متى بيرجع الرئيس؟
الخميس 24 ديسمبر ,2020 الساعة: 08:11 مساءً

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية تدوينات ومنشورات تطالب الرئيس عبدربه منصور هادي بالعودة إلى اليمن وتحديدا الى العاصمة عدن بعد ست سنوات من زمن الحرب قضاها خارج البلاد في منفاه الاختياري بالمملكة العربية السعودية.

كما انتشرت أفلام قصيرة مسجلة لشباب وشابات واطفال ورجال تطالب الرئيس بالعودة حيث تساءل هؤلاء وبكلمات معدودة "متى بيرجع الرئيس؟" في الفلم القصير الذي انتشر على نطاق واسع، ويدل على ان المواطنين سئموا من استمرار بقاء الرئيس في الخارج بينما البلد يعيش ازمات طاحنة لم تجد لها حلولا وتتضاعف معاناة المواطنين يوما بعد يوم.

وكان الشارع اليمني ينتظر عودة الرئيس الى عدن كما نص اتفاق الرياض في مناسبة اداء الحكومة لليمين الدستورية، لكن سفر عدد من الوزراء الى الرياض اكد بما لا يدع مجالا للشك ان (اليمين) ستكون في الرياض، المنفى الاختياري لرئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، الأمر الذي يوسع من دائرة الاحباط لدى الناس الذين عانوا كثيرا بسبب ابتعاد القيادة السياسية عن مشاكلهم وهمومهم.

اليمين الدستورية

فور الإعلان عن الحكومة الجمعة الماضية نشطت حركة التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي بين مرحب وممتعض وهناك من عبر عن سروره بإعلان الحكومة بعد مخاض عسير لكنه ربط اكتمال الفرحة بأداء الحكومة لليمين الدستورية في عدن امام رئيس الجمهورية، معتبرين ذلك الاختبار الاصعب امام الشرعية، مشيرين الى ان عدم اداء الحكومة لليمين في عدن سوف يؤدي الى انتاج الوضع السابق بالإضافة الى كونه مقياسا لنجاح الحكومة من عدمها.

ويرى مراقبون أن الرئيس هادي لن يستطيع العودة إلى عدن رغم الظروف المواتية لذلك وقد ألف العيش خارج البلاد لست سنوات متتالية واسفر عن ذلك تعقد الوضع في الداخل من خلال سيادة الفوضى وتفجر المشكلات والازمات الاقتصادية وأبرزها تراجع سعر صرف العملة المحلية امام العملات الاجنبية وارتفاع اسعار المواد الغذائية وتعقد الحياة المعيشية للناس.

يبدو أن القيادة السياسية غير قادرة على التغيير إلى الأفضل مادامت تفضل العيش في الخارج عن العودة للبلد، ويتخوف المواطنون من أن ينعكس هذا السلوك على الحكومة ويصبح الخارج هو المكان الرئيس الذي ستدير منه اعمالها مع خلق الاعذار والمبررات بأن الأوضاع في الداخل مقلقة امنيا في الوقت الذي ينتظر منها الناس معالجة كل الملفات وفي المقدمة الملفان الاقتصادي والأمني.

وكانت حملة شعبية دعت رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة للعودة إلى الداخل اليمني وترك المنافي الاختيارية الفخمة في الرياض وعدد من العواصم العربية.

وطالبت الحملة المكونات السياسية المشاركة في الحكومة الجديدة بالعودة إلى الداخل لأداء اليمين الدستورية وتطبيع الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن وتفعيل أجهزة الدولة الرسمية، بالإضافة إلى إخلائها من المعسكرات ودمج المليشيات في وزارتي الدفاع والداخلية.

وفي مطلب ثالث للحملة وفق بيان منشور على وسائل التواصل دعت إلى التركيز على مواجهة مليشيا الحوثي، والاهتمام بالجانب الاقتصادي وانتظام تسليم المرتبات للجيش.

وهذه هي الحملة الثانية منذ الإعلان عن تنفيذ اتفاق الرياض في العاشر من ديسمبر الجاري، وتساءلت الحملة الأولى عن موعد عودة هادي.

ان استمرار بقاء الرئيس خارج البلاد بعد كل هذه الحملات والمطالبات الشعبية بالعودة للداخل هو مدعاة للإحباط لأنه لن ينتج سوى الفشل والعجز كما هو عليه الحال منذ ست سنوات ومن المتوقع ان يؤدي ذلك الى فشل الحكومة في معالجة الملفات المطروحة امامها فضلا عن الفشل في تنفيذ ما تبقى من اتفاق الرياض.

 ما الذي يمنع الرئيس من العودة؟

في حوار مع وكالة "سبوتنيك" الروسية قال نائب مدير مكتب الرئاسة الشيخ احمد العيسي إن سبب الكثير من الأزمات في العاصمة المؤقتة عدن ومحيطها، وتشكل مليشيات عسكرية لا تدين بالولاء للدولة، هو الذي منع الشرعية اليمنية وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، من العودة إلى عدن.

ولم يقل لنا العيسي من الذي يمنع الرئيس من العودة إلى عدن هل هو التحالف أم المجلس الانتقالي أم هناك قوى أخرى؟ لكن آخرين يرون أن عودة الرئيس أمر متعلق بالرئيس نفسه حيث أن اتخاذ قرار العودة بيد الرئيس وليس بيد أية قوة أخرى ولن يستطيع أحد أن يمنعه اذا ما قرر العودة الى بلاده.

لكن هناك من يربط عدم عودة الرئيس بالوضع الامني الهش في عدن خصوصا بعد الصراعات الدامية التي شهدتها عدن بين الانتقالي والحكومة الشرعية فيما يرى اخرون انه لو كان الرئيس موجودا في عدن لتمكن من اخماد هذه الصراعات وعدم السماح لها بالانبعاث.

وهادي هو الرئيس اليمني الوحيد المحظوظ جدا حيث تلتف حوله كافة القوى السياسية من احزاب ومكونات واخيرا انضم الى شرعيته المجلس الانتقالي، وعدم وجود معارضة له، الا انه بحسب مراقبين لم يستثمر هذا الالتفاف السياسي والجماهيري لتعزيز نفوذه على الارض فقد جعلته الاقامة خارج البلاد يخسر الكثير من هذا النفوذ الأمر الذي ادى الى تشكيل دولة داخل الدولة في عدن بسبب الفراغ الذي تركه هادي وحكومته طوال السنوات الست الماضية.

وتقول مصادر مطلعة ان هادي اكثر تأثرا بالمحيط العائلي الذي حوله وهو يتخذ قرارته احيانا بناء على ما تقرره العائلة، وربما يكون لدى العائلة مخاوف من اغتياله في عدن اثر ذلك بصورة او بأخرى على الرئيس ومنع عودته الى عدن او أي منطقة يمنية لإدارة البلاد منها، مع ان الرجل في هذه السن يفترض ان لا يلتفت لمثل تلك المخاوف، فاليمن بحاجة لرجل فدائي قادر على قيادة الجميع لتحقيق الانتصار في المعركة الكبرى ضد الانقلابيين الحوثيين وتحقيق الانتصار في المعارك الاقتصادية والتنموية التي تحتاجها البلاد للخروج من دائرة الأزمات والمشكلات التي تعصف بها وان استمرار الرئيس خارج البلاد سيبقي الأمور على حالها ولن تتمكن الحكومة من العمل الا اذا وجد رئيس دولة قوي صاحب قرار بإمكانه ادارة الامور من الداخل والسيطرة على كافة الأوراق السياسية واللعب بها بما يخدم البلاد اولا واخيرا.

الوضع الآن

بعد اعلان حكومة الشراكة اصبحت كل القوى السياسية بما فيها المجلس الانتقالي تعمل تحت ادارة الرئيس هادي كما اصبحت القوات الأمنية في عدن متهيئة وفق اتفاق الرياض للانضمام تحت لواء وزارة الداخلية ولكن هذا بحاجة لعمل دؤوب ومواقف قوية وحضور قيادة الشرعية في الميدان كما ان اعادة تطبيع الوضع الأمني لن يكون عسيرا فهناك العشرات من الوحدات العسكرية المحلية كما تتواجد قوات التحالف في عدن وهذه بإمكانها توفير الحماية للرئيس اذا ما قرر العودة الى العاصمة عدن.

البلد أمام مفصل تاريخي مهم وفرصة نادرة لن تعوض للم الشمل وإعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري والأمني من جديد ومنح المكونات والأحزاب السياسية الفرصة للعمل وفق مشروع الرئيس المتمثل بالدولة الاتحادية وتوحيد كافة الجهود لخدمة هذا المشروع، ولكن هذا العمل بحاجة لقيادة قوية وحكومة تمتلك صلاحيات واسعة ولديها رؤية واضحة تنموية واقتصادية وسياسية وتوفر شروط العمل في بيئة آمنة وخالية من المماحكات السياسية قبل كل شيء.

ليس هناك مجال أمام الرئيس الا العودة للبلاد، فلم تعد تجدي إدارة البلاد من الخارج، ويكفي سبع سنوات من الغربة والفشل الذي أصاب كل مفاصل الدولة وادى الى استشراء الفساد والمحسوبية والمناطقية والجهوية الأمر الذي عصف بآمال الناس وتطلعاتهم وأحالها الى كومة من الاحباطات التي قد تؤدي، لا سمح الله، الى انفجار عظيم لن يسلم منه أحد.

الوضع الآن يبدو مؤاتيا لعودة الرئيس اكثر من أي وقت مضى وعلى التحالف أن يخلق ظروفا مساعدة تساعد الرئيس للتخلي عن مخاوفه وتردداته من العودة للداخل والعمل مع شعبه وحكومته وتوفير فرص لإعادة إصلاح ما أفسدته سبع سنوات من الغربة والعمل من خارج البلاد.


Create Account



Log In Your Account