عقلانية مشبوهة..
السبت 01 مايو ,2021 الساعة: 04:50 مساءً

من يرفضون القول: إن الهاشميين سلالة عنصرية ومجرمة ويتوجب حظرها، هم لا يعترضون على ذلك بدعوى الحصافة في الخطاب ورفض تعميم الجريمة على الهاشميين جميعهم ؛ لكنهم يريدون تمييع الخطاب المناهض للجرائم الهاشميية وتغييب الأسباب الأصلية للجريمة من مضمون الخطاب. أي أنهم يدعون لمناهضة السلوك العنصري الواقعي مع عدم المساس بفكرة العنصرية؛ كمولدة لهذا العنف.

إن هذا الاعتراض لا يخدم الضحايا ولا يخدم فكرة العدالة أيضا، فهو اعتراض مثالي ينتصر لخطاب المجرم الحوثي/الهاشمي بأكثر ما يضبط حديث الضحية، فالحوثي لا يقول أنه يقتلنا بدوافع سلالية هاشمية، بل يحاول دوما أن يروج لفكرة زائفة، مفادها أن حربه وطنية شعبية، يشترك فيها الجميع.. وبالتالي حين نستبعد من خطابنا عبارة الجرائم الهاشمية، فنحن نعزز خطابه هذا ونمنحه طابع وطني زائف يغفل حقيقة جرائمه.

عندها يصبح الحديث عن جرائم الحوثي أشبه بصراخ غامض تطلقه الضحايا ضد عدو غير محددة صفاته، وبهذا يفقد الخطاب وضوحه وقوته التأثيرية. هكذا يتضح لنا أن المعترضين لا يخدمون منطق العدالة كما يدعون، بل يسهمون في تشويش صورة المجرم الأصلي وتحويله من قاتل متعين ومعروف إلى مجرم ضبابي بحجة أنه قد يكون هاشمي وقد يكون قبيلي مجند معهم، مع أن المنطق يقول أن كل قاتل يعمل مع الجماعة الحوثية: هو مجرم يشتغل لخدمة الهاشمية ويدافع عن فكرتها ولو لم يكن مؤمن بالفكرة العنصرية، فما يهمنا أن الدوافع الأساسية للجريمة المفتوحة( الحرب) التي دشنها الحوثي، هي دوافع عنصرية بهدف التحكم بمصير البلد وحكم المجتمع بالقوة.

أول شرط لانتصار الضحايا في نضالهم المشروع : هو تحديد هوية عدوهم والإشارة إليه كمجرم بكامل صفاته المعروفة وتحديد أسباب ودوافع جريمته، هكذا يكون النضال ضده معركة واضحة الملامح، يقف فيها الضحايا في مواجهة عدو أصلي يحمل كل دوافع الجريمة بداخله وهو ما يمنحك المشروعية في خوض معركتك ضده وكل من يعمل معه دفاعا عن حقك الطبيعي في الحياة، لجانب تفكيك دوافع جريمته وتأمين الأجيال من خطرها مستقبلا.

هناك فكرة مهمة أدلى بها الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني في معرض حديثه عن الإرهاب، كان يقول:

ليست المشكلة الأساسية في العنف المباشر، بل في روح هذا العنف، روح الإرهاب، فهناك عنف كثير في العالم، قد يفوق عنف الإرهابي؛ لكنه يظل عنفًا قابلا للمحو والمدافعة وينتهي بتجريد أصحابه من القوة؛ لكن العنف المستند لنظرية تغذيه هو عنف مستدام، عنف كامن ومستمر ولا يمكن تحييد خطره، دون القضاء على مصادره الأصلية وتدمير الفكرة التي يتكئ عليها.

هذا الأمر ينطبق على العنف الحوثي، فهي ليست جماعة مسلحة تنتهج مبدأ القوة لحكم الناس؛ بل أيضًا جماعة تؤمن أن عنفها مشروع لانتزاع حقوقها الحصرية بالحكم، أي أن القوة هنا ليست سوى أداة لتجسيد الفكرة الخطرة المتمثلة في روح الإرهاب العنصري الكامن في نظريتهم. ولا يمكن مدافعة هذا الإرهاب العنصري، بالقوة وحدها تحت شعار إنساني؛ بل بالقوة المدفوعة بمنهج فكري قادر على تدمير أسس الإرهاب العنصري معنويا مع تقويضه عسكريا أيضًا.

إن الحساسية الشعبية المبالغ فيها تجاه الهاشمية والهاشميين، ليس سلوكًا خطرا بقدر ما هو احتراز تأريخي يهدف لمنع تكرار مهزلة السلالة ويدمر بذور العنصرية من أساسها، وبالتالي فهو نشاط جذري لحماية فكرة المواطنة الآن وفيما بعد وحتى الأبد. وهنا تكمن عبقرية الفكرة القومية، فهي ليست نشاط حقوقي ناعم يرفع شعار المواطنة كمطلب مجرد ومكشوف ؛ بل نضال تأريخي يهدف لتأسيس فكرة المواطنة وحمايتها في نفس الوقت.

" إنما المؤمنون إخوة" ؛ لكأن الحوثي حين شن حربه علينا، لم يكن يعرف أننا إخوته، بالطبع كان يعرف ذلك؛ لكنه لا يعترف بنا، وحين نذكره بهذه الحقيقة البديهية، فنحن لا نسهم في تقويض عنصريته، بقدر ما نكشف عن لغة استجداء ، مع خصم يراك أخفض من أن تتساوى معه على قاعدة الأخوة أو المواطنة أو الإنسانية.

علينا أن نعترف، شعار الإنسانية، رخو وفارغ ولا يصلح كرافعة سياسية لمواجهة أيديولوجية عنصرية كمنهج السلالة. الإنسانية مصطلح عمومي لا يتضمن أي طاقة تدافع لحماية مصير شعب؛ يتعرض لأكبر عملية سحق في تأريخه.

بل إن شعار الإنسانية يسهم في تبريد منطق التدافع وبث الهشاشة في وجدان الجيل المستباح، فيما هو الآن بحاجة لاستنفار بواعث القوة الكامنة فيه أكثر من التوشح بمنطق النعومة الإنسانية، لحراسة وجوده المهدور.

الإنسانية: هي شعار أقرب للمظلة العاطفية منه للمفهوم الفكري الفعال في سياق الصراع البشري، قد يبدو المصطلح جذاب في ايحاءه العام؛ لكنها جاذبية رومانسية أقرب لمفاهيم الود والطيبة البشرية والتعويل على الصلاح الذاتي للبشر ، دونما رادع مضاد يجبرهم على ذلك.

فيما الحقيقة أن الحياة لا تستقيم بفعل الصلاح الذاتي للبشر، ولا الوعظ النابع من نوايا حسنة؛ بل بموجب الردع والالزام القانوني لهم، وحتى في حالة القانون نفسه، فالناس لا يخضعون للقانون ايمانًا به؛ بل خوفًا منه.

في حالة كهذه تبدو القومية اليمنية أقرب للمنطق القانوني في اشتغالها، إنها حالة تدافع فعال؛ تستبطن منطق الردع لفرض السلام؛ بدلا من التعويل على الصلاح الذاتي لخصوم منحرفين، لا يكفي أن تذكرهم أنهم إخوة لنا؛ كي يهتدوا؛ بل عليك أن تلزمهم بذلك قولًا وفعلًا.. وتواجههم بنفس المنطق الحاد والغير قابل للمساومة.

من هنا، يكون الحديث عن عنصرية موازية ليس حديث خاطئ فحسب؛ بل يمثل دفاع مبطن عن العنصرية الأصلية بقصد أو بدون قصد فأنت حين تنعت الحراك المناهض للعنصرية بكونه عنصرية موازية، تسهم في تشويش الرفض الشعبي تحت مبرر عقلنته. تمامًا كما لو أنك ترفض مناهضة الفساد، وتنعتهم بالصفة ذاتها،  لا شك أنك بهذه الحالة تعيق عملية مكافحة الفساد .

مرة أخرى، لا وجود إلا لعنصرية واحدة، هي العنصرية الحوثية، ولا يمكن نعت السلوك المناهض لها بنفس الصفة، مهما بلغت ردة الفعل من حدّية في طابعها، تظل سلوك مدني ومشروع يفرضه منطق الصراع وطبيعة الخصم.

وعليه، فمنهج القومية ليس منهجًا عنصريًا، فالعنصرية ليست أسلوبًا أو تقنية سلوكية ؛ بل عقيدة تستند لتبرير ديني أو عرقي أو أي دعاوى في التميز، وهذا ما لا وجود له في منهج القومية وما ينفي أي تهمة ضدها بأنها تحمل سمة عنصرية بأي شكل من الأشكال.

 

*نقلًا عن صفحة الكاتب في فيسبوك


Create Account



Log In Your Account