بين الرمضاء والنار .. هل يبحث اليمنيون عن خيارات جديدة ؟
الأحد 21 يونيو ,2020 الساعة: 11:27 صباحاً

استبشر اليمنيون خيراً في العام 2015 بقيام تحالف هادف لإعادة الشرعية التي أسقطها الحوثيون وحلفائهم في 21 سبتمبر 2014 وكانت انطلاقة العملية العسكرية بداية جديدة فرح لأجلها اليمنيون الذين كانوا قد بدأو في تنظيم انفسهم لمواجهة هذا الانقلاب واسقاطه ، وهبوا من كل حدب وصوب لينفذوا مهمة الاستعادة التي أعلن التحالف دعمه لها ، وكان من المتوقع أن تكون مهمة خاطفة ربما لا تتعدى الأشهر بسبب فارق التسليح والامكانات العسكرية والسياسية التي تمتلكها الدول المشاركة ، إضافة لغطاء قانوني دولي وضع اليمن ضمن الباب السابع ، بالاضافة الى توفر الدعم الشعبي والقوة البشرية على الأرض الذي تمثل في "المقاومة الشعبية" والتي تحولت لاحقاً الى "الجيش الوطني" .

خمس سنوات مرت منذ الانطلاقة تغيّر فيها المشهد تماماً من حيث الأهداف والنتائج ، وانحرفت البوصلة من اسقاط انقلاب صنعاء الى تفريخ انقلاب اخر في عدن ، استخدم هذه المرة ماوفره التحالف من مال وسلاح وصمت ان لم يكن مباركة ، وبذلت أطراف التحالف الجهد المضني لاجهاض كل الجهود الرامية الى تثبيت مقومات الدولة ، وابدعت في صناعة صراعات بين القوى والمكونات التي تنضوي في اطار الشرعية ، وتأليبها على بعض ، ودعم كيانات وجماعات مشبوهة بالسلاح والمال ، مع انها تحمل أجندة لاتتقاطع مع جهود استعادة الشرعية ولا تشبهها ، بالإضافة لإعلاء الأصوات الداعية الى الصراع البينوي وجعلها تتصدر المشهد ، وإقصاء صوت العقل والمنطق الذي ينبغي أن يكون السائد لضمان توحيد الجهود والسير نحو الغاية الواحدة المعلنة وهي "استعادة الشرعية وانهاء الانقلاب".

يدرك اليمنيون اليوم أنهم واقعون بين رمضاء الانقلاب الحوثي المقيت ، ونار التحالف الذي أحرقت من عقدوا عليه الأمل باستعادة الدولة اليمنية ، لكنهم وجدوا أنفسهم في موال آخر لا ينتمي لليمن ولا لليمنيين ، ولايحقق غاياتهم ، بل يستهلك جهودهم وامكاناتهم خدمة لأهداف غير معلنة تتجاوز المصلحة اليمنية الى أجندة مشبوهة وخبيثة ، ليس المجال هنا لنقاشها ، انما فقط للتقرير أنها لاتخص اليمنيين ، ولم ولن تصب في طريق استعادة الدولة وإسقاط الانقلاب .

كل هذا العبث جعل من حلم اليمنيين في استعادة دولتهم المنهوبة بالشراكة مع التحالف صعباً وبعيد المنال باعتبار أن الأيام والأحداث اثبتت أن الأهداف ليست متشابهة ، والطريق التي يسير بها التحالف اليوم لم تعد تشبه او تتقاطع مع حلم اليمنيين في استعادة الدولة وإسقاط الانقلاب ، ولعل انقلاب عدن والجهود المحمومة من قبل التحالف لتمكينه وانهاء تواجد الحكومة هو القشة التي ستقصم ظهر البعير ، وستجعل اليمنيين يبحثون عن خيارات وبدائل أخرى توصلهم لغايتهم بعيدا عن الدخول في صراعات بينية ، وايقاد نزعات جهوية تضر بالهدف العام ، وتزرع الغاماً في مستقبل اليمن واليمنيين .

لعل من الأسباب التي شجعت التحالف للسير في اتجاه أخر مغاير للأهداف المعلنة هو ممارسات الانقلابيين الحوثيين والمتمثلة في استحالة التعايش معهم ، والبعد كل البعد عن خيار الحل السلمي لاعتبارات كثيرة يولونها اهتمامهم ، وهذا بدوره جعل الشرعية تعتقد بانعدام الخيارات ، وبالتالي قدم التحالف نفسه كخيار وحيد  ، واستملك القرار في لحظة ضعف أو تهاون ، وتمكن من اجهاض أي جهود رامية الى جعل القرار يمنياً يخص المؤسسات الشرعية وبقاء التحالف في مربع دعمها وليس التحكم بها وإلغائها ، فتفنن في تقسيم معسكر الشرعية إلى كيانات مختلفة ، ثم صنع بينها صراعاً وتدخل كوسيط ، فيما يستمر في تغذية هذه الصراعات ، وبالتالي حرف مسار المعركة بعيداً عن هدف استعادة الدولة .

قبل الحديث عن الخيارات وجب الالتفات الى الخطأ الجسيم التي وقعت به الشرعية وذلك بأنها سلمت أمورها بشكل كامل وشامل للتحالف ، وجعلت من وجودها وكيانها مجرد ديكور لاغير ، ووضعت كل البيض في سلة واحدة ، ومن فعل ذلك وقع في محظور ان تنكسر كلها بضربة وحيدة ، وقد حصل ذلك للأسف إذ صار ليس لها قرار على الارض ، وكل يوم يتم سحب البساط  من تحتها بصورة أو بأخرى  ، في ظل صمت وعجز مريب من مؤسستي الرئاسة والحكومة وجيش المستشارين الذين تحولوا لتحف مركونة على الرف لاتصلح إلا لالتقاط الصور ، والتباهي بوجود هذا العدد المنزوع منه القدرة على فعل شئ .

المؤكد اليوم أن الجميع يبحث عن الخيارات البديلة التي ستحقق استعادة الدولة واسقاط الانقلاب وليس شرطاً أن تكون هذه الخيارات مرتبطة بتدخل عسكري خارجي ، بل أنه من الأصلح اليوم الابتعاد عن هذا الخيار ، باعتبار أن التجربة الفاشلة للاستعانة بالتحالف العربي حاضرة بقوة في الاذهان ، ولم نتمكن بعد من الفكاك منها ،  ويمكن البحث عن خيارات بديلة أخرى غير مرتبطة بتدخل عسكري خارجي ، وتشمل الضغط السياسي والقانوني ، والتحرك لدى المحافل الدولية لانهاء وجود التحالف ، والزامه بتحمل المسؤلية القانونية والاخلاقية الناتجة عن العبث الذي مارسه .

أحد الخيارات وأهمها في اعتقادي هو نزع _أو بالأحرى انتزاع_ القرار العسكري من يد التحالف عبر الاعلان عن مجلس أو كيان عسكري هو الذي يتولى ادارة المعركة على الارض ، وتوجيه كل الانشطة والمهام العسكرية نحو الهدف الواحد ، دون الرضوخ للضغوطات والقرارات التي لا تناسب مع هذا الهدف ، وحسن إدارة  الإمكانات العسكرية والبشرية في الميدان بما يحقق التفوق العسكري على المعسكر الانقلابي ، أو رضوخه لحل سياسي شامل وعادل يرتضي به اليمنيون .

السؤال الذي يطرح نفسه هنا : 
هل يمكن لليمنيين ادارة المعركة عسكرياً بعيداً عن دعم التحالف؟
في الحقيقة نعم ، وما يدعوني لتأكيد ذلك هو الموازنة بين ما حققه التحالف في إطار استعادة الشرعية ، وما ارتكبه لأجل إضعافها أو إرباكها ، وأجدُ الميزان يرجح كفة ما ارتكبه من إضعاف وإرباك وخلخلة لصف الشرعية ، وبالتالي بقاء حالة الحرب لخمس سنوات دون تحقيق إنجازات تصب في إتجاه استعادة الشرعية ، وكما هو معلوم فإن إطالة أمد الحرب وزيادة كلفتها العسكرية والبشرية والاقتصاية هو جناية بحق البلد والأجيال ، وكان المؤمل من اللجوء للخيار العسكري هو عملية مركزة وخاطفة تعيد لليمنيين دولتهم ، وينتقل الجميع لمرحلة السلام والبناء والتنمية ، فالحرب إن لم تكن لفرض السلام فهي عبثية بحق الوطن والإنسان .

ليس لما ذكرته أنفاً إلا معنى واحد ، وهو أن كل ماقام ويقوم به التحالف من عمل عسكري لا يصب ضمن الهدف المرجوء ، وبالتالي تنعدم قيمته أثناء قياس المكاسب ، ولا يصب إلا في خانة المساوئ والاخفاقات التي يتجرع مرارتها اليمنيون ، وما دام الأمر كذلك فبالإمكان وبقوة إدارة المعركة دون دعم التحالف باعتبار أن دعمه منعدم التأثير الايجابي ، وخمس سنوات متخمة بالكلفة البشرية والاقتصادية ، ومنعدمة التأثير في استعادة الدولة هي شاهدة على ذلك .

ويتبقى التساؤل الأهم والقائم على افتراض تحقيق خيار انتزاع القرار العسكري من يد التحالف فما هي السنياريوهات المتوقعة لردة فعل التحالف ؟

السيناريوا الاول يقوم على افتراض أن التحالف سيظل على موقفه ، ولن يغيّر نشاطه العسكري ، لكن المؤكد أنه لن يوفر أي دعم  للقوات التي استفردت بالقرار عنه ، وبنظري لو فعلها التحالف وكف أذاه فقط والتزم الحياد لكانت تلك هي الخدمة الكبرى والموقف الشريف ، ولا أميل كثيراً إلى هذا الافتراض كون ماذاقه اليمنيون من التحالف وهم يقاتلون تحت رايته اكثر بكثير مما ذاقه مناوئوه .

السيناريوا الثاني هو الأسوأ ، وهو تحول النشاط العسكري للتحالف باتجاه ضرب وإضعاف القوات التي تتحرك لتحقيق هدف استعادة الجمهورية بعيداً عن الالتزام بقرارات التحالف ، وهذا الخيار أراه أقرب ، ولزاماً الاستعداد له بطرق ذكية تضمن بقاء المعركة في نطاق مقاومة واسقاط الانقلاب ، والعمل وفق خطط مرنة وذكية تمكن القوات على الارض من تجاوز هذه الاشكالية ، ولدى العسكريين بدائل كثيرة ومتعددة تضمن عدم حرف المعركة والبقاء بمأمن من الضربات الغادرة ، والتي تعرض لها الجيش الوطني كثيراً .

في المحصلة وسواءً كان الخيار ما ذكرت أو سواه يبقى لزاماً البحث عن خيارات جديدة تحقق لليمنيين استعادة دولتهم وانهاء الانقلاب ، وتفويت الفرصة على أي أجندة أخرى ظهرت حقيقتها على مدى خمس عجاف تحول فيها "حاميها إلى حراميها" وتعذب اليمنيون بين رمضاء جماعة الحوثي العنصرية السلالية ونار التحالف الذي اذاق اصدقائه لهيبها قبل اعدائه المفترضين ، ولسان الحال :
 والمستجير بعمروٍ عند كربته
                    كالمستجير من الرمضاء بالنار

دمتم سالمين ..


Create Account



Log In Your Account