رياح التغيير ورياح الثورة المضادة
السبت 14 أبريل ,2018 الساعة: 05:56 مساءً

هناك نقطة جوهرية ينبغي التنبه لها عند بحث الموقف الصحيح مما يجري.

مهما يكن ما يقال عن تحركات طارق صالح في تعز, سواء كان الامر صحيح او مجرد بروبجندا وهلع اصلاحي. هذه النقطة تتمثل في أن التعاون مع طارق صالح تحت اي عنوان او مبرر سوف يفقد من يقوم به كل رصيده الشعبي والنضالي. سواء كان عدنان الحمادي او الاحزاب السياسية.

بل امر كهذا يرتقي الى مستوى الخيانة العظمى لتضحيات الناس واستغفال قذر لهم. وهو نفس الموقف في حال كان الاصلاح هو من يقوم به.

كل ما يقال عن الاصلاح وطريقة ادارته للحرب صحيح. كل ما يقال عن انتهازيته واستحواذه على قرار الشرعية ايضا صحيح. حتى ما يقال عن كونه يتلاعب بالمعركة المصيرية ويخضعها لحساباته الخاصة ويخزن الاسلحة ايضا صحيح. لكن هذا في الاساس ناتج عن غياب القوى الأخرى وتشوش رؤيتها ازاء ما يدور في البلد منذ ثلاثة اعوام. حيث جماعة طائفية اقامت تحالفا عصبويا مع نظام صالح الاجرامي بهدف اخضاع الشعب واذلاله وحكمه بالغطرسة والعنف والاوهام.

كل ما يقال عن ممارسات الاصلاح صحيح, واتخاذ موقف منه يبقى اليوم امر مهم وملح كما كان عليه الحال طوال الثلاثة الاعوام المنصرمة. لكن في المحصلة النهائية لا يمكن لهذا أن يعطي مبررا للذهاب وعقد صفقات مع من شنوا علينا الحرب طوال ثلاثة اعوام. ما بات يفصلنا عن الحوثي وصالح وعائلته هو نهر من الدم.

ثم ان امر كهذا, في حال تم ولو على سبيل التواطؤ, فهو بمثابة تبييض لصفحة الاصلاح والقادة الذين اصبحوا في مرمى النقمة الشعبية كمحسن وغيره. ولا اعتقد ان أي سياسي مبتدئي سوف يوافق على هذا.

من حق عدنان الحمادي أن يآخد دعما من الاماراتيين. ومن حقه ان ينفرد بادارة معركة تحرير تعز طالما ان باقي القيادات العسكرية غير جادة وفاسدة ولا تقيم وزنا لمعاناة الناس وتضحياتهم. لكن ليس من حقه ان يخون شرفه العسكري ويخون الثورة والمقاومة بوضع يده في يد من قتلونا طوال ثلاث سنوات, وقتلوا حاضر ومستقبل اليمنيين على مدى اربعة عقود.

ان المكان الحقيقي لطارق صالح هو السجن بوصفه مجرم حرب, لا يختلف عن عبدالملك الحوثي في شيء, وايضا بوصفه متمرد على الشرعية, وأحد اوجه الثورة المضادة.

من حق الاحزاب السياسية ايضا ان تنسق مع من تريد ومن حقها ان تطالب باصلاح وضع الشرعية بما يحفظ لليمنيين تضحياتهم ومكتسباتهم الوطنية, ويوفر شروط استكمال المعركة وهزيمة الثورة المضادة بشقيها الحوثي وعائلة صالح واستعادة الدولة. من حق هذه الاحزاب ان تطالب ايضا بمعالجة الاختلالات في المؤسسة العسكرية والامنية بما يوفر امكانية استيعاب العناصر والافراد الفارة من معسكر الثورة المضادة ليعودوا كجنود لهم حقوق وعليهم واجبات ودون ان يعطوا اي فرصة لتسلم اي مستوى قيادي كان صغيرا او كبيرا.

على انه يبقى ان الهدف من اصلاح المنظومة السياسية للشرعية هو استيعاب كل الاطراف التي شاركت في الثورة والمقاومة بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي والسلفين والمؤتمر المؤيد للشرعية الى جانب باقي الاحزاب, وفقا لصيغة تعامل ندية تتطلبها المرحلة, ولما من شأنه ان يوقف الاستحواذ على قرار الشرعية من قبل حزب بعينه, وايضا بما يقوي صفنا الداخلي ويجعلنا قادرين على استعادة القرار الوطني والأهم من ذلك كله ما يساعد على توفير شروط اعادة ضبط العلاقة مع دول التحالف على اساس الندية والمصالح العليا لليمن وكذلك المصالح المشتركة. دون ان يحق لهذه الدول التدخل في تفاصيل الوضع اليمني الا من خلال قنوات معروفة ولما تفرضه الضرورة. اذا لم نتصدى لمأزقنا بوطنية وتسامي يرتقي الى مستوى التضحيات العظيمة التي قدمها شعبنا طوال ثلاثة اعوام فلا احد يمكنه فعل هذا.

لأجل ذلك, وهذه هي النقطة الجوهرية, فإنه يبقى من المعيب حقا على هذه الاحزاب والقادة الوطنيين, تجاهل المليشيات التي يؤسس لها طارق صالح وتجاهل تحركاته في المناطق المحررة. فهذا عمل معادي للثورة والمقاومة ولا يمكن التعامل معه بدبلوماسية مهما تكن حجم التعقيدات والخذلان المر. الجميع لديه موقف مريب. بما في ذلك الاصلاح الذي يترك المجال لقواعده لتناهض تحركات طارق صالح دون اعلان موقف رسمي ومبدئي.

وكما قلنا إن أي محاولة لتوفير غطاء لهذه التحركات او التواطؤ معها سوف يرقى الى مستوى الخيانة العظمى وسيعيد التذكير بالتسويات القبلية التي كانت تبرز عند كل منعطف حاسم ضدا على تطلعات اليمنيين وفي الاساس استهدفا لنضالات الحركة الوطنية وبهدف تجاوزها. اذا كان هذا سلوك مفهوم في نهج جماعات ما قبل الدولة, فهو يبقى امر يثير الاستغراب عندما تقدم عليه قوى سياسية لديها تاريخ نضالي عريق ومشرق.

على القادة الوطنيين وهذه الاحزاب ان تتعلم من السنوات الأخيرة. وان يبادروا لمساعدة الجنوب على الفكاك من الصفقات المشبوهة التي تسيء لتضحيات الجنوبيين في المقام الأول وتزرع الفخاخ امام استحقاقاتهم المشروعة.

فمن واجبها الوطني والاخلاقي حماية المكاسب الوطنية التي بذل شعبنا شمالا وجنوبا جل التضحيات لانجازها وترسيخها بالعرق والدم, ابتدء بالنظام الجمهوري وليس انتهاء بالديمقراطية التي لم تعد ترفا في عصرنا الحالي بل شرطا اساسيا للنهوض وتجاوز كل مخلفات الماضي.

ان الهدف الاساسي للقوى السياسية اليوم وهي من تصدرت تمثيل الثورة في العام 2011, وقد اوصلتنا لهذا المأزق, من واجبها ان تبذل كل الجهود في سبيل الانتصار على الثورة المضادة وتجاوز كل الانبعاثات الماضوية المرافقة ورد الاعتبار للهوية الوطنية والمشروع الوطني الجامع الذي تكالبت عليه مختلف القوى المعادية للشعب داخليا وخارجيا. ان مهمة كهذه هي اخلاقية في المقام الأول ووطنية ثانيا وفي صلب فكرة العمل السياسي البناء ثالثا ورابعا.

ختاما: أن الشعب الذي قدم ملحمة عصرية فاقت التصور والخيال في 2011 لقادر اليوم وغدا على تكرار ذات المشهد. وقد تأكد هذا مطلع العام 2015 عندما هبت الجماهير الى ميادين الشرف والبطولة للدفاع عن اهداف ثورتها وعن النظام الجمهوري في مواجهة تحالف الثورة المضادة العصبوي والطائفي.


Create Account



Log In Your Account