الإغراق في الفشل والتلاشي للدولة باسم استعادتها
الثلاثاء 05 أكتوبر ,2021 الساعة: 10:18 مساءً

سيادة حالة من التلاشي لخطاب وطني جامع يقترب من القضية المركزية اليمنية الممثلة في الهوية الوطنية اليمنية كقوة محركة لإنتاج أيديولوجيا للدولة اليمنية  التي نزعم  -أننا نحن والتحالف العربي العريض بقيادة المملكة العربية الدولة ذات الإمكانيات اللامحدودة- نحارب من أجل استعادتها وإسقاط هذا الانقلاب والحفاظ على جمهورية ووحدة  الكيان السياسي  اليمني وسلامة أراضيه.
لا يمكن الحديث عن دولة تملك إمكانية حسم حرب داخلية أو خارجية إلا إذا كانت تملك ممكنات قوة غير عسكرية؛ كممكنات اقتصادية مسندة على ممكنات ثقافية راسخة و تملك قوة التجذر المستمر بالواقع تنصع  ديمومة، والاستمرار بالوتيرة المرتفعة التصاعدية في الحرب عبر إنتاج مستلزماتها، أو إنتاج فائض اقتصادي يمكنه توفير مستلزماتها دون تترك آثارا منهكة  ومدمرة على الاقتصاد الكلى، تضمن عدم الانحدار  على المدي القريب الى حالة الانهيار وليس الانكماش فقط.  
لعل ضمان حالة من القناعة المجتمعية  الراسخة بالصمود لبلوغ الانتصار  لخيارات الدولة  الحاسمة للمسألة الوطنية، أو فرض تسوية مُرضية تضمن استقرارا مستداما على المدى البعيد تمكنه من تجاوز مسببات عدم الاستقرار وتحقيق معدلات تنمية عالية.
 اليوم  عند تقييم  هذا المشهد اليمني القائم فإنه محبط  جدا على المستوى الرسمي بكافة الأصعدة العسكرية والاقتصادية والسياسية  والثقافية خصوصا في المستوى النخبوي عامة:
  اليوم لم يتبق في الوطن بصيص أمل يمكن المراهنة عليه إلا في القاعدة الشعبية الكبيرة، التي نخاف عليها من الإنهاك بطول زمن  الحرب وجرفها واستنزافها لكل الإمكانيات المادية والبشرية وقناعاته الفكرية الثقافية للمقاومة، في ظل  استمرار حالة الحصار متعددة الأوجه لهذه القاعدة الشعبية التي تقاد مع الأسف  بمنهجية السرية والتكتم الشديد في ممارسة إدارة مؤسسات الدولة الشرعية للحرب أولا والشؤن الاقتصادية، وحالة الميوعة السياسية وقتامة مشهد خطة السير لرسم المستقبل..
و يمكن تسميته (المشهد اليمني القائم) بحالة الاستسلام المطلقة للدور الإقليمي  الخاضع كليا لما تمليه الهيمنة الدولية  الغربية ممثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا والدور الأوروبي المتذبذب أو التابع لهذا الدور المهيمن،
يجعل السلطة تبرز وكأنها تمارس العمل في ظل هيمنة دكتاتورية مستعبدة تمنعها من القيام بواجبتها بكل حرية ووضوح، وكأن هناك من يفرض  إفراغ الساحة الداخلية لأدوار  فاعلة و كبيرة لجماعات  الانقلابات المسيطرة والمهيمنة المستقوية بالسلاح الذى بيدها والإكراه الجبري.
و بتباين واختلاف وفراغات أجندات دول تحالف الداعمَين الإقليمي والعالمي معا - الذى أوجد  سلوكيات وممارسات ذات مرجعيات أيديولوجية مضادة ومناهضة  ومقوضة  لإيديولوجية الدولة الوطنية  الجامعة المزعوم استعادتها بالحرب والإسناد والدعم  الاقليمي مما جعل المشهد مرعبا وخطيرا جدا  ومنذرا بحرب طويلة الأمد واستقرار غير ممكن على المدى القريب وربما البعيد أيضا، وخلق حالة من الضبابية والإرباك  الكبير في مناطق السيطرة النظرية للسلطة الشرعية مقابل مناطق سيطرة سلطة الانقلاب المليشاوى الحوثي المدعوم من إيران.
ويزيد من حالة غياب إمكانية قراءة المشهد الحالي والمستقبلي داخليا في اليمن اختفاءُ وتواري السلطة الشرعية بكافة مستوياتها داخل التحالف العربي الداعم، وكأنها تنزلق بدون وعى – وربما بوعي- إلى تمثل مفهوم  نموذج الإمامة الاثني عشرية  الجعفرية  الشيعية ما قبل ثورة الخميني الايرانية  ( الإمام المستور: إمام السرداب ) قبل بزوغ نموذج ولي الفقيه أو نائب الإمام !!!!
فالسلطة الشرعية اليمنية تتوارى عن جنودها وأنصارها  بل وشعبها وتتعامل معهم عبر الاثير المحدود !!!
ورغم إعلانها أنها تسيطر نظريا على 80%من أرض الجمهورية اليمنية فإنها لم تحاول العودة إلى أي منها مقابل خطاب حلفائها أن ما يسيطرون عليه من الأرض هي مناطق يحرم على السلطة العودة إليها وممارسة سلطتها منها، سواء الحكومة كسلطة تنفيذية او السلطة التشريعية او السلطة القضائية.
 كما أن سلطتها العسكرية التي تدير الحرب لا تسطيع الخروج خارج مربع الأجزاء المحررة  محافظتي مارب والجوف، وتحرّكها في باقي المناطق المحررة من الانقلاب تخضع لسلطات أخرى محمية بحماية إقليمية تمانع حتى من وجود السلطة لو حتى كسلطة منزوعة القوى الخشنة.
يقابل ذلك ميوعة و خواء سلطوي عام على مستوى المحافظات خلق مساحات من الحرية المطلقة لمنظمات الأمم المتحدة وشركائها المتعددين بالعمل بحرية مطلقة دون رقيب، في حين يخضعون لرقابة وتوجيه وتحكم كامل من قبل سلطة الانقلاب المليشاوي الحوثي، الذى جعل هذا الدعم الدولي واحدا من اهم أدوات دعم الحرب واستمرارها.
أمام ذلك الخواء والميوعة تفتقر الساحة الشعبية العريضة- تحت سيطر  السلطة الشرعية أولا وتحت هيمنة الانقلاب الحوثي في المحافظات المهيمنة عليها بالقوة المليشاوية ثانيا-  تفتقر إلى خطاب الدولة الموجّه و الداعم و المسند لتعزيز روح المقاومة والحفاظ على  مفاهيم الهوية الوطنية من التجريف ومحاولات إحلال هويات بديلة ما قبل وطنية بديلة لها.
في داخل هذا المشهد الرخو جدا للانقلابات الداخلية ذات الهوية الجهوية او المذهبية ما قبل الوطنية التي تستند على تجذرها على خطاب فكرى ثقافي وسلوكيات وممارسات سياسية مترجمة له، تعمل الانقلابات على إعادة تمكين اقتصادي متعدد الأنشطة ومنظما وتجعل الحرب على هذه الانقلابات الأخرى ذات كلفة كبيرة جدا على كافة الأصعدة، وتحتاج مدى زمنيا طويلا لمواجهتها يكاد يكون بضعاف الفترة الزمنية للحرب أربع الى خمس مرات على أقل تقدير، خصوصا أن هناك تغيير  كبير في المناهج والرموز والشعارات والخطاب الرسمي: الهوية الوطنية اليمنية أولا، ولإيديولوجيا الدولة ثانيا.
   ومع هذه الحالة المائعة جدا للخطاب الفكري والإعلامي القائم والمحدود جدا عبر وسائل الإعلام والتواصل الرسمية  مقابل حالة الشيوع لنفس الوسائل  من حيث النوع وفارق  كثافة الاستهداف و نظاميته  واعتماده على التناغم خصوصا لدى مليشيات الحوثي  وشيوع خطاب غير منظم  ومتفاوت الكثافة  ومتناقض وهيمنة الخبري والمناسباتي على خطاب السلطة الشرعية تكون إمكانية تفوّق خطاب الهويات ما قبل ذي الشمولية والمترجم في وقت قياسي إلى سلوكيات وممارسات سياسية عملية.
في حين تبخرت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والاعلام المقروء من يد السلطة الشرعية  وقلت كثافة وهيمنة الاعلام المرئي قد انقلب  لصالح السلطات الانقلابية على الواقع مقابل المحدودية لإعلام الشرعية المرئي والمسموع.
وفي حين اختفى تقريبا الدور المكمل للإعلام الفكري للسلطة عبر كتابها ذوى الانتشار والجمهور الكبير وأصبح محدودا جدا وهيمن خطاب آخر وسط بينهم ينادي بالسلام والإنسانية ذي بعد ثقافي متماهٍ من سياسية الحيادية للمنظمات الدولية التي تملك فائض إمكانيات مادية لتمويله استطاع سحب قسم كبير من الكتاب الأكاديميين لصالح خطابها ومن محترفي الكتابة الفكرية خصوصا في ظل غياب  الدعم الرسمي لهؤلاء  وهيمنة الفقر والغلاء والحاجة لمواجهة ظروف المعيشة القاسي.
لكي تصبح صفحات التواصل الاجتماعي بديلا عن أقل من الحد الأدنى لمواجهة هذه المهام  تكاد تنحصر الساحة في عدد محدود جدا يتصدرها دكتور ياسين سعيد نعمان والوزير السابق الاستاذ خالد الرويشان وعدد معروف لا يتجاوز أصابع اليد الواحد.
وهذا يحلق تحديات مضاعفة فوق تحدى الحرب؛ خصوصا بعد أن تحولت حواضر  عربية للنخبة إلى مقابر بعد أن كانت منابر للنخب الثقافية والسياسية اليمنية في القرن الماضي كالقاهرة مثلا والعواصم العربية الأخرى. 
فهل هكذا وضع ضمن اهتمام النخب اليمنية عامة والسلطة الشرعية بسلطتها أيضا؟..
أخاف أن تكون الإجابة "لا، ليس ضمن اهتمامها".
عبدالهادى العزعزي


Create Account



Log In Your Account