الزبيري رجلٌ بخَمس مَهام!
الأحد 27 سبتمبر ,2020 الساعة: 07:15 مساءً

 لم يكن محمد محمود الزبيري رجلاً عادياً، فقد كان يعلم أن الرجولة بالمفهوم القرآني شيء عظيم، ولذلك فقد أودعت الأقدار في شخصيته عددا من المواهب والمدارك والطاقات التي يندر أن تجتمع في شخص واحد، وكان رجل بمهام عديدة لدرجة يمكن القول معها بأنه كان يَكمن تحت إهابه عددٌ من أعظم الرجال على النحو الآتي: 

الأول: ثائرٌ وطني مخَر عُباب السياسة وامتطى جواد النضال الدائب في مقارعته للظلم ومحاربته للكهنوت الذي جثم على صدر اليمنيين قرونا من الزمن الأسود؛ فزرع فيهم الجهل والفقر والمرض، وأشاع في أوساطهم الفرقة والعصبيات والبطالة والسلبية واليأس، ليبقى متفردا بحكم البلاد واستعباد كل من فيه، والاستئثار بكل ما فيه من خيرات!

الثاني: مصلح اجتماعي امتلك مقاليد الفهم لعلل شعبه، واعتلى نواصي السنن الاجتماعية والفقه الحضاري، ليجد تركة ثقيلة من التخلف الذي صنعته أجهزة الإمامة عبر قرون من الخبث والأبلسة؛ فانطلق أي الزبيري بكل ما يمتلك من إيجابية، ليعيد حرث تربة المجتمع اليمني حتى لا يقبل الاستعباد باسم الدين ولا الاستبداد تحت أي اسم أو لافتة، ولقد كابد إكراهاته وجاهد ضعفه، وبذل كل مستطاعاته في سبيل معالجة أدواء المجتمع اليمني وتجفيف منابع آفاته الاجتماعية.

 الثالث: أديبٌ كبير، امتلك ناصية الشعر واعتلى مقام النثر، وأجاد فنون الرواية والخطابة والحوار الراقي مع قدرة هائلة على الإقناع؛ وبلغت شاعريته حدا جعل القائمين على إصدارات (شعراء الدعوة الإسلامية) في عمّان يضعونه في الترتيب رقم الأول ضمن الجزء الأول من الأجزاء التسعة.

 الرابع: مفكر حكيم، وهبه الله عقلا ذكيا وقلبا شفافا، ففقه دينه على أحسن وجه، وفهم واقعه كما هو دون تهويل أو تهوين، وما زال يرتقي في سماء الفكر والمعرفة ويجني الكثير من الخبرات حتى وصل إلى ذروة الحكمة، ولو لم يكن مصلحا اجتماعيا ومناضلا سياسيا شغلته أوجاع الناس واستغرقت أوقاته حل المشاكل وإيجاد مخارج للمآزق والأزمات ومواجهة الظلَمة والمبطلين في جبهات عدة، لولا ذلك لكان له إنتاج فكري أكبر، ولصار له شأن عظيم بين كبار مفكري الأمة الإسلامية.

 والخامس: مربي مسؤول، فقد امتلك شخصية (كاريزمية) كبيرة دفعت كثيرين للانجذاب إليه، ولم يكن من أصحاب (قُل كلمتك وامشِ) بل كان صاحب هم وهمة دفعته للاهتمام بتربية أجيال من اليمنيين الذين يرفضون الضيم ويواجهون الظالمين؛ لدرجة أنه لم يتحمل إكمال دراسته الأزهرية في مصر، بل انقطع تماما عن الدراسة وعاد إلى بلاده، فأسس جمعية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بفهم شمولي وترتيب واع للمنكرات، حتى أنه تصدى لظلم الإمام يحيى في وقت مبكر، مما حدا به لإدخاله السجن، وفي هذا السبيل تتلمذ على يديه كثيرون صار لهم شأن في قيادة العمل الوطني والسياسي في اليمن، ومنهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ عبدالمجيد الزنداني والأستاذ عبدالملك الطيب. 

 وكان في كل هذه الشخصيات والأدوار إنسانٌ رائقٌ يطير بجناحي التدين الراقي والوطنية الرائعة، فلم يهدأ له بال وهو يسمع صرخات المظلومين، ولم يعرف استراحة محارب وهو يحس بمواجع المستضعفين ويرى فواجع الأغلبية الساحقة من اليمنيين، ولم يتوقف قطار فاعليته العجيب عن التحرك إلا حينما سقط جسمه مضرجا بدمائه وارتقت روحه إلى بارئها تعانق السماء وتجاور النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

  


Create Account



Log In Your Account