سقطرى.. جزيرة الأساطير
الأحد 17 مايو ,2020 الساعة: 09:01 مساءً
عبير الأثوري

الأساطير، السعادة، النعيم، الجزيرة المباركة..  جميعها أسماء تشير فقط  إلى مكانٍ واحدٍ في العالم يتوجب عليك زيارته: جزيرة سقطرى.


للجزيرة اليمنية الواقعة في بحر العرب على بعد 300 كيلومتر من رأس فرتك في محافظة المهرة (شرقًا)، سحرُ ليس بمقدور القادم إليه أن يتخلص منه، وأساطير كثيرة: من كهف حوك إلى دم الأخوين.


منظر من سقطرى تصوير عبد الرحمن الغابري

في العام 2008 أُدرجت سقطرى كأحد مواقع التراث العالمي وفي العام 2014 كانت سقطرى تحتل المركز الـ 13 ضمن ثلاثين موقعًا يتعين عليك زيارتها قبل وفاتك، لما تتميز به من الغموض وكثافة التنوع الحيوي.

دي غيست في حوك

حتى مطلع القرن الـ 21 ظل كهف حوك كهفًا مسكونًا بالأشباح ويُنصح بعدم دخوله، لكنه يمكنك ذلك الآن، فقد استطاع الباحث البلجيكي بيتر دي غيست المتخصص بدراسة الكهوف، أن يفك غموض الكهف الذي ظل عصيًا عن الاكتشاف لقرون طويلة وذاع صيته لاحقًا.

ثلاثة كيلو مترات قطعها دي غيست وفريقه داخل الكهف القابع في جبل حالة على بعد 50 كيلو مترًا من حديبو، لكنه لم يُعرف حتى الآن المسافة الدقيقة لطول “أحد غرائب الطبيعة في العالم” وأحد أهم المزارات السياحية في سقطرى: مناظر خلابة، شلالات مياه، سراديب و أنفاق، غرف منحوتة ونقوش على الجدران وقطرات ماء تعزف منذ آلاف السنين طقوسًا معبدية كونت تكلسات رائعة يصعب وصفها.

هيكل قديم

بحسب الدراسات الاثرية لسقطرى، كانت مغارة حوك في السابق معبدًا يحج إليه الزائرون ويقيم فيه السقاطرة القدامى طقوسهم الدينية ويقصده التجار و الملاحون والحجاج الوافدون إليه في الجزيرة الواقعة في بحر العرب.

محتوى اللوح الخشبي في كهف حوك .. الصورة من كتاب ناوماكين

قبل 1500 عام قدم البحار عبقر السومري إلى كهف حوك ليخلد اسمه هناك برموز تدمرية على لوح خشبي ظل حافظًا اسمه عن الناس قرابة 15 قرنًا لا يعرفه أحد، لتكشفه لنا البعثة البلجيكية بقيادة بيتر دي غيست وفكت طلاسمه، ليصبح اللوح ونقوش ورسوم أخرى على الجدران، أبرز ماتم كشفه داخل كهف حوك.. “25 تموز 569م، أنا عبقر بن عشيماء السومري جئت من شمر إلى مغارة بلاد نيشي، فليبارك الرب الذي قادنا إلى هنا كل من يقرأ هذا اللوح، وليبارك من يتركونه في مكانه”.


“استلاجميت” عمود كلسي صاعد بسبب تراكم قطرات الماء على أرض كهف حوك تصوير عبد الرحمن الغابري

يقول الباحث الروسي فيتالي ناوماكين صاحب كتاب “سقطرى جزيرة الأساطير “شاهدنا صواعد الاستلاجميت (رواسب صلبة من كربونات الكالسيوم تتشكل من المياه المتساقطة في الكهف على هيئة عمود صاعد) بطول قامة الإنسان وفوقها مبخرة خزفية ذات حواف متبلورة وفي داخلها بقايا بخور، يفترض أن هذا الموضع كان مذبحًا أو هيكلًا للعبادة، وإليه جاء (عبقر) ليمجد الآلهة ويخلد اسمه في التاريخ”.

وهناك العديد من الكهوف داخل الجزيرة الأسطورية تقدر بـ 52 كهفًا ومغارة منتشرة على امتداد الجبال الموجودة في الجزيرة، أكبرها مغارة (جنيبة شبهن) بمنطقة دكسم ويبلغ طولها حوالي 7.5 كيلو مترًا، وهي ثاني المغارات المكتشفة بعد “حوك”، وهناك مغارة “دي جب” في سهل نوجد وتبعد عن مركز حديبو بمسافة 75 كيلو متر.

وتعد هذه الكهوف ملاذًا للسكان أوقات الأعاصير الموسمية والفيضانات، حيث ينزحون إليها مع مواشيهم، كما أن الشلالات في عدد من المغارات تعد موردًا أساسيًا للمياه عند السقطريين.


محمية دكسم سقطرى.. تصوير امين الغابري

دم الأخوين

ليس حوك وحده ولا الـ 52 كهفًا الأخرى هي ما يميز الجزيرة اليمنية العابقة بروائح البخور واللبان في قلب بحر العرب، فهناك على قمة جبل دكسم تواجهك محمية الأشجار المتوجة ” دم الأخوين” – إحدى أندر وأغرب الأشجار في العالم – التي لن تجد لها مثيلًا إلا في سقطرى الساحرة، وتسمى أيضًا “دم التنين”، ويعود ظهورها إلى 50 مليون عام، تقول الأسطورة أن الاسم “دم الاخوين ” يعود إلى قصة أول قطرة دم وأول نزيف بين الأخوين: قابيل وهابيل، وبحسب الأسطورة فقد كان قابيل وهابيل أول من سكن جزيرة سوقطرة..”ولما وقعت أول جريمة قتل في التاريخ وسال الدم فنبتت الشجرة: دم الأخوين.

وهناك أشجار اللبان أيضًا، إذ تعد سقطرى موطنًا لأشجار اللبان المشهورة في العصور القديمة، وفيها تسعة أنواع من أصل 25 نوعًا في العالم، وهو سر ارتباط الجزيرة بالطقوس الدينية التي صُدِّرت منتجاتها من البخور واللبان والمُر إلى العديد من معابد العالم لتستقيم طقوسها.


أحدى الاشجار النادرة في سقطرى تصوير عبد الرحمن الغابري

تنوع حيوي

تعد جزيرة سقطرى موطناً للآلاف من النباتات والحيوانات والطيور المستوطنة، فيها حوالي 850 نوعاً من النباتات منها 270 نوعاً مستوطن في الجزيرة، ولا توجد في أي مكان آخر، وفي الجزيرة عشرة أنواع من النباتات النادرة والمهددة من أصل 18 نوعًا في العالم.

كما تأوي الجزيرة 291 نوعاً من العصافير بينها بعض الأنواع المهددة بالانقراض، وهناك 352 نوعاً من المرجان الباني للشعب و 730 نوعاً من الأسماك، و300 نوع من السرطانات والكركند والروبيان، والمئات من الدلافين والسلاحف المتنوعة، إلى جانب تميزها بالشطآن والمناظر الخلابة والكثبان الرملية البيضاء ما تشكل مكانًا ملائمًا للاستجمام والسياحة.

لسقطرى حكايات عصية عن السرد، وحدها سقطرى تستطيع أن تسردها وتسحبك بحبل الدهشة والجنون إليها، لتبقى سقطرى: جزيرة السعادة والنعيم وجزيرة الأساطير.

-----
تنشر المادة بالإتفاق مع البوابة اليمنية للصحافة الإنسانية "أنسم "
https://www.ansom.net/sokatra-island


Create Account



Log In Your Account