عام على اتفاق الرياض.. هل كان متاهة سعودية لتمرير مخططات الإمارات واقتسام تركة الشرعية؟
الإثنين 02 نوفمبر ,2020 الساعة: 01:48 مساءً
تقرير خاص



تحل الذكرى السنوية الأولى لاتفاق الرياض نهاية الأسبوع الجاري وتحديدا يوم الخميس الموافق 5 نوفمبر، ومازالت تصريحات رعاة الاتفاق وطرفيه تتحدث عن أهمية تنفيذه.
ما قبل اتفاق الرياض:
قتل منير أبو اليمامة في قصف صاروخي على معسكر يقوده في البريقة بعدن بتاريخ الأول من اغسطس 2019م، ومعه عشرات من مجندي الحزام الأمني الممول والمسلح كليا من الإمارات.

تصاعد التوتر على إثر مقتله وشنت عناصر الحزام الأمني حملة شعواء على الأسواق والمحلات والشوارع وقامت بتهجير مناطقي كثيف.

في السابع من أغسطس دفنت مليشيا الانتقالي العميد منير أبو اليمامة قبل تحقيق يذكر، في مقبرة جوار قصر معاشيق بعدن، وأثناء عودة المشيعين حاولوا اقتحام القصر لكن الحراسة تصدت لهم ومنعتهم.

(هاني بن بريك لحظة إعلانه نفيرا مسلحا لإسقاط الحكومة في عدن)

ظهر هاني بن بريك حينها يعلن نفيرا مسلحا لمواجهة الحكومة وإسقاطها.
استمرت الاشتباكات لمدة يومين انتهت بسقوط قصر معاشيق وعدة معسكرات كانت توالي الحكومة اليمنية.
رحَّل التحالف وزير الداخلية أحمد الميسري قائد الجبهة التي كانت تناوئ الانتقالي ومعه وزير النقل صالح الجبواني، على متن طائرة من معاشيق بطريقة مذلة.

في العاشر من أغسطس واصل الانتقالي مداهماته لمنازل قيادات وضباط ومسؤولين يعتقد أنهم موالوان للشرعية أو من ينتمون لأبين شبوة.

(آخر صورة لوزير الداخلية في الحكومة اليمنية أحمد الميسري في عدن قبل لحظات من ترحيله إلى السعودية).
في منتصف شهر أغسطس توجهت مليشيا الانتقالي بدعم إماراتي إلى أبين وسيطرت على مقرات القوات الخاصة وقوات الشرطة العسكرية دون قتال.

تحولات في شبوة:
على إثر التطورات الجديدة في كل من عدن وأبين، قالت القوات المسلحة اليمنية إنها لن تسمح بتمزيق البلاد، وستخوض مواجهتين بنفس الوقت.
لكن الشعور بالنصر بالنسبة لقادة الانتقالي دفعت قياداتهم إلى فرض شروط مجحفة على السلطة المحلية بقيادة بن عديو والقيادة العسكرية في شبوة التي كانت تتوخى تجنيب المحافظة سفك الدماء.

فرض الوفد المفاوض من جانب الانتقالي مهلة زمنية لا تزيد عن 12 ساعة لكل مجند ينتمي إلى محافظات شمال اليمن حسب التقسيم الشطري السابق، ومغادرة القوات المشتركة التي أنشأها المحافظ لتعزيز الأمن في عتق، وتسليم صلاحيات الامن في المدينة للنخبة الشبوانية.

سرعان ما انقضت المهلة التي حددها الانتقالي على السلطة المحلية وشن هجوما واسعا بعشرة آلاف مجند وفقا لتصريحات رسمية لوزير الداخلية على مدينة عتق التي كان يتواجد عناصر النخبة في مداخلها وبعض مؤسساتها.

بين الرابع والعشرين والسادس والعشرين من أغسطس صمدت مدينة عتق وأعلن محافظ شبوة الانتصار الكبير، وعززت قوات الجيش محور عتق بقوات عسكرية من المناطق الثالثة والسادسة والسابعة والأولى، وأكملت السيطرة على محافظة شبوة بعد طرد جميع قوات النخبة الإماراتية.

(قوات الجيش تطرد النخبة الموالية للإمارات من مثلث حضرموت عدن)


على وقع الشعور بالنصر السريع هذه المرة من جانب الحكومة توجهت قواتها سريعا إلى أبين، وفي الثامن والعشرين من الشهر نفسه وصلت إلى عدن ومطارها وانهارت جميع القوات العسكرية التي مولتها الإمارات بمسمى الانتقالي.

في التاسع والعشرين من صباح اليوم التالي شن الطيران الإماراتي أكثر من عشر غارات على تجمعات مفتوحة لقوات الجيش في منقطة العلم  أسفرت عن مقتل 47 عنصرا من الجيش وإصابة ما يزيد عن 250 جنديا.

تراجع على إثره الجيش إلى منطقة شقرة بأبين وتقدم الحزام الأمني إلى زنجبار فيما يشبه طوقا أمنيا لحماية عدن.

توقف العمل العسكري:
على إثر هذه التطورات طالب الرئيس هادي السعودية بالتدخل فدعت إلى وقف لإطلاق النار، بين الحكومة والانتقالي، وتجاهلت الضربة الإماراتية، ودعت لمفاوضات في الرياض.
الوصول إلى اتفاق الرياض:
توصل طرفا المحادثات التي قادها عن جانب الحكومة علي محسن الأحمر وعبدالله العليمي ومن جانب الانتقالي ناصر الخبجي، إلى اتفاق الرياض بعد أن كان اسمه اتفاق جدة، في الخامس من نوفمبر 2019م، وحضر توقيعه كلا من محمد بن سلمان وليالعهد السعودي ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي الذي قصف قوات الجيش في العلم.
نص اتفاق الرياض على توحيد قوات الحكومة وعناصر الانتقالي سياسيا وعسكريا من اجل الاستعداد للدخول في مرحلة جديدة من "الحلول السياسية" مع مليشيا الحوثي وفق تصريحات المسؤولين السعوديين آنذاك.
كما نص أيضا على دمج عناصر المجلس الانتقالي في إطار وزارتي الدفاع والداخلية خلال ستين يوما.

وعودة جميع القوات - التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية شهر أغسطس 2019 م - إلى مواقعها السابقة خلال 15 يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق.

والنقطة الأهم  إعادة تنظيم القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب في محافظة عدن واختيار العناصر الجديدة فيها من قوات الشرعية والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي، والعمل على تدريبها، وتعيين قائد لها، وترقم كقوات أمنية تابعة لوزارة الداخلية.


بالإضافة إلى  تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى (24) وزيرا يعين الرئيس أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية.

كما تضمن عدة ملاحق للترتيبات العسكرية والأمنية والاقتصادية، خلال مدة زمنية معين لا تتجاوز أطولها تسعون يوما.


انقضت جميع المدد الزمنية دون أي إنجاز يذكر وفشلت بنود الاتفاق، وكان الشيء المنجز الوحيد فعليا على الأرض هو انتشار قوات سعودية بكثافة أعلى مما كان في السابق في العاصمة المؤقتة عدن، وإخراج معظم قادة الانتقالي من عدن مثل عيدروس الزبيدي وشلال شائع وهاني بن بريك ويسران المقطري وناصر الخبجي ومنعهم من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن.



في مايو 2020 اندلعت اشتباكات جديدة في أبين بين الحكومة والانتقالي ومازالت مستمرة تراوح مكانها.


في نهاية يوليو الماضي أعلنت السعودية عن آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض، تم بموجبها إصدار قرار من هادي بإعادة تكليف معين عبدالملك بتشكيل حكومة محاصصة بين الحكومة والانتقالي وتعيين أحمد لملس أمين عام الانتقالي محافظا لعدن، وتعيين مدير للشرطة في عدن خلفا لشلال، إلا أنه لم يسمح له بمباشرة عمله في عدن.


وحددت آلية التسريع مدة تشكيل الحكومة بثلاثين يوما انقضى حتى الآن تسعون يوما منها ولم تر النور، لتلتحق بمتاهة الإتفاق نفسه الذي رعته السعودية وحولته الى ماراثون طويل، أضاف سقطرى الى سلة مكاسب الإمارات ومنح الشرعية صورة فارغة موثقة على العدسات في الرياض لاتفاق يسلبها آخر ماتملكه عبر القتل البطيئ والمتدرج وصولا ربما الى طي صفحتها.

ماذا بعد؟
يقول ناشطون يمنيون إن إتفاق الرياض هو الجزء الثاني من لعبة إبتدأتها الإمارات بتدبير انقلاب 10 أغسطس 2019 في عدن بضوء أخضر سعودي، كانت الرياض قادرة على كبحه لوأرادت كما فعلت في محاولة سابقة في يناير 2018.

وتذهب كثير من التحليلات الى اتهام الرياض بتعمد إيصال الأوضاع الى هذه المآل واستخدام الإتفاق كجسر لشرعنة الإنقلاب وتحويله الى سلطة طيعة بيد الحليفين.

يؤيد هذا الإتجاه التحليلي الوقائع على الأرض، فالرياض التي رعت  اتفاقا لانهاء الأوضاع الناجمة عن انقلاب اغسطس، هي نفسها التي رعت بواسطة  قواتها في يونيو الماضي سيطرة الإمارات واذرعها على جزيرة سقطرى وطرد القوات الحكومية بعد قرابة 7 أشهر فقط من " مهرجان " التوقيع.

يقول مراقبون إن الإتفاق هو صورة أخرى للإنقلاب وأن الرياض تقوم بعملية ترسيخ تدريجي لنتائجه وتمرير أجزائه بالتقسيط، وسط اندفاعة للحليفين باتجاه اقتسام تركة الشرعية في المحافظات المحررة، ليس فقط جغرافيا، وانما كذلك على مستوى تشكيل الحكومة لتكون معبرة عن مصالح الحليفين بإسم الشرعية.


Create Account



Log In Your Account