ما هي احتمالات مصير اليمن؟
الأربعاء 07 أبريل ,2021 الساعة: 07:40 مساءً

بالنسبة لي، فإن هذه الأيام مؤسفة.

إنها حتى ليست حزينة ولا مؤلمة- ونحن نعرف الكثير عن الأحزان والآلام- ولكنها مؤسفة.

باختصار!

أمريكا، مصممة على إنهاء حرب اليمن، والسعودية لن تخالف أمريكا، وهادي سيسمع كل كلام السعودية.

الحوثي، سيتفق مع أمريكا ولكنه يريد مزايا أكثر.

أمريكا، لن تصمم على أي شيئ معين. وستتنازل للحوثي وإيران بما لا تملك لمن لا يستحق.

ثم ندخل في التفاصيل.

سنتعامل مع تفاصيل ما يحدث بمشرط حاد وبدون أي عواطف أو انفعالات، وسنسمي الأشياء بأسماءها الحقيقية.. لأن هذا ما يجب.

وفي النهاية سنضطر لبعض العواطف و "التفكير بالتَّمَني" والرثاء والبكاء على الدمن والأطلال.. لأن هذا ما يعجب أهلنا.

أولا: أمريكا ورئيسها بايدن

أمريكا، منقسمة للغاية وكل نصف معه آراءه الخاصة بين المحافظين واليساريين، وهناك استقطابات شديدة بينهم صبغت مواقفهم على كل شيئ حتى على رأيهم عن كوفيد١٩ ولبس القناع على الوجه، وتلقي اللقاح، وميجان والأمير هاري.

الجناح الأكثر يسارية في الحزب الديموقراطي، يظنون بأن الرئيس يتحرك ببطء لتغيير سياسته نحو إيران والسعودية لأنه يريد كسب أعضاء الحزب  الجمهوري في الكونجرس معه لتمرير مشروعه الضخم بثلاثة تريليونات دولار لتحسين البنية الهيكلية لأمريكا ولتقديم مزايا اجتماعية للمسنين والفقراء.

وهؤلاء اليساريون، يضغطون على الرئيس بايدن:

•ليسرع بشأن مصالحة إيران

•ليزيد من الضغط على السعودية أكثر بشؤون كثيرة

•وإن كانوا مسرورون بجهود وتحركات الرئيس ومبعوثه بشأن الاقتراب من الحوثيين في اليمن.

ثانيا: إدارة بايدن وإيران

سأنظر لبايدن، من الزاوية التي يراه بها الإيرانيون.

١- إيران، خلقت وضعا يبدو فيه بايدن أنه هو الذي مستعجل.

أوهمته بأن الوقت ليس في صالحه وأن سياسة إيران نحو أمريكا ونحو الملف النووي، قد تتغير بعد الانتخابات النيابية في شهر يونيو، وأن هناك صقور وهناك حمائم، وأن المفاوضون قد يتغيرون.

وهذا كله غير صحيح لأن كل شيء يتقرر ويتم البت به من قبل المرشد الأعلى خامنئي.

٢- إيران، خلقت وضعا أصبحت فيه غير مستعجلة:

أ- وطنت نفسها على "الاعتماد على النفس".

ب- وطنت نفسها على "الصبر الإستراتيجي"، الذي يعني أن كل خصومها في الغرب وفي الخليج "هينون" ولا يتحملون وهي ستنتظر حتى يرضخون.

ج- عجلت بالتوقيع مع الصين على إتفاق بيع نفط بكمية مليون برميل يوميا لمدة ٢٥ سنة بسعر أرخص مقابل بناء بنية هيكلية هائلة ونقل بعض أسرار تصنيعها العسكري.

وهذا سيعطيها قوة ذاتية أكبر وحبل نجاة من الضغوط والعقوبات الأمريكية.

٣- الرئيس بايدن، سحب تواجد حاملة طائرات أمريكا في الخليج ويقلل من تواجده العسكري، وهذا يجعل من احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية لإيران أدنى من درجة الصفر.

التزام أمريكا بالدفاع عن السعودية بأنظمة صواريخ "ثاد" أو "باتريوت"، أمام صواريخ أو طائرات مسيرات إيران المفخخة، يفرح إيران لأن هذا يكلف المملكة مئات الألوف من الدولارات بينما مقذوفاتها لا تكلفها إلا مئات أو الآلاف القليلة.

٤-إيران مصممة على إخراج السعودية من اليمن

غرض إيران، هو نزف السعودية ماليا وجرح كبرياءها لتتوقف عن دعم الشرعية في اليمن.

أحيانا، قد تحتاج إيران لإحداث دمار داخل المملكة كما فعلت عندما ضربت منشآت آرامكو النفطية في البقيق وخريص.

كان الغرض حينها إرسال رسالة للسعودية بأن أمريكا، لا تستطيع أن تنقذها من براثنها إذا قررت طهران ترويضها.

لكن الغرض العام لإرسال المقذوفات الإيرانية نحو السعودية، هو تغيير معادلة استخدام الطيران السعودي لمساعدة الشرعية في اليمن ونزفها.

ما تريده إيران من السعودية، هو أن تخرج من اليمن وأن تصبح اليمن إحدى مراكز نفوذها وانطلاقها وحدائقها، بعد أن كانت الحديقة الخلفية للمملكة لعشرات السنين، منذ ١٩٦٨.

٥- أمريكا وإيران سترقصان الڤالس وليالي الأنس في ڤيينا.

يوم الثلاثاء- بعد ثلاثة أيام- ستجتمع أمريكا مع إيران، وسيخوض المفاوضون التقنيون في تفاصيل طويلة عن إزالة عقوبات أمريكية تدريجيا مقابل تراجعات نووية إيرانية تدريجيا، بحيث لا تبدو أي من الدولتين أنها فقدت ماء الوجه.

قد يطول الوقت أو قد تنتهي الأمور بسرعة، لأن البلدين قد اتفقتا من ناحية المبدأ.

ستحصل إيران، على:

أ- بقاء مشروعها وعلمها النووي

ب- بقاء تطوير صواريخها الباليستية

ج- بقاء تواجد الحرس الثوري وميليشياتها في المنطقة

د- بقاء دعمها للحوثيين في اليمن

هـ- بقاء دورها في المنطقة كدولة مهيمنة ولها الحق في فرض وحماية مصالحها

و- ملئ خزائنها بسبب إزالة المقاطعة لتمويل توسعها الإقليمي

أمريكا، ستنسحب من المنطقة ولن تحصل على شيء.

ثالثا: إدارة بايدن والحوثيين

والحوثيون، أيضا يفهمون لعبة الصراعات والحروب والسلام والمفاوضات وتشكيل أنظمة الحكم، سواء بمهارتهم هم أو بفضل مهارات وخبرات إيران.

والمثير واللافت للنظر، هو أن الحوثيين قد حصروا إدارة بايدن والمبعوث الأمريكي ليدركنج في نفس الزاوية ونفس الحالة النفسية والمعنوية التي روضتهم بها إيران في قضاياها ومشاكلها معهم.

١- الحوثيون، لا يتصرفون كأنهم في ضائقة مالية وهم غير مستعجلون.

٢- الحوثيون، لا يتصرفون كأنهم مأزومون عسكريا بل على العكس يتصرفون وكأنهم يريدون احتلال مارب أولا- كما قال ليدركنج نفسه- وبعدها سيتفاوضون.

٣- الحوثيون، يقلون أدبهم على ليدركنج ويصف المتحدث بإسم الحوثي محمد عبد السلام مقترحات أمريكا بأنها مدعاة للسخرية وأنها سخيفة، بينما المتحدث باسم خارجية أمريكا نيد برايس، يصف المحادثات بأنها "مثمرة".

٤- إدارة بايدن تراضي وتداري الحوثيين، بينما هم يتمنعون ويطلبون المزيد من المكاسب حتى قبل أن يوافقوا على مجرد مبدأ التفاوض.

٥- الحوثيون، يقرؤون ما برأس إدارة بايدن وما برأس المبعوث- مثلهم مثل إيران- كأنهم يقرؤون كتابا مفتوحا:

أ- الحوثيون، يقرؤون بأن بايدن وخارجيته ومبعوثه، ليس برأسهم شيء ومستعدون لأن يسلموهم أي شيء وحتى كل شيء إذا تلاعبوا بهم كما يجب.

ب- الحوثيون، يقرؤون بأن إدارة بايدن ستضغط على السعودية، وأن المملكة مهما عارضت فإنها ستعود وترضخ وتوافق.

ج- الحوثيون، يقرؤون بأن إدارة بايدن- مثل قناعة السعوديين بالضبط- مقتنعة بأن الحل حصريا هو بيد السعودية، وأن أي اتصالات يجب أن تكون بين الحوثيين والسعودية فقط بصورة غير مباشرة، عن طريق ليدركنج.

د- الحوثيون، يقرؤون بأن السعودية قد أصبحت لا تهتم برأي حكومة الشرعية ولا رأي الرئيس هادي.

ويقرؤون بأن ليدركنج وبايدن، لا يهتمون برأي حكومة الشرعية ولا رأي الرئيس هادي.

رابعا: الحوثي يضع قواعد اللعب

1-الحوثيون، يضعون الآن قواعد اللعب.

هدف هذه المرحلة، هو وضع كل من السعودية وأمريكا في زاوية الامتثال والرضوخ وذلك عبر رسم قواعد اللعب.

أ- لا مفاوضات مع الرئيس هادي وحكومته

ب- المفاوضات، فقط مع ليدركنج

ج- ليدركنج، يضغط على السعودية ليمرر ما يريده الحوثي

د- السعودية، تضغط على الرئيس هادي ليستسلم ويوافق.

٢- لا مرجعيات

أ- لا كلام عن مخرجات الحوار الوطني والدستور

•يعني ممكن بقاء نظام فردي، طائفي مناطقي، مع عسكرتاريا حوثية.

ب- لا كلام عن قرارات مجلس الأمن

•يعني ممكن بقاء سلاح وميليشيا الحوثي

•يعني ممكن شرذمة اليمن

خامسا: هذا ما يريده الحوثي

هذا هو ما يريده الحوثي، وهو فعلا ما سيحصل عليه، إذا اتضح أن قراءته وفهمه الخاص للسعودية وأمريكا، صحيح.

١- انتزاع أكبر قدر من المكاسب التي لا تستعاد ولا ترد، قبل الجلوس على مائدة المفاوضات

٢- إنهاء مبدأ الشرعية

٣- تدويخ السعودية وأمريكا قبل الوصول إلى المفاوضات، لبعث الذلة والمسكنة في معنوياتهما بحيث تكونا جاهزتان للتسليم في المراحل اللاحقة.

٤- إذا ابتدأت مفاوضات، سيدخلوهم في مناقشات ومجادلات ومكارحات، لا تنتهي.

٥- إذا تم الإتفاق على أشياء بلا أساس، كما حدث في ستوكهولم، سينقض الحوثيون كل الإتفاقات.

٦- هناك إحتمال فشل المفاوضات بدون نتائج.

ماذا سيحدث بعدها، سيعتمد على قدرة السعودية ورغبتها بالاستمرار في اليمن، وعلى مدى تصميم الشعب اليمني على الدفاع عن هويته وثقافته وروحه وحريته.

سادسا: في مهب الريح

هذه مسائل وقضايا، في مهب الريح وأمرها في علم الغيب.

سيحدد مصيرها مدى موافقة السعودية ومقدار ما تبقى من القدرة الداخلية اليمنية على تحمل الضغط الإيراني - الحوثي.

١- مقاومة مارب

ماذا سيحدث لها بدون مساندة طيران السعودية أمام الحشود الحوثية الكبيرة والصواريخ الإيرانية؟

 

٢- مقاومة تعز

ماذا سيحدث لها، وهي لم تستطع كسب الأغلبية الصامتة ولا استطاعت كسب مساندة السعودية ؟

٣- الميليشيات المسنودة من الإمارات

ستتكفل إيران بالضغط على الإمارات لإنهاء الموضوع، بصورة أو أخرى.

وحدة اليمن

هناك خطر جدي على وحدة اليمن.

ولكن هذا وحده، سيشكل مصدرا لإشعال مشاعر حادة سينتج عنها اضطرابات وفتن وقلاقل، لا تنتهي.

وحدة اليمن وحريته واستقلاله، ليست فقط مسألة عاطفية جياشة،  ولكنها ضرورة لاستمرار وازدهار واستقرار الحياة في هذه البقعة من العالم.

خامسا: التفكير بالتمني والعواطف

أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

أهدي بيت الشعر هذا- الذي نحته الطغرائي- لأصدقائي الذين يعجبهم "التفكير بالتمني"، والذي لا يعجبني أنا على الإطلاق.

ولكني سأبادرهم هنا بالآمال والتمنيات، لأوفر عليهم إغراقي بها.

١- نتمنى، لو تدرك السعودية بأن الانتصار في اليمن، ممكن.

لكن إذا تغيرت بعض الأشياء.

٢- نتمنى، لو تدرك السعودية بأن الخطر الإيراني - الحوثي، جدي وفعلي ولا يمكن التغاضي عنه.

وحدة الخطر ووحدة المصير، كنا نقوله ويقوله معنا أشقاءنا في السعودية كمُسَلَّمات، ولكنه صار الآن نوع من التفكير بالتمني.

•أي إتفاق مع الحوثي، في ظل المعطيات التي ذكرناها، يعني فقدان اليمن وضياع هويتها وثقافتها لعشرات السنين، مثلها مثل العراق وسوريا ولبنان.

•أي إتفاق على منطقة عازلة حدودية، هذا إذا وافق عليه الحوثي، يمكن إلغاءه بعد ١٠ سنوات من طرف واحد.

•إيران، لن تترك المملكة، طال الزمن أو قصر.

٣- السعودية، تعرف ونحن نعرف أن الشرعية بأشخاصها وأن الشرعية من ناحية المبدأ، ستنتهي تماما وإلى الأبد، إذا فقدت دعم المملكة العربية السعودية.

هناك أيام سيئة كثيرة في حياتي، وهذه الأيام منها.

وقد تتبلور وتتطور لأن تكون الأسوأ بين أيام حياتي وأيام حياة اليمن.

 

*نقلًا عن صفحة الكاتب في فيسبوك


Create Account



Log In Your Account