حكمه كان قد اشتري في عشر سنوات سلاح ب ١٢ مليار دولار إلا أنه لا يملك طائرة إنقاذ واحدة.
في قلب العاصمة شب حريق هائل في حي الحصبة والتهم برج مبنى اليمنية الأنيق حتى توقف الحريق بعد أن تعب من تلقاء نفسه اذ لا وجود لطائرة إطفاء.

وبعدها بأعوام انفجر بركان جبل الطير في البحر الأحمر وأحترق الجنود بسبب الحمم ودخان البركان ونجا جندي غامر وقفز الى البحر وواصل العوم ليوم كامل حتى أنقذته سفينة كندية ووجدته وقد نهشت منه الأسماك لحما حيّا.
يومها تفقد صالح البركان عبر طائرة مروحية لا تقلع ليلاً ونقل التلفاز صورا له مبتسما مشدوها كطفل يدخل السيرك لأول مرة.

منذ كارثة زلزال ذمار وحتى كارثة إعصار سقطرى وهذا البلد منكوب بسوء إدارة وخفة مسؤولية لا يمكن قياسها.
قبل سنوات أيضا تعرضت حضرموت لكارثة سيول جارفة واحتشدت الحكومة تتسول العون وانتهى الأمر بفضيحة فساد على أكبر مستويات السلطة في عهد صالح بسبب التلاعب بالمساعدات.
بالمناسبة التعويضات المقررة منذ ذلك الحين لم تصل بعد الى المستحقين.

كنت أعيش قبل سن العاشرة في قريتي القريبة من عدن وكان يصل إلينا بث تلفزيون عدن. أتذكر قبل الوحدة أن كارثة سيول اجتاحت محافظات عدة في جنوب اليمن وكانت المياه الجارفة تجري على شاشة التلفاز تحمل الخفيف والثقيل بينما يقف المسؤولون في زياراتهم البلهاء يتفقدون الأرض المنكوبة بملابس ونظارات أنيقة.
لا شيء غير التفقد والتوجيهات ثم تأتي كارثة بعد أخرى تجرف معها خير الناس وتراب أرضهم وحياتهم. وحده البحر يتسع لكل شيء. ومثله جيوب مسؤولينا وأحيانا صناديق المنظمات.

لم يمهل الإعصار المزايدات السياسة حول سقطرى وأفتضح الجميع: المنقذ والأخ الحنون والغيور السيادي.
وظهرت ضحالة السجالات السياسية التي لا تفرق بين الشأن السيادي وبين مواجهة الكوارث، وكأن الاعصار مناسبة لتسليم الأرض أو لموت سكانها تحت الحاجة.
في الكوارث وفِي الحروب هناك سقف للتدخل لا يمس سلامة الأوطان ولا كرامة الناس.
------------------

*نقلاً عن صفحة الكاتب على فيسبوك


Create Account



Log In Your Account