عن العميد "سالمين" وشيء من التاريخ..
الخميس 06 أُغسطس ,2020 الساعة: 02:02 مساءً

كتبتُ منشوراً عابراً عن القيل الجمهوري العميد عبده فرحان "سالمين" الذي يتعرض لحملة شيطنة وتشويه ممنهجة دون سبب يذكر، إلا أنه لم يرق للحزبيين والقرويين الذين تركوا المعركة الوطنية الكبرى وانزلقوا للنيل من المقاتلين في الميدان الذين كسروا زحوفات المليشيات الهاشمية المجرمة وفرملوا محاولة التهامها لتعز التي ظن بعض المليشياويين أن باستطاعتهم اسقاطها بعدد من الأطقم العسكرية كما صرح بذلك أحد عبيد السلالة المتوردة في البدايات الأولى للحرب على الدولة اليمنية.

عندما انطلقت عاصفة الحزم في مارس من العام 2015 احتفل بها الكثيرين وصفقوا للضربات الجوية التي كانت تدمر معسكرات الجيش وعتاده العسكري، حينها كنت من ضمن الرافضين لذلك التدخل ومنشوراتي في تلك الفترة تدلل على ذلك، ليس لأني ضد هزيمة "الانقلابيين" واستعادة الشرعية بل لأن الدول التي تدخلت في اليمن لها أجندات مختلفة تماما عن أجنداتنا الوطنية، ولم أكن في ذلك الموقف نبيّا يرى ما لا يراه غيره بل لأنّ تاريخ اليمن مع الجيران مليء بالدروس والتجارب المريرة، وبمستطاع كل من لديه إلمام بسيط بتاريخ الحركة الوطنية اليمنية خلال القرن العشرين إدراك ذلك دون عناء.

والحقيقة المرة تكمن في الذاكرة الجمعية المعطوبة، التي تنسى كل شيء لتستبدلها بأي شيء، وكأن أحداث الماضي ذهبت إلى غير رجعة، فيما الحقيقة الماثلة أمامنا أن الماضي يتكرر في اليمن وكأنه يعيد نفسه. ومن هنا ينبغي علينا التذكير بأحداث الماضي والاستفادة من تجاربه الأليمة فيما يخص المعركة الوطنية، حتى لا نعض أصابع الندم فيما لو تمكنت الأيادي الخارجية من إشعال الصراع البيني كما فعلت في كل مراحل التحولات التاريخية اليمنية، منذ ثورة 48 مرورا بثورة 26 سبتمبر الخالدة ووصولا إلى اتفاقية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.

خلال النصف الثاني من القرن العشرين وقفت الممالك الرجعية العربية ضد المشروع العربي التقدمي الذي ساهم بقوة في تحرير الوطن العربي من الاحتلال الأجنبي، فيما وقفت الرجعية على النقيض من ذلك، والشاهد أن تلك القوى الرجعية استخدمت الدين الاسلامي للنيل من ذلك المشروع ورواده، وكان أن استخدمت بعض التيارات الاسلامية لتحقيق أجندتها، لاسيما جماعة الإخوان المسلمون، والتي جمَعها العداء مع الممالك الرجعية للمشروع العربي التحرري، لخلافات سياسية بينية، فيما كانت الممالك والمشيخات الرجعية تسعى من وراء ذلك لوأد أي مشروع عربي نهضوي لأنه يهدد عروشها وفقا لتوجساتها وهواجسها التي لن تنتهي.

وعلى ذلك نجد أن الممالك الرجعية عمدت إلى شيطنة كل من يتبنى المشروع القومي العربي، باعتباره شيوعيا زنديقا مارقا، ووصل بها الحال إلى تكفير الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر في شهر مايو 1962م، بعد أن جمعت رجال الدين من كل الأقطار الإسلامية تحت مظلة رابطة العالم الاسلامي، كما يروي الرئيس عبدالرحمن الإرياني -الذي حضر المؤتمر- في مذكراته.

على المستوى الوطني، لم تكن ثورة سبتمبر الخالدة بعيدة عن أيادي الخارج العابثة، فقد حاول المتربصون باليمن والنظام الجمهوري دق اسفين الصراع بين التيار القومي واليساري من جهة وبين التيار المحافظ من جهة أخرى، ما تسبب في ظهور بوادر خلاف في إطار الصف الجمهوري، وتصاعد ذلك الخلاف إلى أن تسبب في إحداث انقسام عمودي بين الجمهوريين، وبلغ ذروته في انقلاب نوفمبر ٦٧م الذي أطاح بالزعيم عبدالله السلال، ولم تتوقف تلك الصراعات البينية عند هذا الحد، فقد استمرت تنخر الصف الجمهوري حتى بعد ذلك الانقلاب وكان من عواقبها الاحتراب الجمهوري بين رفقاء النضال في شهر اغسطس ٦٨م بدعوى ان التيار الشبابي في الثورة "حركيين وشيوعيين" كما وصفه حسين المسوري في كتابه "أوراق من ذكرياتي"، وبذلك أُضعِف الصف الجمهوري وشُرّد أغلب الثوار أو قتلوا، وكانت المحصلة لذلك مصالحة عام 70م التي مهّدت لعودة الجريمة الهاشمية في العام 2014م.

إن تلك التباينات، الجمهورية-الجمهورية، حِيكت خيوطها خارج حدود اليمن لإضعاف الصف الجمهوري وخلخلته، واليوم نجد الأيادي التي ساهمت بتفكيك الصف الجمهوري في الستينيات تعود مجدداً ولكن بصيغة أخرى، فالعدو اليوم ليس الشيوعيين والقوميين الكفرة، بل الاخوان المسلمين، الإرهابيين والدواعش، وأصحاب مشاريع الخلافة المدعومة من الأتراك، وهكذا يُراد لنا كيمنيين أن نظل طاحونة رحى لنطحن أنفسنا وبأيدي خارجية..!!

وعود على بدء، فإن الحملة التي تطال العميد "سالمين" بدعوى أنه يبحث عن دعم خارجي بعد أن تبدّى لليمنيين قاطبة نوايا التحالف الأرعن لا تشكل أي مأخذ عليه، فالرجل مقاتل في الميدان وما صرح به يفترض أن تتبناه الشرعية والجيش الوطني، فهو مُطالب بالبحث عن مصادر تسليح خارج دائرة التحالف للانتصار لليمن والجمهورية، والعلاقة مع التحالف ليست أمراً إلهيا، التحالف يبحث عن مصالحه ونحن نبحث عن مصالحنا كيمنيين.

ما تحدث عنه العميد "سالمين" ليس جديدا في عالم البحث عن المصالح القومية بعيدا عن الإملاءات التي تمس كينونة الدولةاليمنية، فقد سبق وأن دعى بطل ثورة سبتمبر اللواء عبدالله جزيلان إلى البحث عن بدائل أخرى تستغني عن دعم مصر عندما حاولت الأخيرة بمعية السعودية فرض اتفاق ينال من الجمهورية وثوة سبتمبر وتضحيات ثوارها ، وقال جزيلان بالحرف الواحد "إن الشعب اليمني يرفض أية وصاية من أية دولة كانت، وأن الثورة اليمنية ستبقى ولو اضطررنا للاستعانة بالصين والدول الشرقية". قال ذلك رغم تضحية مصر الجسيمة في سبيل الانتصار لثورة سبتمبر، فالرجولة والأنفة والكبرياء والاعتزاز بالذات هي سمة اليمني في كل زمان ومكان، وما قاله بطل الثورة جزيلان يكرره المحارب الجمهوري سالمين.


Create Account



Log In Your Account