ستتجاوز أضرارها انفجار بيروت بعشر مرات .. إنفجار "قنبلة صافر" الوشيك
السبت 08 أُغسطس ,2020 الساعة: 05:17 مساءً
تقرير - هشام المحيا - خاص

بينما كانت لبنان تعيش هول فاجعة الإنفجار الرهيب لمخازن نترات الأمونيوم المخزنة في مرفأ بيروت، كانت أصوات اليمنيين ترتفع : قنبلة أخرى موازية وأكثر تدميرا بمرات ترسو على سواحل اليمن الغربية.


في لبنان كانت أصابع الإتهام توجه الى حزب الله صاحب سلطة الأمر الواقع التي تهيمن على المرفأ.

كما تدور حوله شبه تخزين سلاح الى جانب قرابة 3000 الف طن من شحنات نترات أمونيوم تحيط قصتها الكثير من الغموض والملابسات.

ما كان مؤكدا أن تلك الشحنات مثلت تهديدا للبنان وقد اصبح التهديد كارثة ماثلة، فقد أدى الإنفجار الضخم الى دمار كامل للمرفأ ومقتل وجرح الآلاف (الاعداد في تزايد) ودمار يصل قطره 10 كيلو متر، وآثاره تجاوزت مساحة 25 كيلو متر.

قال محافظ بيروت: لقد تضررت نصف العاصمة، وكانت الكارثة أن 300 الف نسمة من سكان المدينة باتوا مشردين وبغير مأوى.

كان انفجار بيروت يهز العالم هلعا، واحتدمت المخاوف صوب الطرف الجنوبي من البحر الأحمر حيث تتهيأ ما توصف بأنها قنبلة أكبر لالحاق الضرر بشعب آخر منكوب، تسيطر على قسم منه مليشيا توأم حزب الله موالية لإيران تمسك بالقنبلة وتلوح بتفجيرها على مرأى من العالم وتواطئه.

هناك في ميناء رأس عيسى النفطي على سواحل البحر الأحمر بمحافظة الحديدة غربي اليمن ترسو السفينة القنبلة (صافر) ناقلة على متنها 1.14 مليون برميل من النفط مهملة ومتهالكة منذ بداية الحرب.



كانت السفينة التي تحوي هذه الكمية الكبيرة من النفط الخام، تستخدم كمنصة تخزين عائمة متصلة بخط أنابيب في قاع البحر يبلغ طوله 7 كيلومترات.

تمثل السفينة واحدة من أعراض تداعيات الحرب، فالحكومة اليمنية تريد تصدير شحنة النفط الخام، لكن مليشيا الحوثي التي سيطرت على البلاد بانقلاب عسكري متحالفة مع الرئيس السابق صالح في سبتمبر 2014 ترفض ذلك وتريد قبض ثمن الشحنة الى جيبها.

لا تستطيع مليشيا الحوثي التصرف بالشحنة أو بيعها لأنها لا تمتلك المشروعية مقابل عجز الحكومة المعترف بها دوليا، التي لا تستطيع اخلاء السفينة لأنها راسية في ميناء يقع تحت سيطرة مليشيا الحوثي.

تقول التقارير الفنية إن صافر مهددة في أي وقت بالغرق بعد أن تسربت المياه إلى غرفة المحرك، وأن غرقها سيكون أعظم أثرا من انفجار بيروت وسيخلف كارثة كونية بيئية غير مسبوقة، ستحتاج عقودا لمعالجة آثارها.

ناقلة طاعنة في السن

يبلغ عمر هذه الناقلة المتهالكة 45 عاما، وبحسب المختصين فإنه كان ينبغي التخلص منها قبل عقدين، وعلاوة على ذلك ظلت الناقلة منذ بداية الحرب بدون صيانة بعد ان توقفت الأنشطة في ميناء رأس عيسى شمال الحديدة الذي تسيطر عليه مليشيا الحوثي منذ مارس/ آذار 2015.

ووفقا للتقارير الرسمية والدولية، فإن هيكل الناقلة مستمر في التآكل جراء الملح والحرارة منذ ذلك الحين.



كارثة اليمن والعالم

تحمل ناقلة صافر كمية تصل الى أربع اضعاف تلك التي كانت تحملها سفينة Exxon Valdez، 1 التي أصبحت إشارة تحذير عالمية لأي كارثة بيئية- عندما حطّت في ألاسكا في عام 1989.

الأمم المتحدة على لسان وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، حذر أمام مجلس الأمن الدولي من "أن وقوع تسرب نفطي من الناقلة صافر، يمكن أن يصل من باب المندب إلى قناة السويس في مصر، وربما يصل حتى إلى مضيق هرمز".

من جانبها، أكدت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليز غراندي، في حوار لوكالة "فرانس برس" انه إذا تحطمت السفينة ستحدث كارثتان، كارثة بيئية لم يسبق لها مثيل، وكارثة إنسانية أخرى ".

وأوضحت الامم المتحدة الأمم المتحدة ان العواقب البيئية والإنسانية لمثل هذا التسرّب ستكون كارثية.

وستشمل هذه الكارثة إغلاق ميناء الحُديدة وتدمير سبل العيش لملايين اليمنيين الذين يعتبرون هذا الميناء حيويا ويعتمدون عليه للواردات التجارية والمساعدات الإنسانية.

أضرار وخسائر مهولة

شركة [Riskaware ] ومقرها المملكة المتحدة، قالت إنّ التسرب النفطي إن حدث قد يستغرق عامين ونصف لتنظيفه بتكلفة 20 مليار دولار.

وأضافت أن الأخطر من ذلك حدوث حريق أو انفجار على متن السفينة، مما قد يؤدي إلى تغطية 40٪ من الأراضي الزراعية في اليمن، من شأن ذلك أن يترك أكثر من 3 ملايين مزارع غير قادرين على العمل لمدة عام.

وأشارت الشركة الى أن غرق الناقلة أو تفجرها يُمكن أن يعرض أكثر من 8 ملايين شخص لتلوث الهواء الخطير ويحتاجون إلى رعاية صحية لا تستطيع اليمن التي مزقتها الحرب تحملها.



وتقول بعض التقديرات إن أكثر من 8000 بئر مياه معرضة لخطر التلوث وستختفي سبل عيش مجتمعات الصيد على طول ساحل البحر الأحمر في غضون أيام.

ومن المرجح أن يُغلق ميناء الحديدة الرئيسي، الذي يقع إلى الجنوب من موقع صافر، لفترة طويلة.

وكشف موقع "حلم أخضر"، وهو منصة إلكترونية متخصصة في حماية البيئة في اليمن، عن الآثار المحتملة لتسرب النفط من خزان صافر على البيئة البحرية والساحلية في اليمن.

وذكر الموقع في تقرير له أن البيئة البحرية والساحلية في اليمن معرضة للتدمير الكلي الذي سيمتد من سواحل البحر الأحمر حتى سواحل خليج عدن والبحر العربي. كما أكد أن البيئة اليمنية ستخسر كل مقدراتها.

وحذر التقرير من أن اليمن سيحتاج في حال تسرب النفط إلى مدة تزيد عن ثلاثين سنة لمعالجة الأثار البيئة المحتملة.

وتشمل الأضرار فقدان 115 جزيرة يمنية في البحر الأحمر تنوعها البيولوجي وخسارة162 ألف صياد يمني لمصادر دخلهم ونفوق حوالي 850 ألف طن من الأسماك.

التقارير الدولية من جهتها تؤكد أن كارثة صافر المرتقبة ستتجاوز في ضررها اليمن إلى أكثر من عشر دول على المستوى البيئي والصحي، وستؤثر على الاقتصاد العالمي.

تتوقع التقارير ان النفط المتسرب سيتسبب بشلل في حركة التجارة العالمية في مضيق باب المندب وهو المضيق الأنشط عالميا في الملاحة الدولية والتجارة العالمية بحسب الأرقام المعلنة.



دعوات واسعة وتعنت حوثي

نظرا لخطورة الكارثة على العالم اجمع، دق ناشطون ومراقبون للوضع اليمني ناقوس الخطر مبكرا إذ بدأوا بحملة مبكرة للفت الانظار الى قضية الناقلة.

لكن الحكومة الشرعية لم تتحرك بشكل جدي الا بوقت متأخر وبالمقابل اقتصر تحرك المجتمع الدولي على البيانات والتحذيرات، رغم أن الأمم المتحدة تدير تسوية سياسية ولم تقم بدورها في إلزام الحوثيين بإخلاء السفينة وقطرها للصيانة أو تفريغ الشحنة وتصديرها.

الحكومة من جانبها طالبت في مناسبات عدة الامم المتحدة والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته والضغط على المليشيا الحوثية للسماح للفريق الاممي بزيارة السفينة.

وأكدت أن مرور الوقت دون الوصول للناقلة سيخلف كارثة غير مسبوقة وستطال العالم أجمع.

المنظمة الدولية تلعب دور العاجز وليس لها من وظيفة سوى اصدار البيانات وقد حذرت الامم المتحدة و منظماتها من عواقب تصدع السفينة وغرقها.

أما المنظمات الحقوقية والانسانية والبيئية الدولية والمحلية وحكومات دول أوروبية وأمريكية وعربية فلم تفعل أكثر مما فعلت المنظمة الدولية رغم قدرة هذه الدول الكبرى على ممارسة الضغوط على مليشيا الحوثي وبعضها راعي لمبادرات تسوية.

بالنسبة للأمم المتحدة ومنظمات ذات العلاقة، فقد دعت بشكل متكرر مليشيا الحوثي بالسماح لفريق الخبراء الاممي بتفقد السفينة وتفريغها من النفط، ورغم كل ذلك الا ان مليشيا الحوثي تتعنت وترفض السماح للفريق الاممي بمعالجة المخاطر.

مؤخرا، وعبر الامم المتحدة وافق الحوثيون على السماح لفريق الخبراء بالوصول الى السفينة وتفريغها من النفط على ان يتم تسليم قيمته - الذي كان يقدر حينها ب80 مليون دولار - كرواتب للموظفين، حيث ترفض المليشيا صرف الرواتب في مناطق سيطرتها بينما تعاني الحكومة الشرعية من انقلاب ثاني في الجنوب مدعوم اماراتيا بتواطوء سعودي حسب مسؤولين يمنيين.

لكن انخفاض سعر النفط بسبب جائحة كورونا جعل المبلغ ينخفض كثيرا، مع احتمالية أن عائدات البيع لن تكون كافية لتعويض تكاليف الأشغال الضرورية لتفريغ ناقلة صافر ودرء خطر التسرب النفطي، وبالتالي عادت المليشيا الى الرفض مجددا.

تمارس مليشيا الحوثي ابتزازا لليمنيين تستخدم الكارثة الوشيكة ورقة للمساومة وتحقيق مكاسب سياسية ومالية.



اقتراب موعد الكارثة

في ظل تعنت الحوثي وتساهل المجتمع الدولي وعدم اجباره المليشيا على افراغ السفينة، فإن موعد الكارثة يبدو قريبا.

وكان مارك لوكوك مدير الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة قد واظب على اطلاع مجلس الأمن الدولي أكثر من 15 مرة على تهديدات الكارثة الوشيكة خلال 15 شهرا.

ونتيجة لذلك التساهل، ابلغ المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنجر أندرسن، مؤخرا، مجلس الأمن الدولي" ان حالة السفينة تتدهور يومياً وان الوقت ينفد بالنسبة لنا للتحرك"

وفي السياق، قال جيري سيمبسون، المدير المساعد في قسم النزاعات والأزمات في هيومن رايتس ووتش إن مليشيا الحوثي تؤخر - بلا مبالاة- وصول خبراء الأمم المتحدة إلى ناقلة النفط المتهالكة التي تهدّد بتدمير أنظمة بيئية بأكملها والقضاء على سبل عيش ملايين اليمنيين الذين يعانون أصلا في ظلّ الحرب".

بالنسبة للعالم فقد شاهد الإنفجار الرهيب في بيروت والدمار الذي انتجه سيطرة مليشيا على دولة، وهو يفعل نفس الأمر في اليمن حيث ينتظر إصدار بيانات التنديد فيما يتحضر اليمنيون لاستقبال كارثة قاصمة تقضي على مالم تدمره الحرب العبثية التي تمزق البلاد منذ 6 أعوام.



Create Account



Log In Your Account