نقد التفكير الدولي بشأن اليمن
الثلاثاء 03 نوفمبر ,2020 الساعة: 07:31 مساءً

نعم، هناك شيئ اسمه التفكير الدولي بشأن اليمن.

 

أولا: تشريح جسم التفكير الدولي

١- الرأس والمخ والقلب

اللبنة الأساسية لهذا التفكير، يقوم بها من يسمون أنفسهم بالخبراء الأجانب بالشأن اليمني.

وهم دارسون للشأن اليمني ويبدؤون حياتهم بالقدوم إلى اليمن ويعيشون معنا عدة سنين ويعبرون عن حبهم لنا وإعجابهم بمأكولاتنا وبساطتنا وعفويتنا طول الوقت.

ويبتسمون عندما يتذكرون العصيد والسلتة وسمك الموفى واللحم المندي وبنت الصحن والعسل اليمني وجلسات النقاش الطويلة الحميمية مع اليمنيين مع أغصان القات الطرية.

والكثير منهم تبلغ درجة حبهم لنا، إلى أن يكتبوا ويقولوا لنا أن "اليمن قد دخلت تحت جلدهم"، و "أنهم لا يستطيعون التوقف عن التفكير بنا".

وشريان الدم والغذاء الذي يمد هؤلاء الخبراء الأوروبيين والأمريكيين بالحياة، هم مراكز التفكير في العواصم الغربية، وهم يتمولون من حكوماتهم ومن ميزانيات من منظماتهم الإقليمية ومن الجامعات والمؤسسات المالية الكبرى.

وهؤلاء الخبراء، أذكياء ولطفاء ومهذبون وودودون، وبعضهم معهم خلفيات أكاديمية في علوم الأنثروبولوجيا والإثنيات والأعراق، والعلاقات بين تركيبات المجتمع وطبقاتها، والعلاقة بين الفرد والمجتمع والسلطة، وحل النزاعات أو زرع النزاعات والصراعات.

والعاملون في هذه المراكز يتنقلون بسهولة بين الوظائف في كل جهات التمويل سواء الحكومية أو الأكاديمية أو المالية وإذا لزم الأمر يتم تسريبهم إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها أو المنظمات الغير حكومية.

أشهر وأجرأ مراكز التفكير هذه، هي: مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن، مركز تشاتهام في لندن، ومؤسسة بيرجهوف في برلين.

قلت عنها أنها الأكثر جرأة لأنها تتخذ مواقف حدية وتستعمل مفردات وألفاظ بها صيغة الأمر والنهي.

٢- الأيادي والأرجل وأعضاء الإفراز أو تحويل الأفكار إلى أعمال على الأرض اليمنية.

هذه شبكة عظيمة متشعبة من اليمنيين، سواء يعيشون داخل اليمن أو في المدن العربية أو الأوروبية والأمريكية.

أ- ساسة يمنيون

هؤلاء اليمنيون، قد يكونوا سياسيون في أعلى هرم السلطة أو في رئاسات الأحزاب وقد يكونوا خصوما لبعضهم البعض أو حتى أعداء ويتحاربون بالرصاص على الأرض، ولكن وبقدرة قادر يستطيعون أن يجلسوا سويا ويتصورون معا عندما يكونون في ضيافة هؤلاء الأوروبيين والأمريكيين، والجميع الضيوف والمضيفين يتغنون بهذه الروح الجميلة التي تنتهي بأن يعود الجميع من حيث جاؤوا يلعنون الضيوف والمضيفين، ويكشفون نوايا كل ضيف وكل مضيف، ويشككون بنوايا وأغراض بعضهم البعض سواء كانوا يمنيين أو خليجيين أو أوروبيين أو أمريكيين، وبعضهم يعود إلى الأرض ليطلق الرصاص أو يأمر بإطلاقها على من كان معه في ضيافة الأوروبي والأمريكي.

وكلهم- الضيوف والمضيفين- يكتبون التقارير السرية سواء للمخابرات الغربية أو لمخابراتهم أو لمراكز صناعة السياسات أو لمراكز إتخاذ القرار.

مراكز التفكير الأجنبية، لا تكف عن إقامة الندوات وورش العمل لهؤلاء الساسة اليمنيين.

والساسة اليمنيون، من كل الإتجاهات المتصارعة، مجذوبون منجذبون لهذه الضيافات والدعوات وكأنهم تحت تأثير تعويذات سحرية لا يستطيعون ردها أو مقاومة إغراءها.

ب- نسخ يمنية من الخبراء الأجانب

هؤلاء، ناشطون وطامحون وطامعون بعضهم هواة وبعضهم محترفون يلطشون الكحول من العين، ولا يجمع بينهم أي شيئ ولكن عندما يجتمعون تحت مظلة الأجانب يصبحون جزرا منعزلة من نفس الشيئ سواء تحت ظل أو ضلالة الحوثي أو ظل وضلالة المجلس الانتقالي، أو المناطق التي لم تتبلور بعد تحت أي ظل أو ضلالة، أو حتى تحت صفوف ظل وضلالة بعض مكونات الشرعية.

هؤلاء يتم تجميعهم بطرق مختلفة، ويتم تأمين أعمال لهم في مؤسسات بحثية أو سياسية أو منظمات دولية أو حكومية.

هذه النسخ اليمنية من المحللين والخبراء والناشطين، يتم إخبارهم بما يجوز أو لا يجوز من تبني الأفكار أو قول الكلام بحسب المعايير الثقافية والسياسية والاجتماعية الغربية، ويتشربونها ويصبحون ملكيون أكثر من الملك، ويصبحون سيفهم المسلط علينا.

ج- نسخ يمنية من مراكز التفكيرية الاستراتيجية

كل ما يحتاجونه ليصبحوا مدراء لمراكز تفكير استراتيجية هو كومبيوتر لابتوب أو آي باد أو حتى تليفون سامسونج، ويصبحون بعدها مراجع "محترمة" تروج لها المراكز الغربية التي تمولها وتستضيفها بانتظام في الندوات وورش العمل وتوفر لها الكتابة بنشراتها وكتيباتها الدورية وحتى تفرش لها الطريق للمشاركة بتأليف الكتب، وبعدها يصبح مفكرا "استراتيجيا" يمنيا كامل الأوصاف.

نعم، هؤلاء كانوا أشخاصا عاديون قبل يومين وأصبحوا خبراء استراتيجيون يترأسون مراكز استراتيجية يمنية.

ويجرون دراسات بحثية على الأرض يقوم بها باحثون يمنيون شباب يبحثون عن لقمة عيشهم اليومي من أي مصدر ويحلمون باليوم الذي يصبحون فيه "استراتيجيون" يتمولون بالدولارات واليورو الأوروبي بصورة ثابتة مثل رؤسائهم.

د- إضفاء الأصالة اليمنية للتفكير الدولي "الغربي"

وتكتمل الشبكة بين اليمنيين المشبوكين والأجانب الشابكون، ويصبح معنا ما يطلق عليه إسم "التفكير الدولي بشأن اليمن".

بخلق وتخليق وصناعة المحللين اليمنيين وعمل نسخ طبق الأصل منهم للمحللين البريطانيين والألمان والأمريكان، يتم إضفاء الأصالة لكلام وخطط ومخططات الأجانب، ويصبحون كلهم جسدا "واحدا" و "دماغا واحدا" و "أفكارا واحدة".

وينطقون بنفس الكلام وبنفس الألفاظ والمصطلحات.

وتبدأ صناعة موجة جديدة من الأفكار والخطط والمخططات التي قد تكون مناقضة تماما لما كانوا يروجون له بأنفسهم قبل شهور، ويطلبون منا أن هذا هو الذي يجب أن تسمع كلامه بلاد اليمن وكل فئات اليمنيين.

 

ثانيا: تفكير  القطيع والتفكير الدولي

سمعنا عن تصرفات القطيع وعن مناعة القطيع، وكلها مشهورة ومرذولة هذه الأيام وسنضم إليها تفكير القطيع.

تصرفات القطيع Stampede:

أشهرها "التدافع" الذي يتدافع أثناءها كل أفراد القطيع بسرعة وقوة ويحطمون كل من يقع تحت أقدامهم ويندفعون إلى الهاوية، ويموتون كلهم بسقوط كل القطيع.

مناعة القطيع herd immunity :

برز ذكرها هذه الأيام مع ظهور ڤيروس كورونا واجتياح مرض كوفيد١٩ لكل أنحاء العالم.

العلماء يتحدثون الآن على أن مناعة القطيع، ليست شيئا جيدا كما يروج البعض الذين لهم مصلحة بعدم قفل الاقتصاد.

مناعة القطيع، لن تنهي وباء كوفيد١٩.

نحن لم نحصل على مناعة القطيع مع فيروس شلل الأطفال بالرغم من أنه ظل يفتك بنا لمدة أربعة آلاف سنة، ولم نتخلص من مآسيه وغرامته إلا بعد أن تم تصنيع اللقاح وتوفيره لكل أطفال العالم.

ونفس الشيئ لن نتخلص من كوفيد١٩ إلا بعد أن يتوفر لقاح ناجح لكل الناس في كل العالم.

تفكير القطيع groupthink

تعريف تفكير القطيع:

"ممارسة التفكير أو صناعة القرار بواسطة مجموعة من الناس بطريقة لا تشجع على الإبداع أو تحمل الفرد للمسؤولية."

نستطيع أن نرصد "تفكير القطيع" داخل هذه الشبكة الكبيرة التي نستطيع أن نسميها شبكة التفكير الدولي بشأن اليمن.

سنحاول هنا أن نفصفص ونفكك الخطوات التي تنتهى بما أسميه أنا تفكير القطيع في التفكير الدولي بشأن اليمن.

كلهم يقولون نفس الشيئ في نفس الوقت وطول الوقت.

 

١- نقطة البداية في صناعة تفكير القطيع، تبدأ بهذه الشبكة التي تبدأ بالمحلل الأجنبي ومراكز التفكير الأمريكية والبريطانية والألمانية، وتجنيد النسخ اليمنية من الناشطين والمحللين ومراكز التفكير.

٢- كل أفراد الشبكة من يمنيين وأجانب، يبدؤون استعمال نفس مفردات وألفاظ ما تم الإتفاق عليه من التفكير الجمعي أو تفكير القطيع مع الكلام والحديث والنشر والترويج لكل ما جاء والتشديد على أنه مسلمات ومبادئ لا يمكن الخروج عنها.

٣- يتم بطريقة موازية التركيز على الكارثة التي تتسبب بها حرب اليمن ويبدؤون بنشر صور أجسام نحيلة لأطفال عرايا بعظام بارزة وترديد نفس الكلمات لإيقاف هذه الحرب، ولا تخف هذه الدعايات إلا بعد أن تتبرع السعودية بعدة مئات ملايين دولارات للمنظمات الغير حكومية واليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي.

مع نداءات للسياسيين اليمنيين أن يرحموا شعبهم وينضمون لتفكير المجتمع الدولي.

٤- يبدأ مارتين جريفثس- مفوض الأمم المتحدة بشأن اليمن- باستعمال نفس مفردات التفكير الجمعي للقطيع، وعن أنه قد توصل إلى وجوب "التفكير بطرق جديدة ومرجعيات جديدة لإحلال السلام".

الذي يتابع ما هو منشور من قبل مجموعة الأزمات الدولية الأمريكية ومركز تشاتهام البريطاني ومؤسسة بيرجهوف الألمانية، قبل كلام جريفثس بأسبوع هو بالضبط وبالحرف ما يقوله جريفثس على أنه طريقة تفكير جديدة لمقاربات جديدة للوصول إلى حل سلمي في اليمن.

يحتاج جريفثس لفترة قصيرة تمر بعد ظهور توجه جديد لتفكير القطيع حتى يستوعبه ويصبح قادرا على ترديده مطالبا كل من الشرعية اليمنية والحوثيين على الإستجابه له.

ويستمر جريفثس حتى يدوخ ونحن نتفرج ونتعجب عليه وحتى يحس بثقالته كل اليمنيين.

ويستمر جريفثس بترديد الألفاظ الجديدة لتفكير القطيع حتى يتعرض لإهانة من الحوثيين أو لدش بارد من مكونات الشرعية.

وبعدها يدرك من يحرك جريفثس بزمبرك من وراء الستار أن هذه الرحلات المكوكية لجريفثس قد فشلت وقد أصبحت عقيمة.

ويدرك من يمسك بخيوط مارتين جريفثس من فوق صندوق الأراجوز الدمية أنه قد داخ من ترديد نفس الكلام ومن اللف والدوران ومن ركوب طيارات الأمم المتحدة والتحرك من مطار إلى مطار في حلقات مفرغة من الإجتماعات والمباحثات.

عند هذه النقطة يعود جريفثس ل "بيتر سالزبري" البريطاني و "أبريل أللي" الأمريكية في مجموعة الأزمات الدولية ومركز تشاتهام ومؤسسة يبرجهوف.

قد يعود جريفثس لهم بنفسه محبطا يائسا أو قد يسحبونه هم ليخلصونه من بؤسه ويتم شحنه بطاقة جديدة تعيد له بعض النشاط والحيوية.

ويكون بيتر سالزبري قد جهز بطارية الشحن لجريفثس بمبادئ جديدة سرعان ما تكون هي المفردات الجديدة لكل شبكة تفكير القطيع المحلية والأجنبية وللسفير البريطاني ولوزارة الخارجية البريطانية.

٥- ويواكب كل حركات جريفثس السفير البريطاني مايكل آرون بترديد نفس كلام تفكير القطيع، مع شيئ من الجرأة وانعدام الديبلوماسية التي تثير سخط بعض اليمنيين أو تضحك بعض الناس.

6- تبدأ صحيفة الجارديان البريطانية وصحيفة التايمز اللندنية الترويج للتفكير الجديد للقطيع على أنه من المقدسات الدولية الجديدة.

انظر إلى هذه المقالة في الصنداي تايمز بأن السلام لن ينجح في اليمن إلا إذا كانت المرأة مشاركة بالمفاوضات.

7- نحن غير منطقيون وغير عقلانيين. أي شخص أو أي جهة تخالف هذا "التفكير الجمعي" للمحللين الأجانب ومراكزهم الاستراتيجية وصنائعهم من النسخ اليمنية من المحللين والاستراتيجيين، يتم وصمهم بأنهم غير عقلانيين وغير منطقيين لأنهم لا يعترفون بالحقائق على الأرض.

8- الحقائق على الأرض، تتغير كل عدة شهور في اليمن.

تتغير الأوضاع على الأرض إما بسبب التغير في الوضع العسكري لعشرات الجبهات بطول اليمن الكبرى وعرضها، أو بسبب ضخ الأموال والأسلحة بكثافة من "الخارج" لأقلية سكانية عقائدية غارقة في الضغائن أو منطقة جغرافية غارقة في صراعات قبلية، أو بسبب عدم تركيز السعودية والإهتمام بأولوياتها وتذبذب دعمها للشرعية وعدم قدرتها على تنسيق العمل بين قوات الشرعية المختلفة، أو التنسيق بين مجموع قوات الشرعية كاملة وبين جيش المملكة.

وحتى قد تتغير الحقائق على الأرض بسبب أعمال بيتر سالزبري ومايكل آرون ومارتين جريفثس أنفسهم، كما حدث في إتفاق ستوكهولم.

كل هذه العوامل، تتسبب بإنتاج حقائق جديدة بصورة منتظمة.

وتفكير القطيع هذا، يطالبنا أن نغير مواقفنا ونغير مبادئنا ونغير ما نريده لليمن الذي بخاطرنا، كلما تغيرت حقيقة أو واقعة جديدة داخل اليمن لا علاقة لها باليمن نفسها ولا بطبيعتها ولا بطموحها ولا بمستقبلها.

من هو الذي غير منطقي وغير واقعي وغير عقلاني؟

هل هو أنا ونحن بما هو ثابت لدينا وما نريده لليمن، أم هم كلهم هم وتفكير القطيع الجمعي الذي يغيرونه ويبدلونه كل عدة شهور بناء على حقائق عمرها قصير وتتغير بصورة منتظمة.

ثالثا: التفكير الدولي يحاول فرض حقائق جديدة على الأرض، تكون تابعة له هو ولا تنتمي لليمن

إنظر إلى هذه المقالة التي نشرت الأسبوع الماضي، في مجموعة الأزمات الدولية لكبير خبراءهم كما يطلقون عليه بأنفسهم بيتر سالزبري.

الرابط في التعليق.

هؤلاء، لا يفهمون اليمن.

هؤلاء، لا يفهمون المرأة.

هؤلاء، يتبجحون بأنهم أحرص على المرأة اليمنية منا نحن.

هؤلاء، يريدون عمل شق بيننا وبين المرأة اليمنية.

هؤلاء، يروجون على أن المرأة اليمنية مختلفة عن الرجل اليمني بطموحها وآمالها وحتى أطماعها ونزواتها.

هؤلاء، يدعون بأنهم يحبون اليمن أكثر منا وأحرص على الوصول للسلام منا.

هؤلاء، يقولون- وبالحرف الواحد كما جاء في مقالة لبيتر سالزبري في رابط آخر هنا- بأن المرأة اليمنية والناشطين ومنظمات المجتمع المدني، يمكن أن يكونوا رديفا لهم ولمارتين جريفثس ليتبنوا مقارباتهم للوصول إلى السلام بناء على الحقائق الموجودة على الأرض من "كانتونات خمسة"، هي المناطق الحوثية، والمناطق تحت المجلس الانتقالي، والمناطق تحت الشرعية، والمناطق تحت إمرة طارق صالح عفاش في الساحل الغربي، والمناطق ذات وضع خاص في حضرموت والمهرة وسقطرى.

هل المرأة اليمنية والشباب اليمني والمنظمات اليمنية، يوافقون هلى هذا؟

هل المرأة اليمنية والشباب اليمني والمنظمات اليمنية، مختلفون عنا؟

وأصلاً، هل توجد كيانات متميزة إسمها المرأة اليمنية والشباب اليمني والمنظمات اليمنية، لا يمتون لنا بأي صلة وهم أقرب لبيتر سالزبري ولمارتين جريفثس ومايكل آرون مما هم أقرب لنا نحن؟

لقد استمرؤوا ما يرونه من تفريخ فئات ومنظمات وصناعات لحقائق مزيفة على الأرض لدرجة أنهم هم أنفسهم يريدون أن يكون معهم صنائع وحقائق على الأرض تتبعههم هم أنفسهم ولا تمت لنا ولليمن بأي صلة.

معنا مصيبة جديدة في اليمن، إسمها التفكير الدولي بشأن اليمن.

رابعا: إتفاق ستوكهولم كمثال على سقوط التفكير الدولي

لن آتي بشيئ من عندي، وسيكون كل شيئ من مقالة بيتر سالزبري

١- يقول بيتر سالزبري أن إتفاق ستوكهولم ماكان ليتم لولا مقتل خاشوقجي وغضب الكونجرس الأمريكي وضغط وزير الدفاع الأمريكي على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ليضغط على رئيس اليمن هادي ليوافق على المشاركة في مفاوضات مع الحوثيين في ستوكهولم.

هذا صحيح.

ونحن نعرف هذا وراقبناه لحظة بلحظة فالصحافة الغربية لا يخفى عنها شيئا وتنشر كل شيئ.

كنا نتميز غيظا ونغلي غضبا ونحن نرى وجوه أعضاء وفدنا وعليها كل ذلك الحزن ومحاولة الاحتفاظ برباطة الجأش ومغالبة الارتباك وإدعاء الكبرياء.

وكنا نفور ونحن نشاهد الفيديوكليبات اليومية لوزير الخارجية البريطاني چيريمي هنت والسفير البريطاني مايكل آرون ومفوض الأمم المتحدة البريطاني مارتين جريفثس وهم يقولون كلاما غير مترابط لا يرقى حتى إلى مستوى بائع أدوية أعشاب طبية في سوق شعبي أسبوعي في الريف النائي.

ولم يفتنا بالطبع مراقبة الوفد الحوثي المشبعة بالرضى والقبول على هذا الأداء البريطاني الرائع في خدمتهم.

٢- چيريمي هنت ذهب إلى طهران، ليأخذ موافقة الإيرانيين للحوثيين بأن يذهبوا لستوكهولم.

الإيرانيون، هم أدهى الناس على الأرض- هذه الأيام- في فهم المفاوضات وانتزاع المكاسب والمغانم منها بدون أن يتنازلوا عن شيئ وقد قرروا للحوثيون بعد أن درسوا بأن هذا يوفر للحوثيين:

أ- الشرعنة عند المجتمع الدولي وبداية التعامل معهم كطرف نزاع وليس كمتمردين عليهم قرارات وعقوبات من مجلس الأمن

ب- مساعدات دولية للحوثيين يدخل جزء كبير منها- بطريقة مستترة- في المجهود الحربي للحوثي وفي تغذية الجيوب الشخصية لكبار الحوثيين وقططهم السمان وحلقات الفساد.

ج- تأمين ميناء الحديدة للحوثيين

د- ترويض جريفثس والمجتمع الدولي للقبول بحالة نفسية جديدة وهي أنه عليهم من بداية الذهاب إلى ستوكهولم إلى كل ما سيأتي بعده أن يستعملوا مبدأ المراضاة والمداراة ودفع أثمان قبل مجرد قبول الحوثي للكلام مع جريفثس بدون أي مقابل أو التنازل عن أي سلاح أو سيطرة.

وهذا هو ما يجري فعلا منذ ذلك الحين.

الحوثي يكسب وجريفثس يراضي ويداري ويخبئ والشرعية تصيح.

٣- بيتر سالزبري يحكي ملابسات الوصول إلى ستوكهولم والضغط على السعودية وعلى الرئيس هادي، بنوع من الفخر.

ونحن ننظر إليها كنوع من الإهانة والخسارة والغرامة ولوي الذراع للسعوديين واليمنيين.

٤- لا يكتفي بيتر سالزبري، بالفخر بحركات البريطانيين والأمريكيين التي أدت إلى الذهاب إلى ستوكهولم، ولكنه يبتكر ويخترع ويتفنن باقتراحات تؤدي إلى مواقف مشابهة تؤدي إلى ضغوط أمريكية على السعودية لتقوم بدورها بالضغط على الرئيس هادي ليقدم تنازلات جديدة وهذه المرة ليست فقط للحوثيين في صنعاء ولكن أيضا للانفصاليين في المجلس الانتقالي في عدن وللعميد طارق صالح في الساحل الغربي ولأوضاع الأمر الواقع في حضرموت والمهرة وسقطرى.

5- يقول بيتر سالزبري بأن المشكلة هي في تفسير الحوثي لإتفاق ستوكهولم وليس في سقطة البريطانيين في إتفاقية ستوكهولم.

ولا يستحي سالزبري وهو يقول هذا الكلام.

أصلاً، لم يوقع الحوثيون على أي إتفاقية.

كان كل ما حدث في ستوكهولم هوشلية بريطانية وانعدام للمهنية والحرفية والجدية، وكانت هناك فقط رغبة بأن يتقابل رئيسا وفدي الشرعية والحركة الحوثية ويتصافحا بينما البريطانيون ويصفقون ويقولون هذه هي روح الكريسماس، وسنتمكن الآن من تناول الديك الرومي السمين ليلة الكريسماس ونحن هانئون بأن أطفال اليمن الجائعين راضون عنا ونحن راضون عن أنفسنا.

هذا الكلام عن عشاء الكريسماس في ٢٠١٨- قبل عامين- ليس من عندي.. هذا كلام چيريمي هنت في تصريح لقنوات التليفزيون بنفسه.

خامسا: هذا تحذير لليمنيين والسعوديين

اليمنيون والسعوديون، لأول مرة في نفس القارب.

المخاطر عليكم كلكم، هي من الحوثي وإيران.

التفكير الدولي، يحاول أن يفكر بالنيابة عنكم ويقول أشياء وكأنه يفهم أموركم أكثر منكم.

يقول للسعوديين، بأن الحوثيين هم أقرب إليكم من الإيرانيين... وأنتم أخبر وأعلم وأدرى.

يقول لليمنيين بأنه لا خوف عليكم من الحوثيين ولا من تغيير هويتكم ولا من السيطرة عليكم وتحويلكم إلى خدم وأتباع... وأنتم أخبر وأعلم وأدرى بهذا.

يقول للمرأة اليمنية وللشباب اليمني بأن بيتر سالزبري ومايكل آرون ومارتين جريفثس، يرون مصلحتكم أفضل من أي أحد آخر... وأنتم أخبر وأعلم وأدرى من هذا.

فانتبهوا لما أنتم أخبر وأعلم وأدرى به.

 

*نقلًا عن صفحة الكاتب في فيسبوك


Create Account



Log In Your Account