تعز: عقدة المعيارية الشكلية وما ورائها
الجمعة 27 أبريل ,2018 الساعة: 04:25 مساءً

ثيمة تعز الاساسية, تتلخص في ضرورة فتح مساحات للناس لتعمل وتبدع مع الضبط اللازم للقواعد. هذا لمن يريد ان يفهم ويبحث فعلا عن مخرج حقيقي من هذا الوضع.

هذه الثيمة هي السر في كون تعز لا تزال رافعة للمشروع الوطني, وعدم تقدير اهميتها _ سواء بشكل متعمد او بسبب قصور في النظر _ هو السبب في كون تعز تعيش مثل هذه الاوضاع المزرية.

لهذا تكمن عقدة تعز في تفشي المعيارية السطحية. وهو شيء ظهر على نحو جلي ابان ما كان شوقي هائل رئيسا للمجلس المحلي قبل ثورة فبراير ثم عندما اصبح محافظا بعد ذلك. فقد اراد اغلاق اسواق القات ورفع البسطات من الشوارع. وبهكذا قدم وعدا بأن تعز ستصبح دبي أخرى في غضون سنوات قليلة. وكأن تعز معزولة عن السياق العام في البلد. وكأن وضعها المزري لا علاقة له بالسياسات التي انتجها نظام صالح وهي سياسات لا تزال قائمة الى اليوم وليست حتى مطروحة على طاولة النقاش. وبسببها اصبحت تعز بمثابة قرية كبيرة وشبه مدينة طاردة. الناس بدلا من ان تذهب للمخا مثلا اصبحت تذهب نحو صنعاء وعدن وباقي المحافظات للبحث عن عمل.

هذه المعيارية _ التي يقع تحت سطوتها المحافظ الجديد, وتتضمن ايضا الحديث الدائر حول الدولة ومؤسساتها والجيش, وكذلك الرؤية عند الاحزاب السياسية _ تتمحور دائما في الجانب الشكلي. لا احد لديه الاستعداد للغوص في عمق الظواهر وجوهرها والخروج بأفضل الحلول وفق ما هو ممكن ويتيحه الواقع.

حل اشكالية مؤسسات الدولة وحتى الجماعات المتطرفة وقضايا الامن, كل هذه القضايا لها مدخل واحد اساسي وهو تحرير المحافظة. ثم يأتي بالتوازي مع ذلك مسألة الاشتغال الجاد والهادئ على باقي القضايا.

قبل عام ونصف, عندما تم فك الحصار عن تعز, عادت الحياة للمدينة واختفت كثير من الظواهر السيئة. اختفت كتائب الموت وكتائب حماة العقيدة وضاق هامش حركة الجماعات المتطرفة ليقتصر على المناطق التي لا تزال غير امنة. ثم مع صرف رواتب الموظفين والجنود توسعت دائرة الحركة وعادت الحياة لأغلب الشوارع والاحياء واختفت كثير من الجرائم.

وهناك مثال اخر عن كيف ان الرؤية المحكومة بها هذه المدينة دائما قاصرة: قبل عام ايضا بلغ الصراع على سوق قات ديلوكس ذروته. سقط عدد من القتلى المدنيين كما يجري اليوم ممن ليس لهم علاقة بما يحدث. ثم تم نقل السوق. لتفقد اكثر من مائة اسرة مصدر دخلها الوحيد في وضع كان مزريا للغاية. لا احد انتبه لهذه المشكلة ولا احد رغب في البحث عن افضل حل لذلك الصراع.

اليوم نفس الشيء. ليس فقط مدنين يسقطون وجنود بواسل. ولكن احياء وشوارع كاملة تعطلت فيها الحركة. وهذا تقريبا هو الشيء الذي يجعل الناس تقف على الحياد دائما في مثل هذه الصراعات. بعكس ما لو ان المعركة تتعلق بالتحرير وانهاء هذا الحصار الذي لم يعد مبررا. فمعظم الاجزاء المحررة اليوم تحررت بالسلاح الشخصي بلا جيش بلا محافظ وبلا شعارات خرقاء.

لكن يبقى من المهم الاشارة الى ان هذه المعيارية الشكلية التي نتحدث عنها, ليست فقط مجرد قصور في النظر وهو ما يمكن نسبه للناس العاديين. عند باقي الاطراف هذه المعيارية هي مجرد غطاء لطبيعة الصراع الجاري. الجميع لا يريد لتعز ان تتحرر قبل ان تتأكد مسألة الهيمنة عليها وتصفية بعض الحسابات. لأن تحررها وان كان كفيلا بالقضاء على كثير من الظواهر السيئة, قبل حسم الصراع فيها, سيعني هذا اعادة القرار للناس من جديد الامر الذي سيكون من الصعب معه ان يهيمن هذا الطرف او ذاك.


Create Account



Log In Your Account