حرب الشائعات في معارك مأرب .. كيف قاتلت الآلة الدعائية للإمارات وأتباعها جنبا إلى جنب مع الحوثي ضد الجيش والقبائل؟
الخميس 10 سبتمبر ,2020 الساعة: 08:42 مساءً
سلمان شمسان - الحرف28 : خاص

لم يقتصر الهجوم الحوثي على مأرب بالسلاح فحسب، فقد رافقه هجوم إعلامي ومعنوي أشد خطورة وأكثر فتكا حيث كانت الشائعات سلاحا فاعلا في معركة كسر عظم لم توفر وسيلة إلا وسلكتها.

وبينما كان الهجوم العسكري تقوده مليشيا الحوثي خططا وتنفيذا، فقد كان الهجوم الإعلامي من ائتلاف كبير: أولهم الحوثي، ومليشيا الانتقالي، ومعظم حزب المؤتمر المتشظي، وجزء لا يستهان به من بقية الأطراف المحسوبة على الشرعية بعضها متحالف مع الإمارات.

وشاركت هذه الأطراف في الهجوم الشرس على مأرب بصيغة غلب عليها طابع التشفي، يتخللها أمنيات بإسقاط المحافظة، لكن اللافت أن أنصار مأرب وحزب الإصلاح شاركوا بشكل آخر في الهجمات من خلال المواقف السلبية، وغلب عليها طابع التحذيرات ورمي التهم وتحميل المسؤوليات.

حرب الشائعات الحوثية

كثفت مليشيا الحوثي في إعلامها الحربي ضخ الشائعات عن إسقاط مأرب، من عدة جبهات، في الوقت الذي كان فيه مقاتلوها مجندلين بين قتيل وجريح وأسير في أحد أقوى وأخطر جبهاتهم؛ وهي جبهة العلمين والنضود.

وفقا لعسكريين كانت هذه الجبهة تهدف إلى الالتفاف على مأرب وقطع خط العبر مأرب وإسقاط صافر، ومن شان هذا الإلتفاف إذا نجح أن يسقط المحافظة التي شكلت حائط الصد الأكبر لمصلحة الشرعية وأحد أكثر قلاعها المنيعة.

وشنت حملة الدعاية الحوثية هجمات واسعة من خلال النشر المكثف لمقاطع فيديو قديمة وصور ووثائق مزورة كلها تحاول صناعة انتصار وهمي وإلحاق الهزيمة المعنوية بجبهة الجيش وحاضنته.

في الجبهة الجنوبية من مأرب ذهبت مليشيا الحوثي الى وسيلتها الأثيرة في تمزيق خصومها، وزعمت أنها ابرمت اتفاقيات مع بعض القبائل تسمح لها بمرور الخط الأسود.

ووزعت المليشيا ورقة مكتوبة بخط يد غير واضح عن اتفاق بينها وبين آل أبوعشة، وكانت الوقائع على الأرض تخبر بأشياء مناقضة، ففي الأيام التالية ارتقى شهداء كثر هناك، بينهم بعض من زعمت مليشيا الحوثي انها اتفقت معهم للسماح لها بعبور "الخط الأسود".

وتغلبت الشائعات الوهمية والزائفة على حقيقة أكدتها الأحداث والتاريخ منذ 2014م ، باستثناء مأرب عن صراعات صنعاء وتعز وعدن وغيرها، حيث انقسمت الأحزاب في أشد صورة، وانقسمت المكونات الاجتماعية والقبلية والمناطقية في صور بدائية موحشة ومدمرة.

لكن مأرب ظلت حالة إستثناء رغم كثافة المحاولات فقد وقفت القبائل مع بعضها، وكذلك الأمر بين الأحزاب بما فيها ما كان يعرف ثنائي المشترك والمؤتمر، وانصهر الجميع في بوتقة واحدة شكلت صلابة مأرب لست سنوات حرب.

وخلال السنوات الست الماضية قتل كبار رجال القبائل في مواجهات ضد مليشيا الحوثي، ولم يشذ عن وحدة قبائل مأرب إلا بعض من يعرفون بالهاشميين ذوي الروابط المعروفة بالحوثيين مع استثناءات معروفة وبارزة في هذا الفرع من ذوي الحضور الوطني.


وفي الوقت الذي أشاع الإعلام الحربي الحوثي ووسائله الدعائية أن عناصر المليشيا تقترب من صافر ووادي حضرموت والوديعة، كان الجيش يكسر هجمات الحوثيين ويشن هجوما مضادا حرر فيه كامل الجبهات الشمالية الشرقية لمأرب واقترب فعلا من مركز الحزم عاصمة الجوف عند بئر المزاريق وقريب من معسكر اللبنات.

في جبهة ماهلية التي تقع في أقصى جنوب غرب مأرب وتبعد حوالي 100 كم عن مركز مدينة مأرب ، كان لها حظ وافر من شائعات السقوط.

ولم يكن سقوطها في وسائل الإعلام الحوثية والتابعة للمجلس الانتقالي الموالي للإمارات يعني الا أمرا واحدا يحاولون من خلاله إلحاق الهزيمة بمأرب : سقوط المحافظة تلقائيا وانسحاب شامل لقوات الحكومة والمقاومة القبلية.

ومثلها حدث في جبهة مديرية رحبة والمديريتان،  للمفارقة،  الوحيدتين اللتان أحرز بهما الحوثي تقدما، بعد حرب أسابيع وما تزال المواجهات مستمرة، وكذلك الأمر بالنسبة لمديرية مدغل، ومعسكر ماس: يقع في أقصى غرب مأرب، وقد أسقطته الشائعات عشرات المرات.

المجلس الانتقالي الموالي للإمارات ظهر متناغما مع الحوثيين ليس في تغطياته الإعلامية الدعائيا فحسب، بل وفي تحركاته العسكرية في الجنوب، حيث كثف هجماته العسكرية على القوات الحكومية في أبين وأرسل المزيد من التعزيزات، في وقت تقوم فيها ابوظبي ببناء معسكرات وجلب إسرائيل الى سقطرى كشكل من الإسناد المعنوي للحوثيين.


في إحدى الصفحات المشهورة للإنتقالي سقط معسكر ماس أكثر من 20 مرة حتى وصل سقوطه الوشيك إلى أن يكون منشورا يوميا خصوصا في منشورات الليل، وقت ذروة التصفح والمتابعة.

أما في جبهات مأرب المشتعلة منذ سنوات مثل صرواح، القريبة فعلا من مجمع مأرب، لم تؤثر شائعات الحوثي كثيرا ولا انتبه لها أحد، بحكم زيف الشائعات المستمرة هناك منذ سنوات مضت.

لكن شائعات جديدة ظهرت منذ أشهر عن سقوط رغوان وهي مديرية غير حدودية وتكررت شائعاتها عدة مرات، و في بعض الأحيان كانت الشائعات تنتشر حتى برغم جمود الجبهات القريبة منها، في حين كانت المديرية وظلت بعيدة عن خريطة الصراع العسكري لموقعها الجغرافي.

حسين العزي القيادي الحوثي السلالي الذي يعتبر نفسه نائبا لوزير خارجية ولم يعترف به أحد قط، لجأ إلى تويتر لبث أراجيفه وشائعاته عن عشرات آلاف المجندين الذين يقدمون أنفسهم دروعا لسلالته.

وعلى الدوام كانت منشوراته تظهر الحوثيين بقوة الفراعنة والروم والأكاسرة وبقوة أعظم من كل الدنيا ، بينما كان يصرخ مشرفو و أسرى المليشيا في مأرب في نفس لحظات زهو العزي الدعائي بأنهم مغرر بهم.

ومع كل منشور للعزي ، كانت قيادات بارزة للجماعة العنصرية تتهاوى صرعى مثل: دحوة والمغربي والقديمي والمنصوري وعشرات غيرهم.

وقد لجأ العزي بطريقة مفضوحة لتوظيف استشهاد القيادي الميداني البارز في قوات الشرعية الشيخ ربيش العليي لاثارة النزاعات وإظهار الخسارة الكبيرة بأنه تنازع على أموال بين قيادات في الشرعية.

ولطالما حاول القيادي الحوثي العزف على اوتار التنافس القبلي، إذ كرر الحديث عن اتفاقات مع قبائل مراد القوية، لإثارة انقسام وفتنة تعرف القبائل المتلاحمة في مأرب مراميها الخبيثة.

أما قبائل مراد وغيرها من القبائل فليست بحاجة إلى شهادة من عدو ولا صديق كما يقول أبناء مأرب، فموقفها المناهض للإمامة مكتوب بالدماء منذ فجر الإسلام ضد فارس، اسلاف الإيرانيين الأوائل وهي إشارة مهمة لموقفها من الإمامة لا تنتهي عند المناضل القردعي ولا القائد الشدادي ولا غيرهم، من الأسماء التي تمثل فخرا واعتزازا لكل أبنائها.

حلفاء حرب الشائعات في مأرب أتباع الإمارات في الشمال والجنوب

أثبتت حرب الشائعات ضد مأرب أن تحالفا عابرا للخناددق يتوزع على ضفاف الحوثي والإمارات باتباعها وأذيالها، منصات وناشطين ومكونات، وأن ما يجمع الطرفين أكثر مما يفرقهما.

ففي أحدث تغطية لوسائل إعلام أبوظبي كتبت وكالة إرم عن شائعات وخلافات وخيانات بين قادة الجيش والسلطة المحلية وقبائل مأرب كما لو أن الحوثي يستطيع فعلا اقتحام مأرب وهو العاجز منذ سنوات عن اقتحام مريس القرية الصغيرة في الضالع.

وقد أعاد الناشطون والمنصات المحلية الممولة من الإمارات ترديد ذات الشائعات كصدى لمركز التمويل وصناعة الشائعات، وقد سبق قبل ذلك بأشهر كتابات صحفيين وناشطين يعملون ضمن فريق أبوظبي عن صفقات بين الحوثيين وحزب الإصلاح.

بصورة مكملة للدعاية الحوثية، كثفت مليشيا الانتقالي وناشطيها واتباع الإمارات من ناشطين ناصريين وبعض الإشتراكيين تداول مقاطع عن اشتباكات منذ سنوات وسوقت لها على أنها طلائع الحوثيين في مأرب.

ولم يتوقف حرب الشائعات التي يتبناها الانتقالي عند حد معين، فعندما شن الحيش ومعهم الحزام الأمني هجوما على مليشيا الحوثي بجبهة دمت ضج إعلامهم بعبثية تلك الحرب وانها خدمة جليلة للحكومة ضد الحوثيين واعترضوا صراحة عليها.

في حرب الشائعات وقف معظم مدونو المؤتمر والاشتراكي والناصري خصوصا من تعز كإمتداد لذات الآلة الدعائية الممولة من الإمارات يبشرون بسقوط مأرب وحتمية ذلك السقوط.

يعيد هذا الإصطفاف التذكير بنفس التحالف الذي جمع هذه المكونات في 2014 وكان الحوثيون وصالح رأس حربة الإنقلاب بتمويل إماراتي وتواطوء سعودي واحتفاء يساري.

فاضت بهذه الفرقة الكراهية لما تروج أنها سلطات الإصلاح كتكرار لمواقفها من انقلاب 21 سبتمبر 2014 ووصل الأمر الى اعتبار سقوط مأرب مقدمة للتحرير!

في المقابل ذ هب إعلام الإصلاح إلى لغته المعتادة المنغمسة في الهزيمة النفسية والمتبرئة من مسؤولياتها والتي تخلو في الوقت ذاته من أي أمل للمقاومة، بتوجيه الإنتقادات للتحالف.

وتمثل ذاك جليا في هاشتاجات روجها ناشطون إصلاحيون تدعو لوقف الحرب الحوثية على مأرب مثلما حدث في الحديدة قبل سنتين، وهو المطلب الذي يعيد تكرار العزف على المخاوف بوابة الانسانية ووضع النازحين.

يرى بعض الناشطين أن هذه الدعوات كانت تعبير عن يأس من أي نصر ذاتي على مليشيا الحوثي، وامكانية تنويع الخيارات خارج دائرة التحالفات التي جلبت على الشرعية الخسائر، في وقت يستمر اداء الشرعية نفسه وقياداتها العسكرية التي ثبت فشلها وفسادها.

وتقول وجهة نظر أخرى إن تلك اللغة انطوت على شكل خطر من الهزيمة الناجمة عن التسليم بالشائعات المكثفة، فعندما يلوكها ناشطو الإصلاح باعتبارهم حاضنة كبيرة للمقاومة، فإن ذلك يعد ضربة لعمقهم المقاتل وصد عن مجرد التفكير بالالتحاق بالمقاومة.

وبينما يحشد بعضهم للقتال فإن آخرين يتحدثون عن معارك محسومة سلفا وبيع وشراء أو كما يقولون: هكذا يريد المخرج، وهو تعبير مكثف عن حالة الإحباط التي وصلت إليها أبرز مكونات الشرعية وكتلتها الصلبة، مع تراكم خيبات خمس سنوات من القتال مع تحالف الوصف الحقيقي له أنه عدو بحسب تعبيرات البعض.


Create Account



Log In Your Account