الحوثيون استخدموه للابتزاز .. والشرعية بلا مبالاة ..والتحالف يشعل المزيد من الصراعات.. هكذا تصرفت السلطات المتعددة في اليمن لمواجهة كورونا ( تقرير خاص)
الجمعة 05 يونيو ,2020 الساعة: 10:46 مساءً
الحرف28 - تقرير خاص : عبدالمعز سعيد

كان الناس في اليمن سعداء بشهر رمضان وصيامه، ولم تكن الأنباء المتواترة خلال تلك الفترة عن ظهور إصابات مؤكدة بفيروس كورونا المميت في مناطق عديدة من البلاد ووفاة البعض منها ،لتثير لدى غالبيتهم أي مخاوف من مواجهة مؤجلة مع المرض أو الموت.

حتى جاء عيد الفطر محمولا على كثير من الداء والعزاء على نطاق واسع ، وقليل من الفرح لدى الاطفال.

منذ مطلع الشهر الفائت والوصلات الوريدية ذات اللون الأصفر والأزرق تنتشر على سواعد كثير من المتجولين في الشوارع لا سيما متوسطي العمر، كتعبير لا مجال للشك فيه ولا جدال عن موجة وباء تجتاح اليمن بشراهة عالية على غير العادة .

وأجبر الوباء وزارة الصحة في حكومة الحوثيين الأسبوع الفائت على الاعتراف باجتياح فيروس كورونا اليمن، بعد طول تكتم.

أعراض مرضية كالسعال الجاف، والحمى والصداع ، والزكام السائل ، والتهاب الحلق ، والتهاب الجيوب الأنفية ، وفقدان الشم والطعم والشهية ، والفتور المتواصل كانت قواسم مشتركة بين معظم المصابين الذين تم مقابلتهم، بيد أنهم لا يعرفون إن كان ذلك هو فيروس كورونا المميت ام لا.

كل ما يعرفونه أنهم مرضى وحسب ، وأن تلك الأعراض سبق أن اصيبوا بها في زمن مضى ولكنها لم تكن بالتأثير الحاد والمزعج كما هي عليه مؤخرا.

هم لم يخضعوا لتشخيص طبي دقيق يجعلهم على بيان بحقيقة مرضهم ، ولا يأبهون للقيام بذلك ليقينهم أن لا إمكانية متوفرة لإجراء ذلك في ظل انهيار تام للنظام الصحي والاقتصادي في اليمن جراء الحرب المشتعلة لأكثر من 5 سنوات وجائحة الفساد المتوغلة والمتغولة لعقود.

نادر أحمد حمود في الأربعين من عمره يعمل (بائع قات) أُصيب في اليوم الثاني للعيد بأعراض كتلك التي يظهر بها مصابو فيروس كورونا مع فوارق بسيطة كما قال لمحرر الحرف28 .

لم تنجح معه لسبعة ايام كل محاولات الاستطباب التي داوم عليها في صيدلية بالقرب من مسكنه الواقع في منطقة يتوفر فيها مستشفى حكومي وعدد من المراكز الصحية الخاصة.

"تذهب الحمى مني ساعات ثم تعود، هذه حمى (ركيض) غير الحمى التي قد جاءت لي من قبل ، اشعر ان جسمي هالك " يقول نادر واصفا حالته الصحية.

وعما إذا كان عرض نفسه على طبيب او اجرى فحص طبي يقول :" الناس كلهم مطروحين مرض وفقر ، والبلاد كلها خاربة ، والمستشفيات عندنا تعبانة ".

لإعالة ٣ أسر على ذمته، يضطر نادر لقطع مسافة ٤٠ كم يوميا ذهابا ومثلها إيابا لجلب القات وبيعه، وفي سفره يلتقي بعشرات الأفراد من كل منطقة ، مضى عليه سنوات وهو على هذا الحال ، ولم يصادف أن مرض بمثل هذا المرض الذي اصابه مؤخرا ،واقعده عن العمل بحسب إفادته .

في قارب واحد

أعطى الوباء معنى آخر للعيد في اليمن هذا الموسم ، و مذاقا مُرا جعل من الحديث عن الفرح والاحتفاء به مغيبا تماما فضلا عن الإحساس به، ان لم يتحول الى عزاءات وكوارث بلا انقطاع.

إجراءات العزل الصحي التي ملأت إرشاداتها الأسماع وبلغت الآفاق لم تنجح في يوميات اليمنيين ، فالغالبية من الشعب اليمني يعيش على حركة عمله اليومي ، ولا يوجد لديه مصادر للدخل تبقيه حبيس بيته وفي غنى عن مغادرته.

" من اين نأكل ونشرب نحن وأسرنا " يبرر عبدالرحمن سعيد الحبيشي (٣٠ عاما)- بائع بطاط عدم عزل نفسه بالبيت صارخا، ويضيف : " الجلسة بالبيت تمَّوت الواحد أزيد من كورونا ".

بالمقابل فإن إجراءات عزل المصابين أنفسهم عن اسرهم هو الآخر لم ينجح بالشكل المطلوب وفقا لافادات من التقينا بهم حتى كانت اسرهم معهم على نفس قارب المرض.

" في البداية أصبت أنا ، وبعد ٣ أيام مرضت زوجتي وابنائي بنفس الحمى والزكام والحُلاق ، ما عدا الصغار، والآن الحمد لله شُفينا جميعا".

يتحدث احمد قاسم الجولبي ( ٦٠ عاما) وهو تاجر ، موضحا عدم استطاعته عزل نفسه صحيا عن بقية أسرته والسبب كما ذكر " في اليمن ما تقدرش تعزل نفسك" .

ذكر الجولبي عند حديثه للحرف28 عن الرعاية الصحية التي تلقاها انه تعاطى وأسرته جرعة قوية من " الليمون الحامض والزنجييل الاخضر والعسل البلدي والحُمر(تمر هندي) "، ولما اشتدت به الحمى اضطر للذهاب الى صيدلية وهناك تم حقنه ببضع الحُقن.

ثقة في اتجاه آخر

الناس هنا على اختلاف وعيهم يسلمون أنفسهم عند المرض للصيدليات المبثوثة على امتداد شوارع المدن والقرى دون المستشفيات ومراكز العلاج الطارئ والسريع.

هم يطمئنون أكثر لأصحاب الصيدليات بخبرات أصحابها البسيطة وأدويتهم الشعبية ، وكما هو ليس بخافٍ على كثير يحسم الفقر في اغلب الحالات سر الارتباط والاطمئنان الوثيق بين الصيدلي والمريض .

"استقبلت حالات مرضية كثيرة تشكو من الحمى والزكام والصداع، ازدادت بعد العيد اكثر ، والعجيب جميعها تقول انها فقدت الشم والطعم ، وتعاني من التهاب حاد بالجيوب الأنفية "، هكذا يؤكد الصيدلي رأفت امين حالة الإصابة بأعراض كتلك التي تظهر على المصاب بفيروس كورونا -كوفيد19.

وعن الفئة العمريةً للمصابين يقول :" غالبيتهم من ٤٠ سنة وما فوق " .

لا يدخر أيمن الذي يعمل في صيدلية بمدينة إب جهدا ولا نصحا لكل من يأتيه من المرضى بعرض حالته على طبيب غير انهم "يرفضوا ويصرون على معالجتهم بنفسي" كما يقول ، فيضطر الى معالجتهم بحُقن الباراستمول المهدئ والمضاد الحيوي.

وفقا لكلامه بعض المرضى يعالج نفسه بنفسه فيأتي اليه مباشرة ليشتري فوار فروت وفيتامين سي فوار، ويعلل أيمن أن الإقبال الكبير على شراء الأخير، أدى لاختفائه من السوق والشركة.

الموت سيد اللحظة

لم تغب حالات الوفيات عن تسجيل حضورها المقلق والمفزع بالتوازي مع انتشار موجة المرض ، وازدياد عدد المصابين بالأعراض المقاربة لأعراض جائحة فيروس كورونا - كوفيد 19 التي اجتاحت معظم جغرافيا العالم، والتهمت حياة قرابة 400 الف إنسان بحسب آخر احصائية لمنظمة الصحة العالمية، أكثر من ربعهم في أمريكا وغالبيتهم من الدول الكبرى.

أما المصابون فيقتربون من حاجز السبعة مليون إصابة، والمؤكد أن نسبة الشفاء كبيرة، لكن ذلك لم يحدث الا بعد أن جلب الهلع والخراب الإقتصادي للعالم.

ثمة وفيات تزايدت أعدادها من بعد العيد بشكل لافت للعيان في مناطق عديدة في اليمن ، ومعظمها من متوسطي ومتقدمي العمر، وشملت فئتي الرجال والنساء.

بينما تتحدث بعض المعلومات غير المؤكدة عن قضاء أكثر من فرد من أسرة واحدة مصابة بالفيروس.


وتقدم منصات التواصل الإجتماعي ما يشبه المؤشر لمستوى تفشي الفيروس والاصابات، فمنصة فيسبوك وتويتر مثلا تعج بالتعازي اليومية، ولا فرق بسن مناطق سيطرة الحوثي والشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات .

بحسب آخر احصائيات اللجنة الوطنية العليا لمواجهة الوباء في المناطق الواقعة تحت سيطرة الشرعية،فعليا وإسميا تم تسجيل 453 إصابة حتى مساء أمس الخميس.

المثير للهلع أن عدد الوفيات يتجاوز 20 في المئة من عدد الاصابات الإجمالي بـ 103 حالات وفاة، بينما لم يتجاوز عدد الحالات التي شفيت 17 حالة، ما يؤكد الانهيار التام للنظام الصحي شديد الهشاشة، سيما أن نسبة الوفيات العالمية بالفايروس متدنية جدا بالنسبة لحالات الإصابة وفي أسوأها لم تتجاوز 3 بالمئة.

المؤكد أن الإحصاءات ليست دقيقة وهناك المئات من حالات الوفاة التي سجلت في محافظة عدن تحديدا خلال شهر مايو تجاوزت 1800 حالة لم يتم التحقق من سبب الوفاة وسط احاديث عن مجموعة من الأوبئة التي تعصف بحياة الناس هناك.

في تعز مثلا: تحدث رئيس مركز العزل الصحي شفاك عبدالغني المسني اكثر من مرة عن افتقاد المحافظة للمحاليل اللازمة لإجراء الفحوصات والتزايد المضطرد للإصابة بأعراض الفايروس وقد لازمت هذه المشكلة عديد محافظات، وسط عجز لسلطات الشرعية في القيام بواجباتها واتهامات لها بالفساد واللا مبالاة، فضلا عن مساهمة التحالف العربي في مفاقمة الحالة المأساوية بإشعال المزيد من الصراعات بين أذرعه ومليشياته في المحافظات المحررة كما يحدث في عدن.

في المقابل واظبت منظمة الصحة العالمية وهيئات الأمم المتحدة على ارسال أطنان المعدات والتجهيزات الطبية الى سلطات الحوثيين.

ووجهت عديد اتهامات لسلطات الحوثيين بالاستحواذ على تلك المعدات وبيعها او توجيهها لمصلحة مراكز خاصة لمعالجة" الأسر الهاشمية وقيادات المليشيا".

وتمسكت المليشيا بالتعامل مع الوباء كأولوية أمنية، وفي وقت سابق كشفت منظمة سام الحقوقية عن تركيز الحوثيين على تحويل الوباء الى ملف امني وتشكيل لجنة لمواجهته من ضباط أمن ومشائخ وضربت حوله طوقا من السرية واستخدمت وسائل عديدة لمنع تسرب المعلومات عن المرض وحالات الوفاة لوسائل الإعلام.

ورغم استخدام السلطات وسائل عديدة لمحاصرة المعلومات عن الوباء والتقليل من شأنه بالإعلان عن اصابات محدودة فقد انتشرت صور المقابر المفتوحة والجنازات التي امتلأت بها لتفصح عن واقع مرعب.

وتتحدث تقديرات عن تجاوز الاصابات اكثر من 5000 الف اصابة في مناطق سيطرة الحوثيين بينما يرجح آخرون ان تكون الإصابات أكثر من ذلك بكثير في وقت يعزف المصابين وذويهم عن ابلاغ السلطات بسبب الابتزاز والخوف من تعاملها غير الانساني مع المرضى.

ويؤكد مصدر مسؤول في السلطات الصحية بمناطق سيطرة الحوثيين، طلب عدم الأفصاح عن هويته لأسباب أمنية، وجود إصابات بإعداد كبيرة  مرجحا بشكل كبير أن تكون بفيروس كورونا ، وأن هذا ما شاهده يوميا ولا يحتاج الى تأكيد رسمي.

وهناك جانب اكثر سوداوية في التعامل مع الجائحة حيث يؤكد المصدر الصحي أن الاستنفار الأمني المخابراتي لسلطات الحوثيين أكثر من الاستنفار الصحي في التعامل الرسمي مع ما يحدث في البلد .

وكان يتحدث عن "حالة التكتم والسرية التي تفرضها السلطات العليا على ما وصفها بـ "الكارثة الصحية ".

"لقد نثر كورونا البلاد دون أن نشعر، لكنه كورونا على قدر حالنا " كما يخلص اخصائي تمريض رفض الإفصاح عن اسمه " وجميع من شفوا حاليا "برحمة الله " دون الحصول على أدنى رعاية صحية حكومية، او حتى استطباب خاص كما ينبغي على حد تعبيره.

ورغم هذه الجائحة الفتاكة، يتفاعل الناس مع حضور مراسيم التشييع والعزاء "بالتوكل على الله " طبقا لحديثهم دون ابداء إلتفات لأي من التحذيرات او التنبيهات المطلقة -على كثرتها - في هذا الشأن، او انضباط بقواعد التباعد الاجتماعي، او التقيد بأدوات السلامة ، وقليل منهم من يتباطأ و يعزل نفسه وأسرته عن التواجد في تلك الأماكن.

بعض ذوي الموتى او المتصلين بهم أكدوا إصابة المتوفين قبل رحيلهم بأعراض الحمى والقشعريرة والسعال وآلام حادة في المفاصل والاطراف وسائر الجسم.

اعتزال ما هو رسمي

وبالنظر الى دور الحكومة في ظروف مرضية طارئة ، فالسلطات المتعددة لتي تتولى إدارة وحكم البلاد التي تمزقها الحرب ، على اختلافها هي سلطات للجباية ، وليست سلطات واجبات او تشعر بالمسؤلية الخدمية بحسب كلام خريج كلية الاقتصاد فيصل التمَّامي.

ويوضح " انها سلطات جاءت بها الفوضى وليست منتخبة ، فتراها تعيش على كدح وعرق المواطن ولا يعيش المواطن عليها".

العزل الذي استقام معه الناس هو عزل أنفسهم عن كل ما هو رسمي بدءً من اعتزال الاتصال بالرقم ( 195) ، او تسليم أنفسهم لأي مستشفى حكومي ، جميع من تم مقابلتهم أكدوا ذلك ، فالثقة تكاد تكون معدومة بالنسبة لكل ما هو رسمي.

هي ليست وليدة اللحظة او ناجمة عن شائعة "إبرة الرحمة " ( التي ذاع صيتها بتخلص السلطات من اي مصاب يصل مستشفى حكومي او مركز عزل صحي تابع لها )، بل هي موروثة من ايام حكم صالح غير الرشيد، وتعززت اكثر في هذه المرحلة سيما في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.

ثمة وباء يجول بحرية تامة دون ان يجد من يتصدى له ، وليس احد في مأمن منه مهما بلغت مرتبته ورتبته، على الأقل هذا ما يمكن الجهر به في وطن تفتك بمواطنيه الحرب والجوع والأوبئة حتى في كل المواسم.


Create Account



Log In Your Account