مؤسسات الدولة وديمغرافية المدينة
الخميس 26 أبريل ,2018 الساعة: 03:08 مساءً

فهم الطبيعة الديمغرافية للمكان, يأتي قبل مسألة التعامل مع مشاكله.

تنقسم تعز الى قسمين:

الاحياء الجديدة وهي التي بنيت خلال العقود الاربعة الماضية (بعد ثورة سبتمبر) وتقع شمال وغرب شارع جمال. معظم سكانها وافدين من الريف.

والاحياء القديمة الواقعة جنوب وشرق شارع جمال, ويقطنها اقدم سكان مدينة تعز ومن كانوا بمثابة جهاز اداري وعسكري للدول المتعاقبة. وهذه المناطق ينتشر فيها الفقر بشكل كبير, لكنها متصلة بامتداداتها الحديثة: حي المجلية والكمب وغيرها من الاحياء التي تسكنها الاسر الغنية.

لفهم طبيعة هذه المناطق من الناحية السياسية. يمكننا العودة الى العام 2011 ابان ثورة فبراير المجيدة, حيث بدا وكأن مدينة تعز قد انشطرت الى قسمين. كانت الاحياء والمناطق الواقعة شمال وغرب شارع جمال كلها مناطق محسوبة على الثورة, وتوجد فيها ساحة الحرية. بينما الاحياء الواقعة جنوب شرق شارع جمال فكان حضور مؤيدي صالح فيها قويا. فهناك عاش صالح سنوات شبابه (في الجحملية) وهناك تعيش الاسر الاشد فقرا والاسر الاشد ثراء.

بعد محرقة ساحة الحرية تحولت تعز كلها الى ساحة مفتوحة. ولم تعد المظاهرات مقتصرة على شارع جمال والجزء الشمالي من المدينة. بل كان محمد صبر ورفاقه يتعمدون المرور في الاحياء القديمة وشارع 26 سبتمبر. حينها سقط عدد كبير من الشهداء لكن المسيرات لم تتوقف. وكانت تخلخل معنويات البلاطجة وقوات الامن التي لم تعد تجد من مكان امن لها سوى في تلك المناطق.

تتركز معظم مؤسسات الدولة في هذه الاحياء. كما ان سكانها كانوا يفرضون انفسهم عليها بطريقة او بأخرى. ففي مؤسسة الجمهورية مثلا هناك عشرات الموظفين الذين لا علاقة لهم بالصحافة والعمل الاعلامي وليسوا حتى خريجين ثانوية. يتوظفون لأنهم فقط من سكان الاحياء القريبة من مبنى المؤسسة.

سقطت هذه المناطق في يد الجماعات المتطرفة والسلفية بتسهيلات من قيادات في حزب صالح. بعد ان كانوا قد مكنوا اتباع جماعة الحوثي من التموضع في تلك الاحياء خلال العامين السابقين لاندلاع الحرب.

استعادة هذه المباني يبقى امر لا معنى له طالما ان الحوثي لا يزال متمركزا في تبة السلال وسوفتل. وكان اختيار مبنى شركة النفط وهو اكبر مبنى حكومي يقع بمحاذاة شارع جمال من الجهة الشمالية الغربية وبني في عهد الحمدي, اختياره كمقر مؤقت للمحافظة كان موفقا. كما ان اعادة تأهيل مباني الجوازات والمرور والمقرات الحكومية القريبة منها يأتي قبل مسألة استعادة المباني الواقعة في الجهة الشرقية اذا كان الهدف هو مراعاة المصلحة العامة واعادة الدور الوظيفي للمؤسسات. فتلك المباني في حي المرور يمكنها ان تستوعب ثلثي مؤسسات الدولة.

بينما التي يجري الصراع عليها اصبحت مدمرة ولا تزال واقعة في مناطق غير امنة. سواء لجهة قربها من خطوط النار ولكونها مكشوفة على عدد من المواقع التي يتمركز فيها الحوثيين او لجهة انتشار الجماعات الاجرامية والمتطرفة في محيطها. وانتشار هذه الجماعات يعود في جزء كبير منه الى كون هذه المناطق شبه خالية من السكان. معظم قاطنيها لا يزالون نازحين من بداية الحرب.

اذن شعار استعادة مؤسسات الدولة في تلك المناطق يبقى بدون مضمون. لا احد سيذهب لتقديم شكوى لادارة امن واقعة في منطقة غير امنة. الاولوية هو تطهير تلك المناطق من العصابات الاجرامية. وثانيا تسليم تلك المباني للجيش لكي يؤمن ظهر المقاتلين في الجبهات ثم لكي يضطلع بدور اعادة تأهيل هذه المباني وحمايتها. على الجيش ان يعرف ان مهامه لا يتوقف فقط على القتال. بل على البناء واعادة التأهيل وتأمين السكان. ويبقى ان المعركة الاساسية هي معركة التحرير.

هذه المباني لو اردنا ان نعطي لها اهمية تتصل باللحظة الراهنه, فهي تصلح كمراكز لادارة المعارك. بحيث لا يمر مقاتل عائدا من الجبهة الا بعد ان يسلم سلاحه ويمنح الاذن بمغادرة المربع. لكن ايضا كمراكز لاعادة تخليق قيم الدولة.

بقاء هذه المناطق تحت سيطرة العصابات يحولها الى بؤر لانتاج مشاكل قد نعجز عن مواجهتها مستقبلا.
كما انه لا يصح اقتحامها بمنطق القهر والفتح. بل وفقا لرؤية كاملة. بحيث تكون مهمة الجيش هي تقديم نموذج للانضباط العسكري وحماية الناس واعادة ارساء مفهوم الدولة من جديد. بأخلاق وقيم الثورة وليس بنفس طريقة اعدائها.

الامر نفسه ينطبق على كل المناطق القريبة من العمليات الحربية تسلم للجيش وتصبح مراكز عمليات بينما المعسكرات الرسمية تبقى في اكثر الاماكن امانا وخارج المدينة. وبهذه الطريقة سنكون قد حلينا نصف الاشكالية الامنية. والنصف الاخر من السهل على اجهزة الامن حلها.

من المهم فهم طبيعة المشكلة القائمة بتجرد. ثم من المهم ربط اي تحرك بالمصالح المباشرة للناس. وليس بالشعارات الفضفاضة. الناس مستعدة ان تسلم للجيش بيوتها لو ان هذا سيصنع فارقا على مستوى مجريات سير المعركة وعلى مستوى تعجيل الخلاص.


Create Account



Log In Your Account