من أول طلقة في الكهف إلى آخر صاروخ باليستي .. أين تقف أمريكا من الحركة الحوثية المسلحة؟
الثلاثاء 26 يناير ,2021 الساعة: 03:05 مساءً
الحرفـ28 - خاص سلمان شمسان



في منتصف يونيو حزيران2004 انطلقت أول رصاصة حوثية ضد الجمهورية اليمنية من جبل مران بمديرية حيدان بمحافظة صعدة شمال اليمن. 
كان قائد المعارك الأولى هو حسين بدر الدين الحوثي، واستمرت في جولتها الأولى حتى سبتمبر من ذات العام بمقتل حسين الحوثي في أحد كهوف المديرية، وقال القيادي الحوثي حسن زيد الذي اغتيل بعد عشرة أيام من وصول سفير إيران إلى صنعاء في حوار مع صحيفة إيلاف الالكترونية السعودية في 2009 إن تلك الحرب كانت بسبب مشاكل النظام في صنعاء.
وأعلنت القوات الحكومية حينها الانتصار على حركة التمرد الإمامية بوصف الحكومة آنذاك، لكن الحرب لم تنته، إذ فر بدر الدين الحوثي وعائلته من صنعاء مطلع العام 2005  وخاضت ما عرف لاحقا بالحرب الثانية بقيادة بدر الدين الحوثي الذي توفي بعد سنوات من ذلك.
وقد استمرت سلسلة الحروب السنوية أو ما عرف بحروب صعدة الست حتى العاشر من فبراير من العام 2010م. 
خلال تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية  حاضرة بقوة في المنطقة من خلال غزو العراق الذي سقط بيدها في العام 2003م بعد حرب قصيرة استمرت عدة أسابيع. وقد كان الغزو ثمرة تعاون وثيق بين امريكا وإيران رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، بالإضافة الى تعاون عربي من قبل الممالك الخليجية. 
لم تكن الولايات المتحدة منشغلة بالصراعات الداخلية لليمن إلا من خلال المنظور الأمريكي المتمثل بمكافحة الإرهاب في اليمن. 
وتذكر عشرات من وثائق ويكليكس المنشورة  نهاية 2010 ومطلع 2011 [1] أن النظرة الأمريكية لحركة الحوثي تمثلت في عدة خطابات وبرقيات وتصريحات للسفارة الأمريكية في صنعاء ومسؤولين أمريكين زاروا اليمن خلال تلك الفترة. 
كان معظم هؤلاء من المسؤولين الأمنيين في الأمن القومي الأمريكي أو مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية  (ومنهم هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية 2008-20011)عن ملف مكافحة الإرهاب لحروب صعدة. 

تشكلت وقتها رؤية أمريكية قررت أن الحرب ناتجة عن صراع قبلي وسيطرة واستبداد مع نزعة دينية،  ونتيجة أيضا لفشل الدولة اليمنية.
وخلال عدة صفقات بين الحكومة اليمنية حينها وأمريكا حول مكافحة الإرهاب، رفضت الولايات المتحدة توجيه أي إدانة لمليشيا الحوثي أو اتهامها بالإرهاب، باستثناء وعد يتيم جاء في وثائق ويكليكس من مسؤول أمريكي رفيع في الحرب الأولى بنقل وجهة نظر صالح إلى البيت الأبيض في واشنطن.

لكن التصريحات الأمريكية  في مسألة مليشيا الحوثي كانت تقتصر على ابداء الحرص على الوحدة اليمنية، بغض النظر عن الجهة الحاكمة إذا لم يكن هناك استفادة لتنظيم القاعدة. 
تذكر إحدى برقيات وثائق ويكليكس عن غضب أمريكي  شديد من استخدام قوة مكافحة الإرهاب التي دربتها واشنطن للعمل في مكافحة الإرهاب في حروب صعدة بين عامي 2008و2009م، وكان ذلك أحد المؤشرات الحيوية المهمة على طبيعة النظرة الأمريكية لمليشيا الحوثي. 

تقول وثائق السفارة الأمريكية المرسلة إلى صنعاء عقب اجتماع مغلق لمجلس النواب في صنعاء أثناء الحروب الأولى إن عبدالوهاب الآنسي أمين عام حزب الإصلاح وياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي حينها، أبلغا السفارة الأمريكية رفضهما وحزبيهما التصويت لتفويض صالح بحسم الحرب. 

وأشارت البرقية إلى أن الآنسي ونعمان قالا إن صالح وظف الحوثيين في البداية لحرب السلفيين فلما اشتد تيارهم عاد لحربهم. 

بينما بينت الأوضاع لاحقا أن الرئيس السابق تلاعب بمسار الحرب، وتقول قيادات عسكرية ميدانية إن الجيش كلما حسم المعركة وأحكم سيطرته على معاقل الحوثيين كانت تأتيه الأوامر بالإنسحاب وأحيانا يطلب منهم ترك الأسلحة في المناطق التي ينسحبون منها. 

وفي تصريح نادر قال الرئيس هادي قبل 4 سنوات إن صالح كان يرسل شحنة سلاح للفرقة الاولى مدرع التي كانت تتولى مواجهة الحوثيين وهزمتهم أكثر من مرة، مقابل شحنتين للحوثيين.
ومنذ البداية التزمت أمريكا موقفا مرنا ومتساهلا تجاه الحوثيين حيث احتفظت بنظرة لم تتغير كثيرا. 

وكما تقول برقيات السفارة وفق وثائق ويكليكس فإن الحوثيين" اقلية زيدية " لكنها بعيدة مذهبيا عن إيران، وقد كررت في أكثر من وثيقة توصيف جماعة الحوثي مذهبيا بأن ممارساتها أقرب إلى ممارسات بقية سكان البلاد من الناحية الدينية.
مع قدوم أوباما للإدارة الأمريكية وقبل زيارته للسعودية أبلغ الملك عبدالله مسؤولين في الخارجية الأمريكية والسفارة الأمريكية بالرياض وفق ما جاء في وثائق ويكليكس أيضا، أنه منح منوشهر متكي مهلة سعودية لإيران مدتها سنة واحدة لإصلاح العلاقات بينها وبين الدول العربية، ما لم فستكون النهاية. 

وبحسب وثائق أخرى فإن السفارة الأمريكية بالرياض وفي صنعاء أيضا ظلت على موقفها الثابت أن الحوثية جماعة منفصلة عن إيران دينيا ولا تربطها بطهران أي دعم، وأن الإعلام الإيراني شن حملة داعمة للحوثي ضمن صراعه مع السعودية لا أكثر.

وتفيد وثيقة أخرى بأن توصية قدمتها السفارة الأمريكية في صنعاء إلى الخارجية الأمريكية بالتركيز أكثر على السياسة السعودية في اليمن ودراسة احتمال تدخل سعودي طويل الأمد. 
وقالت البحرية الأمريكية أكثر من مرة أثناء حروب صعدة الست إن أساطيلها تراقب تهريب الأسلحة إلى اليمن بما فيها القادمة من إيران، وحققت مع صالح بشأن صفقة أسلحة مع بلغاريا بقيمة 78 مليون دولار، وكان التركيز الأمريكي يهدف لمنع استلام التنظيمات الإرهابية في اليمن أي أسلحة خطيرة تهدد المصالح الأمريكية بما فيها المضادات الجوية المحمولة على الكتف، لكنها لم تضبط أي أسلحةللحوثيين.

وقالت الوثائق أيضا إن مزاعم متكررة قدمها مسؤولون يمنيون للأمريكيين عن دعم إيراني لكنها كلها لم تكن أدلة قاطعة.

من الرؤية المرنة الى الدعم .. واشنطن في صف الحوثيين باسم " مكافحة الإرهاب"

مع اندلاع الثورة السلمية في 2011 كان للسفير الأمريكي في اليمن جيرالد فيرستاين دور بارز في نشوء فكرة المبادرة الخليجية. 

وضغط بعد عدة أشهر مع السعودية لدعم انتقال السلطة في اليمن لنائب صالح حينها عبدربه منصور هادي، ولم تقدم السفارة أي موقف معترض أو مندد بالحوثيين في صعدة. 

وفي نهاية 2012 صرح السفير الأمريكي فايرستاين بأن شعار الحوثي بالموت لأمريكا مثير للضحك فقط.

 
وخلال 2011 و2012 قتلت الطائرات الأمريكية أنور العولقي وكانت واشنطن قد اتفقت مع صالح منذ حادثة المعجلة في أبين نهاية 2009 على شن طيران الدرونز الأمريكية غارات منتظمة على قيادات القاعدة الإرهابية المطلوبين لواشنطن. 

وتكثفت الحملات، لكنها زادت وفق التصريحات الأمريكية في عهد عبدربه منصور هادي أكثر من سابقاتها، ما يجعل من تعاون الرئيس هادي مواتيا لمكافحة الإرهاب وملاحقة المتطرفين. 

وتغيرت الرؤية الأمريكية للحوثيين قليلا  بناء على مصالح أمريكا الخاصة في اليمن التي تنظر إليه كقاعدة انطلاق مهمة في سياساتها تجاه الصين، فبعد ان كانت قبل الإنقلاب "جماعة قبلية مسلحة لها بعد ديني"  فقد صارت بعده جماعة ذات بعد ديني"  ليس بالكامل وتسعى للمشاركة بالحكم".  وهذه من وحي أفكار مؤسسة راند للبحوث الأمريكية[2].

الأثمان الباهظة للحرب في اليمن والأطماع الإقليمية و الدولية... كيف انتهت سقطرى إلى قربان إماراتي للتطبيع مع إسرائيل ولماذا التزمت الشرعية الصمت؟

في الذكرى الخامسة لعاصفة السعودية .. قراءة عن الحلفاء الأعداء والحرب الممنوعة من الحسم

ومع بداية تعقيدات الأزمة اليمنية، وتواطوء الرعاة الدوليين للحوار السياسي ومبادرة الإنتقال السلمي، وضلوع أطراف اقليمية متحالفة مع واشنطن في دعم انقلاب الحوثيين صالح، قررت الولايات المتحدة إدارة ظهرها للدولة اليمنية، ودعم حركة التمرد الحوثية انطلاقا من تلك الرؤية، وقررت توظيف الحوثيين بهدوء لمكافحة الإرهاب مقابل سيطرتهم على الجمهورية. 

وقد فعلت ذلك بمبرر ضعف الرئيس هادي وعجزه عن إدارة المرحلة الإنتقالية، برغم دعمها المستمر لبقاء نفوذ صالح في الجيش والأجهزة الأمنية الحساسة. 


(دعمت واشنطن الحوثيين لقناعتها الشديدة بضعف هادي وقدمت مبادرتي كيري ، وبومبيو ماتيس انطلاقا من ذات الاعتقاد)
وقال لويد أوستن وزير الدفاع الحالي في إدارة بايدن عندما كان قائد القوات الأمريكية في العراق2015  تعليقا على التدخل السعودي في اليمن، إن الإدارة الأمريكية فقدت الثقة بقدرة الرئيس هادي ودولته على مواجهة القاعدة فاضطرت لدعم الحوثي. 

وقال ضابط عمل مع أوستن إنه كان غاضبا جدا من التدخل السعودي، إلى درجة أنه كان يريد من إدارة أوباما شجب التدخل السعودي في اليمن. 
ومعلوم أن التدخل السعودي وإطلاق عاصفة الحزم أعلن من واشنطن بالتزامن مع شن أول غارة جوية على صنعاء بذريعة مواجهة الانقلابيين الحوثيين وصالح. 


وكان من أبرز مظاهر الدعم والتعاون الأمريكي الحوثي مشاركة الطيران الأمريكي لزحف الحوثي البري، خصوصا باتجاه البيضاء أبين شبوة نهاية 2014 ومطلع 2015. 


ولم تدن واشنطن إسقاط صنعاء بالقوة ومهدت لذلك بسحب سفارتها  قبل انطلاق الزحف الحوثي نحو المدن اليمنية، وعقب الانقلاب قالت انها تنتظر انتقالا سلميا للسلطة كتعبير ضمني عن تقبلها للإنقلاب. 


وكشفت تقارير صحفية أمريكية عن فقدان أسلحة أمريكية مقدمة لليمن ضمن حربها على الإرهاب تزيد قيمتها عن500 مليون دولار أمريكي بعد الإنقلاب مباشرة، بينما التزمت واشنطن الصمت .


ورغم الدعم الهائل الذي قدمته إيران للحوثيين، بمافي ذلك نقل تقنيات تصنيع وصواريخ بالستية، فإن غرام واشنطن لم ينقطع بالحوثيين حتى عندما قرر ترمب في ايامه الأخيرة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.


فالتقارير والأبحاث الأمريكية مازالت ترى أن العلاقة بين الحوثيين وإيران محدودة وتضغط على الرياض للقبول بالحوثي شريك مهم لها بدلا من أن يكون شريكا لطهران. 


وهي النظرة نفسها التي سبقت الإنقلاب حين بذلت ادارة اوباما جهدا لاقناع الرياض بالقبول بالحوثيين كشركاء في مايسمى مكافحة الإرهاب، ويبدو أنها كانت كلمة السر التي دفعت الإمارات الى تقديم دعم سخي للحوثيين وصالح للانقلاب لإسقاط البلاد في اتون حرب أهلية مدمرة. 

وكما فعلت في العراق فقد ارادت واشنطن توظيف مليشيا طائفية متطرفة في معركتها ضد ما يسمى "الإرهاب " في اليمن وهي على وعي كامل بتداعيات ذلك من خلال التجربة التي انتهجتها في العراق، فهل تعمدت واشنطن الدفع بالتناقضات الى نهايتها والايعاز لحليفها الإماراتي لدعم الأنقلاب في اليمن تمهيدا لتمزيق البلاد طائفيا وجهويا كما تشكلت خريطة الحرب لاحقا؟


رغم ما يبدو من عداء واضح بين إيران وأمريكا، والإستنفار الأمريكي الظاهر ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، فإن مواقف  واشنطن في أشد اللحظات تشددا حيال الحوثيين كما في عهد ترمب ظلت متمسكة بدور أكبر للحوثيين في اليمن وتنصح دوما بالتعامل معهم وفقا لنظرية الإحتواء وإبعادهم عن إيران رغم حالة التماهي الايدلوجي والعقائدي الذي بات يصعب معه التفريق بين الحوثيين وحزب الله اللبناني.

(حسن أيرلو سفير إيران في صنعاء يحاضر في تجمع حوثي حاشد لإحياء مقتل سليماني، مسجد الصالح صنعاء 2 يناير2021)

في دراسة صدرت قبل أشهر لمعهد واشنطن لدرسات الشرق الأدنى أعدتها السفيرة باربار والباحثية إيلين دوجلاير، يقدم واحد من اهم مراكز الدراسات في امريكا وجهة نظر قريبة لما يعتمل دائما في اروقة البيت الأبيض حيال الحوثيين[3]. 

تقول الدراسة إن قيادة «الحوثي» قد تفكّر في كبح العلاقات مع إيران من أجل [التوصل إلى] ترتيب بديل، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّ منظورها للمساعدة ينطوي على قدر كبير من المعاملات. 

وتضيف الباحثتان  لا يبدو أن إيران تتحكم بسلطة صنع القرار التي يتمتع بها الحوثيون. واستدل تقريرهما بمدى البعد عن طهران بأن عبد الملك الحوثي وقادته العسكريين غالباً ما يتجاهلون نصيحة إيران. 
(من اليمين: محمد عبدالسلام الحوثي مسؤول التفاوض الحوثي، وعبدالملك العجري، وإبراهيم الديلمي، سفير الحوثي بطهران، يلتقون خامنئي بطهران)
فعلى سبيل المثال، تحرّك الحوثيون للاستيلاء على صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014 رغم توصيات طهران المناهضة لذلك. ونقلت الباحثتان هذه الروية عن مصادر وصفتها بالمطلعة على قيادة الحوثيين، وتضيف الدراسة: باختصار، على الرغم من أنّه لا جدال في أن تعميق العلاقة كان نتيجة المساعدة العسكرية الإيرانية وطول مدة الصراع، تبقى هذه العلاقة تحالفاً قائماً على المصلحة بالنسبة إلى الحوثيين . 


لكن هذه الأطروحة الأمريكية تدحضها إيران نفسها، وسلوك الحوثيين أيضا. فعندما سيطر الحوثيون على صنعاء في 21 سبتمبر 2014  قال مسؤول في البرلمان الإيراني إن بلاده سيطرت على العاصمة العربية الرابعة، في حين قال رئيس مجلس الشورى على لاريجاني إن الجيوش الشعبية لبلاده تمتد من البحر المتوسط الى باب المندب. 


أما أكثر البراهين التي يقدمها الحوثيون على تبعيتهم لأيران بشكل كامل، فتجاوزت الطقوس العقائدية والمساندة السياسية والعسكرية المتبادلة إلى تقديم الحوثيين انفسهم فداء لطهران وتحمل تبعات قصف أضخم وأكبر شركة نفطية في العالم. 

ففي 14 سبتمبر 2019  تعرضت منشآت درة الاقتصاد السعودي أرامكو في بقيق وخريص شرق السعودية لقصف بالطائرات المسيرة، وعلى الفور سارع الحوثيون لتبني الهجمات.


لكن التحقيقات الأمريكية قالت إن مكان انطلاق الهجمات ليس من مناطق الحوثيين، بل من شمال السعودية وقالت بشكل صريح إن الإيرانيين يقفون بشكل مباشر خلف القصف.

بعد اندلاع عاصفة الحزم بسبب الغزو الحوثي لعدن، وفق ما قاله محمد بن سلمان في مقابلة شهيرة له بأن الحوثي تجاوز الخط الأحمر بالنسبة للرياض، بدا أنه لم يتجاوزه بالنسبة لواشنطن، وظهرت العلاقة فاترة  بين الرياض من جهة وأمريكا من جهة، ثانية. 

و رغم سماح أمريكا بالتدخل السعودي لكنه سماح قالت عنه مجموعة الأزمات إنه كان مرتبط بتقديم شيء للسعودية مقابل الاتفاق النووي بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائدا ألمانيا مع طهران.

لكن التوتر سرعان ما عاد بين أمريكا وإيران مع قدوم ترامب، لكن أثره محدود كان بالنسبة للرؤية الأمريكية تجاه مليشيا الحوثي في اليمن، وازدادت عدد الهجمات البحرية الحوثية في العام الأخير من ولاية ترمب، على سفن تقل النفط وسفن تجارية أخرى . 

ودخل الحوثيون على خط الصراعات الدولية الخطرة؛ إذ هاجموا، في 25 يوليو/تموز الماضي2016، ناقلة نفط تابعة للشركة الوطنية السعودية، تحمل اسم (أرسان)، في أثناء مرورها في البحر الأحمر غربي ميناء الحديدة اليمنية وكانت متجهة لجمهورية مصر العربية، وتحمل على متنها مليوني برميل من النفط الخام. 


وعلى الرغم من أن الإصابة لم تلحق أي ضرر بحمولة السفينة، فإن تعليق الرياض تسيير ناقلات النفط عبر البحر الأحمر أثر سلباً في أسعار النفط في السوق العالمية، لكن على الرغم من ذلك لم تحدث أي ردة فعل عملية ضد الحوثيين، حتى الآن على الأقل. 

سبق ذلك اكثر من 10 هجمات بحرية منذ اكتوبر 2016 [4]


وازدادت الهجمات الحوثية مرة أخرى نهاية العام 2020 بعد قدوم ضابط في الحرس الإيراني يدعى حسن أيرلو إلى صنعاء باعتباره سفير طهران لدى دولة الحوثي في صنعاء. 


وكانت أبرز نتائج المفاوضات الأمريكية الحوثية خلال فترة أوباما قبل توقفها مؤقتا في فترة ترامب مبادرة كيري التي تضمنت خطة على مراحل  أبرز ما ورد فيها وقتها قبل تشظي أطراف الحرب على ضفتي الانقلاب والشرعية،  تشكيل حكومة وحدة وطنية، بنسبة الثلث لكل طرف(هادي وحلفاءه، والحوثيون، وحزب المؤتمر)، وتقاسم السلطة بين القوى المتحاربة. 

كما نصت على انسحاب المسلحين من صنعاء وغيرها من المدن، بما في ذلك المدن والقرى الحدودية مع السعودية، وتسليم الأسلحة الثقيلة، بما فيها الصواريخ الباليستية بحوزة الحوثي، إلى طرف ثالث محايد. 
وقد تعثرت الخطة في ذلك الوقت.



وفي إدارة ترامب تحديدا في أغسطس 2019 أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، أنها تخوض محادثات مع جماعة “أنصار الله” الحوثية حول إيجاد حل للأزمة اليمنية.

وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، في تصريح صحفي أدلى به خلال زيارة إلى السعودية: “تركيزنا منصب على إنهاء الحرب في اليمن… وبدأنا إجراء محادثات بقدر الإمكان مع الحوثيين في محاولة لإيجاد حل تفاوضي مقبول بالنسبة للجميع بشأن النزاع”.


وأضاف شينكر، متحدثا في قاعدة عسكرية: “نحن نعمل مع المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، ونقيم اتصالات مع شركائنا السعوديين”. 

وجاء هذا التطور بعد أن ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، يوم 27 أغسطس الماضي، أن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تعمل على مبادرة خاصة بإطلاق مفاوضات سرية مباشرة بين السعودية من جهة والحوثيين المدعومين من إيران من جهة أخرى لوقف الحرب في اليمن.


ورغم النبرة المرتفعة لترمب حيال ايران وأذرعها في المنطقة فقد التزمت ادارته ذات المرونة وذهبت لعقد صفقة مع الحوثيين قبل نهاية فترته، تم من خلالها الإفراج عن رهائن امريكيين مقابل السماح بوصول مئات العناصر الحوثية الى صنعاء جوا، وهي الرحلة التي يرجح أن إيران ارسلت خلالها القيادي في الحرس الثوري حسن ايرلو لتعينه سفيرا لها وحاكما في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

لكن العلاقة بين واشنطن والحوثيين كان قد عبر عنها رسميا باراك أوباما في 2015  في خطاب ألقاه الرئيس أوباما  في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية، موضحاً أن واشنطن لم تستمع لتحذيرات السعودية بأنهم إرهابيون.    


وقال "أنور عشقي" الضابط السابق في المخابرات السعودية  في حديث صحفي لوكالة سبق السعودية" إن أوباما قال بأكاديمية "ويست بوينت" الأمريكية منذ أشهر: إننا تحالفنا مع الحوثيين  للقضاء على الإرهاب الذي يهدد أمننا القومي في اليمن[5]. 

وقال "عشقي" إن بعض الدول  فضلت التزام موقف الحيادية طالما أن هناك شرين يتصارعان، هما الحوثي والإرهاب، لكن احتلالهم صنعاء واستيلاءهم على المعسكرات والقصر الجمهوري تبين أن هدفه الاستيلاء على السلطة، وليس القضاء على الإرهاب.

وشكى عشقي أن المملكة سبق أن حذرت بأن الحوثيين هم إرهابيون، لكن الولايات المتحدة تتسم بشيء من عدم البصيرة. 

وبعد أربعة أيام فقط على محاصرة الحوثيين لهادي في منزله بصنعاء وإجباره على تقديم الاستقالة عام 2015 قالت قناة الجزيرة " يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تكيفت مع صعود نجم الحوثيين في اليمن، حتى إنها تواصل هجماتها على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في غمرة أعمال العنف التي تشهدها العاصمة صنعاء".

وقالت الكاتبة باربارا سالفين في مقال نشره موقع "المونيتور" الإخباري -الذي يتخذ من واشنطن مقراً له- إن الولايات المتحدة تحتفظ بعلاقة استخباراتية مع جماعة الحوثي التي تسيطر على صنعاء العاصمة. 

وتأكيداً على وجهة النظر هذه، نقلت الكاتبة عن مايكل فيكرز مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات القول إن الحوثيين جماعة "تناصب القاعدة العداء، وهو ما ساعدنا على مواصلة تنفيذ بعض عملياتنا الخاصة بمكافحة إرهاب ذلك التنظيم خلال الأشهر الماضية". 

وبدا فيكرز غير متيقن وهو مسؤول أمريكي من نوايا الحوثيين بعد استيلائهم على مؤسسات الدولة ومحاولتهم حكم بلد ممزق كاليمن، وفي ذلك يقول "لا أدري إن كان هدفهم الاستيلاء على الدولة وممارسة نفوذهم وإعادة صياغة البلد على النحو الذي يرون أنه يتوافق أكثر مع مصالحهم"[5].
واعترف الأمريكيون حينها بأن الصعوبة في اليمن تتمثل في إقناع السعودية بمدى نفوذ الحوثي ".


كما نقلت المونيوتور الأمريكية أن إدارة ترامب أوقفت خلال   2017-2018 المحادثات مع مليشيا الحوثي لكنها عادت بقوة في 2019. 
ولم توقفها الهجمات على منشآت أرامكو في الرياض بقيق وخريص في سبتمبر 2019. 


وكشفت الصحيفة أنه لم تحدث أي مفاوضات مباشرة منذ تولي الرئيس ترامب مهام منصبه عام 2017 إلى أن أعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى ديفيد شينكر خلال زيارة للسعودية (الخامس من أيلول/سبتمبر2019) أنّ واشنطن تجري محادثات مع جماعة بهدف إيجاد حل "مقبول من الطرفين" للنزاع اليمني. وأوضح شينكر في تصريح للصحافيين في مدينة الخرج جنوب الرياض: "تركيزنا منصبّ على إنهاء الحرب في اليمن (...) ونحن نجري محادثات (...) مع الحوثيين لمحاولة إيجاد حل للنزاع يكون مقبولاً من الطرفين" وقالت الصيحفة يعتقد مسؤولون أمريكيون أن الشعارات الحوثية بالموت لأمريكا ليست حقيقية! لذلك فإن ذهابهم إلى مشاورات مع الحوثيين محمية بهذا الاعتقاد. 


لكن المهمة الرئيسية للإدارة الأمريكية ستكون إقناع السعودية بالجلوس على طاولة المفاوضات وليس حكومة "الرئيس عبدربه منصور هادي" لأن الأمريكيون يعتقدون أن حكومة الرئيس "هادي" ضعيفة للغاية وساهمت جملة من الأحداث على تجاوزها بما في ذلك التهميش المضاعف لقراره من قِبل التحالف العربي. 

فمن وجهة النظر الأمريكية فإن على السعودية الانتقال من "الحالة العسكرية" مع الحوثيين إلى "الحالة الدبلوماسية" خصوصاً مع انتقال الإمارات إلى ذات الاستراتيجية في (يونيو/حزيران2019). وتعتقد واشنطن أن احتمال إجراء محادثات في الوقت الراهن أكبر من السابق، إذ سيستفيد الجميع الأميركيون، والحوثيون، والسعودية من محادثات خفض التصعيد[6]. إذ أن ذلك سيعني تخفيض الحوثيين لهجماتهم على السعودية وتهدئة على الحدود. 

لكن ذلك سيعني التفكير في خطط الأمريكيين والأمم المتحدة لإزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي من منصبه وهو ما ترفضه الرياض -في الوقت الحالي- على الرغم من المبررات الأمريكية والأممية بشأن "هشاشة" سيطرة الحكومة الشرعية على مناطق نفوذها، وهي السياسة التي ساهم التحالف العربي خصوصا الامارات بانتهاجها وتحويل المناطق المحررة الى مناطق صراع أخرى خففت الضغط على الحوثين وقوت شوكتهم. 

ومع أن إدارة ترمب أظهرت حدة في التعامل مع أيران واذرعها في المنطقة لكنها احتفظت بمرونة خاصة مع الحوثيين، قبل أن تقرر في أيامها الأخيرة القاء عظمة تصنيف الحوثيين كجماعة ارهابية بعد أن تيقن رحيله عن البيت الأبيض. 

مع ذلك فإن إدارة الرئيس جو بايدن سرعان ما تلقفت الملف وتعهدت بإعادة النظر في تصنيف الحوثيين كحركة إرهابية، وايقاف دعمها للسعودية في اليمن. 

وفي كل الأحوال فإن الإدارات الامريكية المتعاقبة ظلت تتدخر الحوثيين لمهام أخرى في اليمن. فرغم الانتقادات الواسعة من النخب الأمريكية لسياسة واشنطن في العراق عقب الغزو و اسقاط نظام صدام حسين وتسليم البلاد للمليشيات الشيعية، فإن التجربة هناك تبدو ملهمة لصناع القرار الأمريكي لتكرار الأمر في اليمن بلا تردد. 

ومنذ الانقلاب على الأقل أظهرت واشنطن ميلا صريحا للتعامل مع الحوثيين بذريعة مكافحة الإرهاب لاستعادة زخم بدايات صعود نجم القاعدة وماتبعها من سياسات أسهمت في سيطرة الأقليات الشيعية في المنطقة وتمدد إيران.

وكما منحت أمريكا الضوء الأخصر للحوثيين بالإنقلاب، فقد سمحت  للرياض أن تعلن الحرب من من واشنطن في عهد أوباما. 

ومثلما باعت للسعودية والخليجيين الكثير من الأسلحة على ذمة الحرب ونشطت دولاب الصناعات العسكرية وقدمت لهم الدعم اللوجستي واطلقت ايديهم للعبث بالخارطة اليمنية واعادة تشكيلها سياسيا وعسكريا، ظلت في نفس الوقت تفتح قنوات التواصل مع الحوثيين  وساعدت في الإبقاء عليهم  قوة رئيسية في البلاد والترويج للتعامل معهم ولا تزال تبيع وهم ابعادهم عن إيران حتى اللحظة. 

تدرك واشنطن بالخبرة والتجربة الطازجة لسنوات فداحة الرهان على جماعة طائفية في الحرب على الإرهاب وما يمكن أن ينتج  من ويلات تفاقم الوضع وتذكي الانقسام الطائفي والجهوي، والأمثلة شاهدة في العراق. 

والأرجح أن واشنطن لهذا السبب تحديدا تدخر الحوثيين، ليس في اليمن فقط فربما تلهم تجربتهم آخرين  لاستلهامها في بقية دول الخليج على المدى المتوسط.

[ملاحظة: في 19 يناير الجاري صنفت إدارة ترامب في آخر يوم من عملها في البيت الأبيض الحوثيين منظمة إرهابية، وفي 22 من ذات الشهر راجعت إدارة بايدن القرار، وفي 25 يناير الجاري علقت واشنطن كافة العقوبات على الجماعة الإرهابية حتى 26 من فبراير المقبل].
ـــــــــــــ
مراجع المادة:
[1] نص ترجمات وثائق ويكليكس الموقع الألكتروني للمصدر أونلاين

[1] مؤسسة “راند” الأمريكية: هل يمكن أن يكون “الحوثيون” هم “حزب الله” القادم؟ https://marsad.ecsstudies.com/36732/

[1] https://foreignpolicy.com/2020/12/16/lloyd-austin-isnt-who-you-think-he-is/

[1] https://alharf28.com/p-50413

[1]  حان الوقت لبلورة قناة خلفية لإجراء محادثات جدية بين السعودية والحوثيين باربارا أ. ليف  السفيرة باربارا أ. ليف هي زميلة أقدم في معهد واشنطن. إلينا ديلوجرمتخصصة في شؤون اليمن ومحللة سياسية، هي مؤسسة "معهد سيج للشؤون الخارجية".

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/han-alwqt-lblwrt-qnat-khlfyt-lajra-mhadthat-jdyt-byn-alswdyt-walhwthyyn

[1] هجمات الحوثيين في البحر الأحمر .. السياقات والتداعيات https://fikercenter.com/position-papers/

[1] هجمات الحوثيين في البحر الأحمر .. السياقات والتداعيات

[1] https://usaarabic.com/2019/09/05/

[1] https://sabq.org/Esxgde

[1] https://www.aljazeera.net/news/presstour/2015/1/25/

[1] https://abaadstudies.org/news.php?id=59820

[1] https://abaadstudies.org/news.php?id=59820


Create Account



Log In Your Account