الاستثمار الدولي في المليشيا الحوثية كبندقية مؤجرة (الحلقة السابعة)
السبت 30 يناير ,2021 الساعة: 01:54 صباحاً

لم تكن الأزمة اليمنية وحروبها خلال الفترة القليلة الماضية نتاج عمل لحظي انفجرت بشكل تلقائي مؤخراً، بل هي نتيجة عمل ممنهج ودراسة وتخطيط منذ أمد بعيد.

وتكشف هذه الدراسة التي بين أيدينا كثيراً من أبعادها ومسبباتها واللاعبين فيها، والتي استخدمت المليشيا الحوثية كبندقية مؤجرة لإشعال فتيل كل هذا الصراع، ومستقبل اليمن وتحديداً بعض مناطقه وكذلك بعض دول المنطقة.

 ------------

مشاريع استراتيجية في باب المندب

في مضيق باب المندب وخليج عدن كان هناك مشروعان عملاقان يمكن أن يحدثا ثورة يمنية في الاقتصاد والأهمية الاستراتيجية لولا أن صالح نفسه أفشلهما إما بتوجيهات خارجية وإما عن عمد، وهو ما يفسر تحديداً الصراع في الساحل الغربي وخليج عدن وباب المندب.

أما المشروع الأول فهو مشروع مدينة النور على ضفتي باب المندب من سواحل تعز وجيبوتي، وربطها بجسر بحري يربط بين جيبوتي واليمن ليكون بوابة عبور من وإلى أفريقيا وآسيا، وما سيدره ذلك المشروع من ثروات على اليمن وإنعاشها اقتصادياً وتجارياً، ويبدو أن السيطرة على ذات المكان اليوم هو من باب محو ذلك المشروع إلى الأبد واستثماره من قبل القوى المسيطرة عليه.

حيث كان رجل الأعمال السعودي في شركة بن لادن السعودية، طارق بن لادن قال عام 2009، إن مجموعة بن لادن ستنفذ المشروع العملاق المقترح بإقامة جسر بين جزيرة "ميون" اليمنية وينتهي الي الجهة المقابلة في إفريقيا في دولة جيبوتي قبالة مضيق باب المندب في نهاية البحر الأحمر, ويشمل طريقاً للسيارات وخط سكة حديد واقامة مدينة علي مساحة 600 كيلومتر مربع تمتد بنهاية الجسر في جيبوتي وأخرى عند بدايته على الجهة اليمنية باسم مدينة النور. ستضم هذه المدن بنية تحتية صناعية وسياحية وتجارية ومنطقة حرة وغيرها من الأنشطة التجارية بين القارتين وبتكلفة تقدر بنحو ما بين 15 الى 20 مليار دولار بالنسبة للجسر, أما تكلفة المدينتين فتصل الى 50 مليار دولار([1]).

وتكمن الأهمية الاستراتيجية للمشروع في الميزة الجيوسياسية لموقع البلدين علي خارطة التفاعلات الإقليمية والدولية في منطقة البحر الأحمر, وهو ما سيعزز من حركة السكان بين الشاطئين وتنشيط الحركة الاقتصادية وتشجيع انتقال رؤوس الأموال الخليجية, فضلاً عن أنه سوف يعزز من قدرة البلدين علي التحكم في مضيق باب المندب من خلال التصميم الجغرافي للمنطقة, ويوفر المشروع نصف مليون فرصة عمل لكلا الدولتين([2]).

أما المشروع الثاني فهو عرض دولة جنوب أفريقيا على الرئيس السابق أن تعمل مشروعاً جوياً وحوياً لخطوط الملاحة الجوية في عدن كمحطة ترنزيت لخطوطها الجوية وتحويل كل خطوط أفريقيا إليها ومن ثم الانطلاق إلى آسيا والهند وغيرها مما كان سيمثل نهضة كبرى لليمن ويمكن أن يضرب محطة دبي في الصميم، مما جن جنون الإمارات بعده، فكان هذا من أهم دوافع خلخلة اليمن اليوم وتجزئتها وإضعافها حتى لا تصل إلى تلك الأهداف، ورفضه الرئيس السابق وحرم اليمن من تنمية كبيرة عبر هذا المشروع.

وفي تفاصيل هذا المشروع حيث قدّمت شركة طيران جنوب أفريقيا للاستثمار في مطار عدن الجوي عام 1994م عرضاً سخياً وواعداً لليمن, من خلال إبرام شراكة استراتيجية مع هيئة الطيران المدني اليمنية التي تدير مطار عدن, والسبب يعود إلى أن مطار عدن يقع جغرافياً في منتصف طريق رحلاتها الجوية إلى العالم ومن مصلحتها من ناحية فنية ومالية أن تجدول رحلاتها الجوية للتوقف ولتبادل طواقم ملاحيها في مطار عدن الدولي, ولاستراحة ملاحيها وركاب طائراتها في مدينة عدن, هذه الشركة التي تملك في أسطولها الجوي حوالي 60 طائرة ايرباص وبوينج، وتصل في خدماتها الجوية الى أكثر من 38 مطاراً دولياً في 26 بلداً، وتعد أكبر شركة طيران في قارة أفريقيا([3]).

وقد عرضت على السلطات اليمنية الآتي:

• بناء قاعدة صيانة إقليمية كبرى وحديثة في مطار عدن الجوي لصيانة طائراتها من الايرباص والبوينج، وتقديم خدمات الصيانة إلى طائرات الشركات الأخرى.

• بناء فنادق خمسة نجوم في مدينة عدن لاستراحة ملاحيها أثناء تبادل قيادة الرحلات الجوية ولركاب الترانزيت فيها.

• بناء مطاعم مركزية بأحدث المواصفات العالمية لتوفير خدمات التغذية لطائراتها.

• إصلاح برج مطار عدن وتجهيزه بأحدث أجهزة الرادار وتعقب الطائرات والملاحة الجوية والإرصاد الجوي.

• تدريب الطاقم اليمني المحلي على كافة الخدمات المناط بمطار عدن تقديمها للشركة.

• دفع رسوم مجزية للخزينة اليمنية لقاء هذه الخدمات.

• إنعاش الأسواق المحلية في مدينة عدن من ناحية اقتصادية من جراء تسوق ركاب الترانزيت فيها.

كان الموقف الرسمي من قبل علي عبدالله صالح إزاء هذا العرض السخي هو أن تنتقل الشراكة الاستراتيجية مع شركة طيران جنوب أفريقيا إلى مطار صنعاء بدلاً من مطار عدن, فاعترضت الشركة الجنوب أفريقية وأفادت بأنّه ليس من الممكن من ناحية فنية أن يتم تنفيذ هذه الشراكة عبر مطار صنعاء لعدة أسباب منها:

• ارتفاع مطار صنعاء عن سطح البحر حوالي سبعة آلاف قدم وهو محاط بعدة جبال ولا تستطيع الطائرات الضخمة ذات الحمولات الثقيلة الهبوط فيه.

• مطار عدن في مستوى سطح البحر ولهذا يعد مطاراً مثالياً لهبوط وإقلاع الطائرات بما فيها الطائرات الضخمة ذات الحمولات الثقيلة وهو مناسب كذلك للتدريب على الطيران المدني.

• مساحة مدرج مطار عدن الدولي حوالي أربعة مليون متر مربع، بينما مساحة مدرج مطار صنعاء تقل عن هذه المساحة بكثير.

• توجد سعة مكانية مناسبة ومساحات كافية في مطار عدن لإنشاء كل البنى التحتية اللازمة من هناجر الصيانة ومخازن قطع الغيار وخزانات وقود الطائرات ومرافئ الطائرات وغيرها.

• لدى برج مطار عدن قدرات فنية سابقة من حيث التجهيزات الملاحية والإرصاد الجوية وغيرها، وبحاجة الى تحديثها وتجديدها لكي يستعيد عمله وقدراته كبرج في مطار سيكون بمقدوره استيعاب خدمة هبوط وإقلاع طائرات متنوعة ومن أماكن مختلفة لشركة جنوب أفريقيا ولغيرها.

• توجد إمكانيات لبناء عدة فنادق في مناطق مطلة على شواطئ عدن الجميلة وبالتالي تصبح ذات عامل جذب سياحي كبير.

لمدينة عدن ولمطارها شهرة وإرث تاريخي كمحطة ترانزيت للمسافرين منذ قديم الزمان.

وكانت النتيجة أن تمّ إلغاء فكرة استثمار مطار عدن مع شركة خطوط طيران جنوب أفريقيا([4]).

تكتظ منطقة باب المندب والقرن الأفريقي بالقواعد العسكرية الدولية والإقليمية، حيث تتمركز في أرتيريا وجيبوتي من السواحل الأفريقية كثير من القواعد الفرنسية والأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والصينية مؤخراً، بينما توجد للإمارات قاعدة عسكرية في أرتيريا وأخرى في جيبوتي وحديثاً في باب اليمن في جزيرة ميون، وهي تبعد كثيراً عن أرضها ومحيطها، ولذلك تعمل على استبدالها بالساحل الغربي وجزر اليمن في حنيش وزقر وميون وتمهيداً لتسليمها لإسرائيل، وبذلك تكون قد غدرت بمصر ومكنت للحلم الإسرائيلي في مدخل البحر الأحمر على حساب مصر التي ظلت على الدوام تمنع أي تواجد إسرائيلي على بوابة البحر الأحمر.

وتحولت منطقة القرن الأفريقي وباب المندب إلى أكبر تجمع عسكري دولي تحتشد فيه كافة القوى الكبرى وغير الكبرى، مما يكشف عن أهمية المنطقة ويكشف عن الأجندة الدولية المستقبلية في المنطقة.

وزادت في الفترة الأخيرة اكتظاظاً واشتعالاً بإرسال المزيد من البوارج الحربية والفرقاطات العسكرية وحاملات الطائرات مما يجعل من بحار المنطقة قواعد بحرية إلى جانب القواعد البرية في أرتيريا وجيبوتي وربما مؤخراً اليمن.

التخوفات تجري من أن تغيير خارطة المنطقة المستقبلية يجري على أساس تأسيس دولة مستقلة في الساحل الغربي وباب المندب بعيداً عن الدولة الأم وبعيداً عن الشرعية وتم استبعاد كل من ينتمي للشرعية من منطقة الساحل، وعلى الرغم من أن مقتل نائب رئيس هيئة الأركان اللواء أحمد سيف اليافعي كان بصاروخ حوثي في المخاء إلا أنه لا يستبعد أن يتم ذلك القصف بتنسيق اماراتي حوثي للإجهاز عليه لتخلو منطقة الساحل من الشرعية لصالح الأجندة الجديدة.

عملية التحشيد والاستقطاب الكبرى لطارق وقواته في الساحل لا شك أنها ستضيق بهم المنطقة ولن تكون محط رضى له ولداعميه ولذلك ستمون المرحلة اللاحقة هي توسع هذه القوات ونفوذها في المناطق المجاورة وهو ما تقوم به بين فترة وأخرى من افتعال مشاكل في المناطق القريبة والمحيطة بها كمناطق الحجرية من ناحية وما لا شك فيه فعيونها على مدينة تعز.

حينما بدأت الشرعية تتحدث عن تحركات سياسية لضغوط محلية لاستيراد ميناء بلحاف من التحكم الإماراتي وحشر الإمارات في زاوية التضييقات على الشرعية ومطالبتها بتسليم الميناء ورفع يدها عنه أوعزت لبعض كتائب طارق عفاش تعزيز الميناء بتلك الكتائب حتى يظهر الميناء تحت أيدي محلية من ناحية وتسييره بأجندة إماراتية من ناحية أخرى، وكانت تحرك كتائب طارق بغطاء جوي إماراتي بزعم التوجه إلى مارب لمساندة جبهات الشرعية وهو غير صحيح بل لتعزيز سيطرة الإمارات على الميناء.

 

خلاصة المسألة:

-        كان مشروع تدمير اليمن جاري التخطيط له منذ أعقاب استهداف المدمرة كول عام 2000 في خليج عدن، وربما كان حادثاً مفتعلاً ومخططاً له دولياً بأيدي القاعدة، وكذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

-        التنظيمات الإرهابية التي شُكِّلت كالقاعدة وداعش والقراصنة والحوثيين اليوم هي تنظيمات مفتعلة وممولة ومدعومة وصناعة مخابرات الدول الكبرى من خلالها نفذت العديد من المصالح والاستراتيجيات، واستخدمتها ذرائع للتدخل في شؤون بعض الدول وتدميرها واحتلالها ومنها اليمن مؤخراً.

-        الحشود  البحرية لتلك القوات والإمكانيات الرهيبة منذ وقت مبكر لم تكن لمواجهة القراصنة الصوماليين ولا لحماية الملاحة البحرية بل لها أهداف وأجندة أخرى.

-        يجري من خلال كل هذه الصراعات والحشود الاستعداد لرسم معالم المنطقة من جديد كما رسمت من قبل 100 عام مع انتهاء الاتفاقات الدولية السابقة التي صيغت ورسمت عام 1923 من القرن الماضي.

-        الحوثية بندقية مؤجرة تم استثمارها من قبل العديد من الدول وتم رعايتها منذ ظهورها كمليشيا مسلحة عام 2004، واستخدمت في تدمير اليمن وتبرير تدخل القوى الكبرى في تنفيذ أجندته المستقبلية.

-        المنطقة كلها وليس اليمن فقط مقدمة على مزيد من الصراعات والحروب لإعادة صياغتها من جديد ورسم حدود جديدة وإنشاء دول جديدة غير القائمة اليوم.

-        يجري استقطاع أراضي جديدة لقوات ومليشيات جديدة في الساحل الغربي يتولاها طارق صالح على حساب الشرعية والدولة اليمنية والقضية اليمنية.

-        تكمن الحلول بتوحد المكونات اليمنية ورسم مشروع وأهداف واضحة للجميع العمل على تنفيذها وتقديم التنازلات الممكنة لبعضهم البعض لمواجهة خطر التقسيم لليمن.

 

 

[1] - موقع يمن مونيتور - تنمية اليمن وتحديات الفرص السانحة - أ.د. نجيب سعيد غانم الدبعي، بتاريخ 20 مايو 2017م

[2] - المصدر نفسه بتاريخ 20 مايو 2017م.

[3] - الإصلاح نت - تنمية اليمن وتحديات الفرص السانحة - أ.د. نجيب سعيد غانم الدبعي

الأربعاء 24 مايو 2017

[4] - الإصلاح نت - تنمية اليمن وتحديات الفرص السانحة - أ.د. نجيب سعيد غانم الدبعي

الأربعاء 24 مايو 2017


Create Account



Log In Your Account