السودان.. انقلاب فريد من نوعه في كل شيء
الإثنين 25 أكتوبر ,2021 الساعة: 11:38 مساءً
متابعات

لم يكن ما حدث اليوم في السودان مفاجئا للمتابع للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، والصراع المتصاعد بين مكوني الحكم الذي بلغ ذروته خلال الأسبوعين الماضيين، منذرا بالاحتراب الأهلي بين أنصار كل من المكون العسكري والمكون المدني في مجلس السيادة الانتقالي، اللذين تسابقا في حشد المواكب وتنظيم الاعتصامات.

انقلاب اليوم يبدو فريدا من نوعه، وحالته ومقدماته والسياق الذي يأتي فيه، وردود الفعل الإقليمية والدولية تجاهه، وربما نتائجه، مقارنة بالانقلابات ومحاولات الانقلاب السابقة في الخبرة السودانية بصفة خاصة والأفريقية عامة.

يتزامن الانقلاب مع بدء العد التنازلي للفترة الانتقالية السودانية التي أعقبت الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير عام 2019.

فقبل أقل من شهر على الموعد المحدد لتسليم الفريق أول عبد الفتاح البرهان قيادةَ المجلس الانتقالي الحاكم إلى مدني، انقلب المكون العسكري على المكون المدني، وخرج البرهان معلنا انتهاء "شرعية التراضي" بين الجانبين، و"انقلاب التراضي إلى صراع يهدد أمن الوطن".

وسبق للبرهان أن حذر الشهر الماضي من أن الجيش لن يسلم السلطة إلا لحكومة ينتخبها الشعب السوداني، في إشارة مبكرة إلى أنه قد لا يلتزم بالجدول الزمني المتفق عليه سابقا، والذي دعا المجلس إلى أن يكون بقيادة شخصية عسكرية لمدة 21 شهرا، يليه مدني لمدة 18 شهرا تاليا.

وبموجب هذه الخطة، كان من المقرر أن يتم التسليم في وقت ما في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مع اختيار الزعيم المدني الجديد من قبل تحالف من النقابات والأحزاب السياسية التي قادت الانتفاضة ضد البشير.

احتاج البرهان اليوم أكثر من 9 ساعات لصياغة بيانه الذي استغرقت مدة إذاعته في التلفزيون السوداني الرسمي 8 دقائق. فمنذ ساعات النهار الأولى وحتى ظهر اليوم، تعلقت الأنظار بالتلفزيون الحكومي منتظرة "البيان رقم 1″، حيث نبّه إلى "عاجل.. بيان مهم من رئيس مجلس القيادة السوداني"، لكن انتظار هذا العاجل تجاوز ساعات طويلة حتى ظهور البرهان على الشاشة لتلاوة البيان.

وخلال هذه الساعات، بث التلفزيون الرسمي معظم ما في أرشيفه من أغان وطنية سودانية في مراحل وحقب مختلفة، لمطربين كبار معظمهم رحل، إلى جانب أغان وطنية أخرى فردية وجماعية لأجيال شابة، مصحوبة بمقاطع فيديو تظهر جمال الوطن، لعلها تخفف من حدة الملل لمن ينتظر تأكيد المؤكد.

لم ينسَ البرهان في بيانه إبداء الامتنان وتوجيه الشكر إلى "الجيران والأصدقاء والأشقاء" الذين ساندوا السودان في أزمته، لكنه لم يذكر أحدا باسمه، تاركا الباب مفتوحا لاستنتاج الأسماء والاجتهاد في تحديدها وتحديد دوافع كل منها.

ردود الفعل
تأخير البرهان في إلقاء بيانه طوال ساعات قد يفهم منه رغبة الرجل وبقية العسكريين النافذين في اختبار ردود الفعل الغربية والأميركية تحديدا، خصوصا أن الانقلاب جاء عقب اللقاءات المكثفة التي عقدها المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان مع أطراف الأزمة في الخرطوم.

وقبل أن تتوقف وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) عن بث أية أخبار محلية أو غيرها، ذكرت -أمس الأحد- أن رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك التقى -في مقر إقامته عصرا- فيلتمان، في لقاء هو الثالث خلال يومين، لمواصلة النقاش حول سُبُل الخروج من الأزمة السياسية الحالية، بوجود القائم بالأعمال الأميركي في البلاد برايان شوكان.

وجاء اللقاء في ختام لقاءات أجراها فيلتمان أمس أيضا مع البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس حركة "جيش تحرير السودان" مني أركو مناوي.

وذكرت "سونا" أن فيلتمان "عبّر لرئيس الوزراء عن تفاؤله بإمكان وجود مخرج من الأزمة الحالية بما يعزز من مسار التحول المدني الديمقراطي في البلاد، وبما يؤدي لاستكمال استحقاقات الوثيقة الدستورية واتفاقية جوبا لسلام السودان، وبما يحقق تطلعات الشعب السوداني في مستقبل أفضل".

كما أعرب فيلتمان -بحسب الوكالة- عن التزام الولايات المتحدة بـ"دعم التحول الديمقراطي في السودان، شرط تمسك القيادة السودانية بالوثيقة الدستورية الموقعة عام 2019، واتفاق جوبا للسلام عام 2020 الذي تم التوافق عليه بين الأطراف السودانية".

التفاؤل الذي أبداه المبعوث الأميركي وتأكيده التزام بلاده بدعم التحول الديمقراطي في السودان، لا يتناسب مع ردة فعله تجاه ما تردد بشأن الانقلاب، حيث أعلن -قبل بيان البرهان- أن واشنطن "قلقة للغاية" من تقارير "استيلاء" الجيش على الحكومة السودانية، متجنبا استخدام كلمة انقلاب.

وغير بعيد عن ردّ الفعل الأميركي، جاء موقف الاتحاد الأوروبي الذي أعلن ممثله الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية جوزيب بوريل، أن الاتحاد يتابع الأحداث الجارية في السودان بـ"قلق بالغ"، وأنه "يدعو جميع أصحاب المصلحة والشركاء الإقليميين لإعادة عملية الانتقال إلى مسارها الصحيح".

أما الصين -سند السودان الاقتصادي الأول وشريكه الدولي الرئيسي أيام العقوبات الأميركية والغربية، وصاحبة الاستثمارات المهمة فيه- فحثت "جميع الأطراف السودانية على حل خلافاتها من خلال الحوار، من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار في البلاد"، مؤكدة في الوقت نفسه أنها ستواصل متابعة الاضطرابات عن كثب وستتخذ "الإجراءات اللازمة لضمان سلامة المؤسسات والموظفين الصينيين هناك".

المصدر : الجزيرة 


Create Account



Log In Your Account