ما الذي يحدث في المهرة؟
السبت 02 يناير ,2021 الساعة: 03:16 مساءً

مر وقت طويل والناس تريد أن تعرف ما الذي يحدث في المهرة، تلك المحافظة اليمنية الهامة الواقعة على ساحل البحر العربي، ويتساءلون عن سر تزايد الاهتمام الخارجي بها، ولماذا تشكلت حركات احتجاجية فيها لمقاومة تواجد التحالف العربي المتنامي فيها؟ وماذا يريد التحالف من المهرة؟ ومن هي القوى اللاعبة والمتنافسة هناك؟... كل هذه الأسئلة وغيرها تشغل بال الكثير من المهتمين والمتابعين، وأعترف بأني واحد من أولئك المتابعين، دارت في رأسي عدد من التساؤلات حول ما يجري في المهرة، ومؤخرا قرأت تقريرا سياسيا لأحد مراكز الدراسات في اليمن تعرض بشكل مفصل ومركز للوضع في المهرة، كما تابعت نشاطات الفعاليات الشعبية والحركات المناهضة ووقفت على توجهاتها وبياناتها السياسية، وقرأت عدة كتابات لأطراف مختلفة تتناول الوضع في المهرة، بعضها يؤيد التواجد الخارجي وبعضها الآخر يؤيد الحركة المناهضة لوجوده... ومن خلال كل ذلك يمكن الخروج برؤية تؤكد أن النفوذ الخارجي المتزايد في المهرة بعضه له أبعاد تاريخية وبعضه آنية ولكن يتم بصورة مكثفة نظرا للأهمية الإستراتيجية المميزة التي تحتلها المهرة على ساحل بحر العرب، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي وحدودها الجيوسياسية مع دول الجوار التي تعد اللاعب الرئيسي هناك، ولكلٍّ منها أهدافه وتطلعاته.

لسلطنة عُمان علاقات تاريخية بالمهرة وسكانها بحكم التقارب الجغرافي والتداخل السكاني والعلاقات الأسرية.. وتعتبر السلطنة من الداعمين الأوائل للتنمية في المهرة منذ عقود طويلة، ولم يلقَ هذا النفوذ العماني أية مقاومة أو اعتراض لا من قِبل القبائل والسكان ولا من قِبل السلطات الحكومية، وما يزال الإنسان المهري يحتفظ بمشاعر الإخوة حتى اليوم للشعب العُماني وقيادته.

لكن نفوذ السلطنة اليوم بات يلقى تنافسا كبيرا من قبل لاعبين جدد دخلوا المشهد خلال السنوات القليلة الماضية وهما السعودية والإمارات بصورة واضحة ودقيقة. وهاتان الدولتان جاءت بهما "عاصفة الحزم" إلى اليمن في العام 2015 دفاعا عن السلطة الشرعية اليمنية ومواجهة الانقلاب عليها من قبل تحالف الحوثي وصالح.. ولكن منذ العام 2017 بدأت تتضح كثير من ملامح هذا التدخل لاسيما في محافظة المهرة، حيث بدأ توجه الدولتين يبحث عن نفوذ سياسي وعسكري وأمني في محافظة كانت تعيش أمنا وسلاما فتحول الوضع فيها إلى ما يشبه حالة من الصراع بين نفوذ التحالف والحركات الشعبية المناهضة له.

ومؤخرا، تركت الإمارات دورها في المهرة للسعودية وتوجهت هي إلى جزيرة سقطرى، في عملية تبادل النفوذ والأدوار بعدما تم إضعاف السلطة الشرعية وشل فاعليتها وقدرتها على مواجهة هذا النفوذ المتزايد الذي يعرض السيادة اليمنية للأخطار.

أصبحت السعودية تمتلك نفوذا واسعا في المهرة، فإلى إلى جانب كونها المسيطر على المنشآت الحيوية هناك من موانئ ومطارات ومنافذ برية، استطاعت المملكة أن تخترق النسيج القبلي وأصبحت تدفع المرتبات للقبائل، ناهيك عن قوات الجيش والأمن وعدد من المسؤولين والإعلاميين والناشطين لكسب الولاءات كما هي عادتها في اليمن، كما تدفع رواتب نحو 1800 جندي دربتهم الإمارات، وانتقل عملهم إلى جانب القوات السعودية بعدما تركت الإمارات المهرة وانتقلت إلى سقطرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الذي تريده السعودية من المهرة؟ إذا كانت السعودية تحارب عمليات تهريب السلاح والخبراء للحوثيين هناك فهذا فعل إيجابي يستحق الترحيب به والتعاون معه، أما إذا كانت تبحث عن السيطرة والاستحواذ على الفعل والقرار ليتيح لها ذلك تنفيذ مشروعها الإستراتيجي بمد أنابيب النفط عبر المهرة إلى بحر العرب فإن ذلك لن يحدث إلا بالطرق القانونية المتعارف عليها دوليا وعبر الحكومة اليمنية.. فلا أعتقد أن المهريين واليمنيون أنفسهم سيفرطون بمصلحتهم في هذا المشروع الكبير، فهناك مصالح متبادلة يجب أن توخذ بالطرق السلمية وليس بالقوة وشراء الولاءات!

السعودية لاعب رئيس في اليمن، وجهودها في "عاصفة الحزم" محل تقدير واحترام، ودعمها للاقتصاد اليمني عنوان صداقات قديمة وجديدة يجب أن توطد وترسخ من أجل المستقبل.. لكن هذا لا يعني أن اليمنيين لا تستفزهم التدخلات التي تؤثر في سيادة بلدهم وأمنه مهما كانت علاقات الصداقة، فالجميع لا يريد لهذه العلاقات أن تتأثر بتصرفات لا داعي لها.. فكل شيء سيتم بالتفاهم والطرق السلمية والقانونية ولا نريد أن نسمع من يقول بأن التحالف قوات احتلال كما هو حال المجلس العام للمهرة وسقطرى برئاسة "بن عفرار" الذي دعا أمس الأول في بيان له الحكومة اليمنية الجديدة لاستعادة المهرة وسقطرى وإخراج قوات "الاحتلال" - حسب قوله - منهما، فمثل هذا الكلام من دون شك سيزعج السعودية والإمارات.. ولو أننا فكرنا بطريقة مختلفة وإيجابية لما حدث ذلك.

نتطلع إلى أن تستعيد المهرة أمنها واستقرارها كما كانت، وأبناء المهرة أكثر معرفة منا بما يدور في محافظتهم، وإن كانت هناك قوى أخرى تلعب فيها غير التي ذكرناها فكل شي وارد ومتوقع، واليمن أصبح ساحة مفتوحة بسبب ضعف سلطته وعدم وجود قوات وأجهزة أمنية وطنية قوية... لكن هذا لن يقف عائقا أمام استعادة زمام الأمور  طال الوقت أم قصر.

وأيا يكن حجم التدخل الخارجي وانواعه واساليبه فانه سيقود الي تنافس غير محمود وحالة استقطاب حادة قد تؤدي الي اشعال فتيل الصراعات في المجتمع المهري الأمر الذي سيقود الي تصدع وتمزق النسيج الاجتماعي واضعاف دور السلطات اليمنية هناك وشل فاعليتها.


Create Account



Log In Your Account