جدل قبل وبعد الثورة
الإثنين 08 فبراير ,2021 الساعة: 11:20 مساءً

 

مع حلول الذكرى العاشرة لثورة شباب ١١فبراير في ٢٠١١م، يدور الجدل الجديد القديم،  كانت البلاد كذا فأصبحت كذا،  وطبعاً إذا أردنا أن نستوضح الماضي عن ما اوصلنا إلى هذه الحال، فيجب علينا أن نناقش الأمر بهدوء وبواقعية مبسطة وغير معقدة حتى يفهمها رجل الشارع العادي، لنرى كيف كان حال البلاد والعباد قبل الحادي عشر من فبراير،  وكيف أصبحت بعد ذلك .

قبل الثورة  :  عندما نتحدث عن مرحلة ما قبل الثورة علينا أن نمر على أساسات المشكلة التي مثلت الحامل الأساس لما جاء بعد ذلك، ومن باب الإنصاف وذكر التاريخ كما هو،  فقد كانت مرحلة الشهيد الحمدي رحمه الله هي فترة بناء اليمن الذي يمتلك سيادته الحقيقية بدون إملاءات الخارج،   وقد أدى ذلك إلى قيام السعودية عبر عملائها بالداخل بإغتيال الرئيس الحمدي، وأصبح معلوماً لدى الجميع أن علي عبد الله صالح وأحمد حسين الغشمي كانا الأداة المباشرة لتنفيذ المؤامرة السعودية لإسقاط النظام،  عدا أدوات أخرى جانبية مهدت لعملية الاغتيال.

بعد اغتيال الحمدي بدأت السلطة الجديدة وبالذات في عهد علي صالح بسحق مفهوم الدولة ووضعه رهينة مشائخ القبائل ، وعملت السلطة الجديدة على تشجيع الفساد داخل اروقة الدولة ومؤسساتها المختلفة. 

عند قيام الوحدة بين شمال وجنوب اليمن، كان من المفترض أن يتم الأخذ بكل ما هو إيجابي في التجربتين السياسيتين ،  لكن حكام صنعاء كانت لديهم خططهم لبسط تجربتهم في الحكم على كافة أنحاء البلاد. 

  كانت تجربة الشمال مليئة بالفساد الإداري والفساد في أجهزة الأمن والقضاء وكذلك في مؤسسة الجيش،  وكان للقبيلة دورها القوي والمؤثر في وضع سياسات الدولة الداخلية،  وتسبب تمسك قوى الشمال بتجربة حكمها وتعميمها على البلاد في اندلاع حرب صيف ٩٤ م،  وهي الحرب التي ولدت الرغبة لدى علي صالح للإتجاه نحو توريث الحكم لنجله أحمد ،  فتم إنشاء الحرس الجمهوريّ  وتقليص نفوذ حليفه العسكري علي محسن الأحمر،  وكذلك تقليص نفوذ آل الشيخ / عبد الله حسين الأحمر . 

كانت مظاهر الفساد لا تخفى على أحد من عامة الناس:  الرشوة تنتشر كسرطان في مفاصل أجهزة الدولة وفساد الجهاز القضائي والأمني.

كان المواطن المسكين اذا سرق بيته أو محله التجاري يذهب إلى قسم الشرطة وهناك يطلب منه شراء الورق البياض والقلم لتسجيل شكواه،  وعندما يطلب فحص البحث الجنائي لمكان الجريمة يطالب بدفع مقابل مادي لنزول فريق البحث  ودفع قيمة مادية مقابل فحص مكان الجريمة ،  وفي أحايين يتم زج المواطن المظلوم الذي لجأ للدولة لإنصافه في السجن،  وكان كثير من الناس إذا سرق بيته أو محله يركن إلى الصمت حتى لا يتم ابتزازه ويوكل أمره إلى الله،  أما إذا كان غريمك ضابط أو شيخ فلا داعي لتشتكي، فهنا يصبح هو القاضي وإذا كان غريمك القاضي فمن تشارع؟ 

القمائم كانت تنتشر في كثير من الأماكن،  صحيح الآن أسوأ،  لكن الآن حرب ومؤسسات الدولة شبه مفقودة ،  كذلك الغلاء كان يتصاعد والجرعات تتوالى ،  والفاسدون يتنامون بشكل كبير .

  الحروب كانت شبه مستعرة في بعض مناطق البلاد خاصة الحروب الستة مع الحوثيين،  وكلما أوشك الجيش على القضاء عليهم ،  جاءت أوامر من رئاسة الجمهورية بوقف الحرب،  ليتم إعادة إنتاج جماعة الحوثي مرة أخرى،  وكانت الرئاسة تضخ ملايين الريالات  لقادة الجماعة وبالذات عبد الملك الحوثي بعد مقتل أخاه حسين . 

كل ذلك حتى يستطيع علي صالح إستخدام ورقة الحوثي من أجل ابتزاز السعودية وتهديد بعض الأطراف السياسية بهم. 

الحراك الجنوبي ومطالبه بإستعادة الدولة الجنوبية كان حاضراً وبقوة ويزداد حضوره بفضل عمليات القمع التي يتعرض لها منتسبوه، الثارات القبلية منتشرة وصراعات القبائل مستمرة بين الفينة والأخرى،  يدعمها أقطاب النظام  آنذاك علي صالح وعلي محسن وكبار مشائخ الدولة. 

كانت كل المؤشرات تدل على أن البلاد تسير نحو الهاوية،  نحو حرب أبشع من ما يدور حالياً ،  ذلك أن التطورات في العالم العربي، تونس ومصر ، جعلت الأحداث تسير بمنحى آخر ، أتاح المجال لحراك سلمي تحول إلى ثورة شعبية سلمية  في اليمن. 

الدعم الذي تلقاه علي صالح من دول الجوار  مكنه من البقاء لفترة في السلطة ومكنه من أعمال القمع التي مارسها ضد الحشود الكبيرة التي خرجت للشوارع مطالبة برحيله عن السلطة .

حاولت دول الجوار  عبر المبادرة الخليجية كبح جماح الثورة ، لكن علي صالح رغم ذلك رأى نفسه منهزماً ،  فعمل بكل ما يستطيع من  قوة  ومن مال  ومن  مكر  على ضرب  خصومه السياسيين، وبالذات علي محسن وآل الأحمر  ونكاية بهم دعم بقوة تحول الحوثيين إلى قوة ضاربة  تدك خصومه . 

كان يظن أن  بمقدوره التحكم بمسار جماعة الحوثي  ولم يخطر  بباله  أنه  سيكون ضحيتهم القادمة.

الحوثيون لديهم مشروع  يتجاوز اليمن إلى محيطها والمخابرات الايرانية والحرس الثوري وخبراء حزب الله اللبناني كانوا متواجدين  بقوة  لمواجهة مكر علي  صالح،  فكان تدخل التحالف العربي  بقيادة السعودية ليس من  أجل عودة الشرعية  كما  اوهموا اليمنيين  ولكن  من اجل السيطرة على اليمن وابقاءها تحت سيطرتهم  سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. 

ولولا الثقة التي تعرضت للاهتزاز والتكسر لكان جناح علي محسن وأبناء الشيخ الأحمر هم من يمسكون السلطة والجيش الآن، لذلك نرى هذا التخبط السعودي بين الشرعية والانتقالي وقوات العمالقة وحراس الجمهورية،  تضرب هذا بذاك لإضعاف الجميع،  بحيث تبقى اليمن تحت سطوتها.

من كل ماسبق يظهر بشكل واضح وجلي أن ثورة ١١فبراير ٢٠١١م ليست هي سبب ما نحن فيه..  وإنما هي نتيجة لما سبقها من ارهاصات، وكانت منقذة لليمن  من مصير أسوأ بكثير مما نحن فيه الآن. 
ما ذكرناه من أسباب قبل الثورة  وغيره الكثير مما لم نذكره، كان العامل الهام في إنهيار الدولة، والموضوع بحاجة إلى كتابات أخرى توضح حقيقة وضع اليمن قبل ثورة الشباب الشعبية السلمية،  ومن يحمل هذه الثورة هذا المآل فإنما يعبر عن عدم إدراكه لنتائج وضع أي نظام فاسد في مختلف مجالات إدارته للدولة.


Create Account



Log In Your Account