كيف ستتمكن دول الشرق الأوسط "المنهكة" من مواجهة فيروس كورونا؟
الثلاثاء 17 مارس ,2020 الساعة: 09:18 مساءً
متابعات

تسارع الحكومات في الشرق الأوسط الزمن لاتخاذ إجراءات وقائية ضد تفشي فيروس كورونا، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها غالبية شعوب المنطقة ودفعتها للثورة ضد الفساد تضع مزيداً من الضغوط على الجميع، فكيف يمكن مواجهة الوباء المخيف؟

صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “الشرق الأوسط مزقته الحروب بالفعل والآن عليه مواجهة فيروس كورونا أيضاً”، ألقى الضوء على الظروف التي تعاني منها بلاد المنطقة.

ماذا بعد الإغلاق؟

يُغلق الشرق الأوسط أبوابه مع تسارع انتشار فيروس كورونا المستجد في هذا الجزء من العالم الذي تهدد فيه الحروب، والمجاعات، والانهيار الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي بمضاعفة تأثير المرض.

توجد الغالبية العظمى من الإصابات المُعلن عنها في المنطقة حتى أمس الإثنين 16 مارس/آذار والمقدرة بـ16.659 حالة في إيران، وهي واحدة من أكثر الدول تضرراً بالفيروس، ومصدر غالبية الحالات الـ1692 الموجودة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

مع تزايد أعداد الإصابات في المنطقة، بدأت الحكومات في التحرك، وانقلبت الحياة في جزء من العالم  كان على مر التاريخ معبراً للديانات، والتجارة، والسفر.

تُلغى الصلوات، وتُغلق الحانات والمقاهي، ويُعلق الطيران، وتؤجل المهرجانات والعمرات. وكان من بين أكبر المزارات الدينية التي أُغلقت المسجد الأقصى في القدس، وكنيسة المهد في بيت لحم، وضريح الشيعة في كربلاء بالعراق. وكان هذا هو الحال بالنسبة لمطعم بربر اللبناني المحبوب، والمشهور بأنه لم يُغلق أبوابه خلال الحرب الأهلية الطويلة في البلاد، إذ أُغلق للمرة الأولى في تاريخه.

حظر تجول في العراق
فرض العراق حظر التجول بدءاً من اليوم الثلاثاء، 17 مارس/آذار، بعد أن أعلنت الحكومة حالة الطوارئ. وطلب لبنان من مواطنيه عدم مغادرة المنازل لمدة أسبوعين من يوم الإثنين، 16 مارس/آذار، وأمرت المملكة العربية السعودية بإغلاق المصالح الحكومية، والشركات ومراكز التسوق.

أما حركات التجارة والسفر فهي في طريقها إلى التوقف، فقد علقت السعودية السفر من المملكة وإليها. وأيضاً، منعت الإمارات العربية المتحدة غير المقيمين من دخول أراضيها وعلقت الرحلات الجوية إلى عديدٍ من المواقع. إضافة إلى ذلك، يُغلق الأردن ولبنان والعراق حدودهم وسيغلقون مطاراتهم في غضون أيام.

سيكون لوقف الأنشطة الاقتصادية وقع شديد على مواطني المنطقة وفي وقت يعانون فيه بالفعل من الضغوط الاقتصادية الحرجة، وعدم الاستقرار السياسي، والصراع، وفقاً لمحللين.

قال جون ألترمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “هناك سلسلة من الأزمات المتتالية التي تؤجج بعضها بعضاً بالأساس، هي شبكة متصلة من الكوارث. هذه البلاد لا تواجه أزمة واحدة، ولكن أزمتين أو ثلاثاً على التوازي”.

عقدٌ من الاضطراب منذ أن عصفت ثورات الربيع العربي باقتصاديات البلاد التي تواجه المشكلات قبل أن يعصف فيروس كورونا بالأسواق العالمية.

تأثيرات اقتصادية حادة

وقد خسفت حرب أسعار النفط التي بدأتها السعودية -جزئياً نتيجة لفيروس كورونا وانهيار الطلب العالمي- بالأسعار، مهددةً الاقتصادات عبر المنطقة، وقال ناصر السعيدي، الاقتصادي المقيم في دبي ووزير المالية السباق في لبنان، إن منتجي النفط في بلاد الخليج سيجبرون على خفض الإنفاق، وستعاني أيضاً الدول الأخرى التي تعتمد على حوالات المغتربين في منطقة الخليج.

أما لبنان فهو في خضم أزمة مالية انهارت خلالها عملته، وسط احتجاجات واسعة في الشوارع. أيضاً، سيتضرر العراق على نحو بالغ، إذ يعتمد معظم دخله على النفط، في الوقت الذي تهز فيه الاحتجاجات السياسية البلاد، وقال السعيدي إن المنطقة ستنزلق بالتأكيد نحو حالة من الكساد، وأضاف “هذا يعني أن مشكلة البطالة ستزداد سوءاً، وأن الظروف الاجتماعية والاقتصادية ستتردى. سيكون هناك مزيد من الفقر، والمشكلات الاجتماعية، والاحتجاجات السياسية. وهذه ليست صورة جميلة للشرق الأوسط”.

في الوقت نفسه، تستعر الحرب في سوريا، واليمن، وليبيا التي لم تعلن بعد أي إصابات، ولكنها أوطان لملايين الأشخاص الذين يعانون من الفقر والجوع والمعرضين لانتشار الأمراض. قال فابريزيو كاربوني، مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط، إن هناك ملايين آخرين يتكدسون في مخيمات اللاجئين والمستوطنات في البلدان المجاورة، وتنتشر الأمراض في هذه الأماكن سريعاً، وأضاف: “حتى الدول المتقدمة التي يحتذى بها تكافح. للمرء فقط أن يتخيل كيف سيكون الوضع في البلدان المتأثرة بالصراعات”.

وكثيرٌ من الحكومات المستبدة في المنطقة غير صريحة بشكل شائن، وهناك شكوك كثيرة بأن بعض البلدان لا تعترف بحجم مشكلاتها، ومع أن سوريا تصر على أنها لم ترصد أي حالات مصابة بفيروس كورونا، فإن الخبراء في مجال الصحة لا يرجحون أنها خالية من الفيروس الذي وطد وجوده في البلدان المجاورة لها.

أنظمة صحية ضعيفة

قال إيميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إنه باستثناء الحال في بعض دول الخليج الغنية، فإن نظم الرعاية الصحية في المنطقة متخلفة كثيراً عن تلك الموجودة في البلدان الغربية والآسيوية التي بالكاد تستطيع مواكبة الأزمة، ومن المرجح أن تتعرض هذه الأنظمة لضغط أكبر. في الوقت نفسه، ستكون الدول الأغنى التي يُعتمد عليها في المساعدات في مثل تلك الظروف منشغلة بتحدي فيروس كورونا على أراضيها، وأضاف: “سيفاقم هذا ويغذي كل المشكلات القائمة بالفعل في الوقت الذي ستركز فيه كل دول العالم الأخرى على أزماتها المحلية واحتياجاتها الخاصة”.

قد يكون فات بالفعل أوان وقف انتشار فيروس كورونا المستجد في المنطقة التي تأخرت الدول الكبرى فيها في إدراك حجم الخطر وتحذير مواطنيها من المخاطر.

وقد أثار إدراك أن الحكومة الإيرانية لم تتسم بالشفافية بخصوص عدد حالات الوفاة من جراء انتشار الفيروس الرعب في البلدان التي تضم عدداً كبيراً من الشيعة الذين يسافرون إلى إيران ويتفاعلون بكثافة معها لأسباب سياسية ودينية وتجارية.

يبلغ كل من لبنان والبحرين وبهما عدد كبير من الشيعة، عن معدلات إصابة بالفيروس هي من بين الأعلى. هذه الأعداد قليلة نسبية، لكن تعداد سكان هاتين الدولتين قليل أيضاً، وبالتناسب فإن تلك الأعداد مرتفعة مثل معدلات الإصابة في دول أوروبية ينتشر فيها الفيروس بسرعة مثل بريطانيا وألمانيا.

أما دولة العراق، الجارة الأقرب لإيران، فقد أبلغت عن عدد قليل من الحالات مقارنة بعدد سكانها بلغ 110 حالات إصابة وتسع وفيات، وسط مخاوف أن تكون الأعداد أكبر. وبعد أن ظهر حجم المشكلة في إيران الشهر الماضي، سارع العراق بمنع دخول الإيرانيين. ولكن حتى الأسبوع الماضي، استمر العراقيون في السفر من إيران وإليها عبر الحدود الطويلة للعراق مع إيران.

قال أدهم إسماعيل، ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق إن عدد الإصابات قد يكون أعلى ببضع مئات، وربما هي ليست حالات إصابة شديدة. لكن ليس هناك سبب للاعتقاد بأن انتشاراً كبيراً للفيروس وشيك. إن الحفاظ على انخفاض الأعداد مثلما هي حتى الآن هو “معجزة طبية”.

أضاف إسماعيل أنه في حال حدث انتشار سريع، فمن شأن المرض أن يستهلك الموارد الصحية المحدودة في العراق بسرعة. فقد استخدمت الدولة ما يقارب 80% من نحو 6 آلاف اختبار وصلت الدولة حتى الآن، وهي تنتظر المزيد. أضرت سنوات الحرب والفساد المتفشي في العراق بنظامه الصحي الذي كان متقدماً في الماضي، ولا توجد أجهزة تنفس أو معدات تهوية كافية للتعامل مع تفش أوسع للمرض.

وحتى الدول التي لديها نظم صحية أفضل نسبيّاً، مثل لبنان، ستواجه مشكلة إن ارتفع عدد الإصابات، وفقاً لسهى كانج التي ترأس قسم الأمراض المعدية في الجامعة الأمريكية ببيروت. وأضافت أنها تعتقد أن هذا سيحدث.

أشارت كانج إلى أن الحالات المصابة بالفيروس وصلت إلى لبنان قادمة من مصر، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، إلا أن الإصابات الأخيرة تشير إلى تفشي العدوى في المجتمع، ما يجعل السيطرة على المرض أصعب، مضيفة أنها تشك أن الحالات أكثر بمئات المرات من الأعداد الرسمية نتيجة فشل الناس في الإبلاغ عن الأعراض التي يشعرون بها.

يتبقى على مصر فقط أن تأخذ أي خطوة كبيرة لوقف انتشار الفيروس، على الرغم من الأدلة المتزايدة على أنها قد تكون مصدر عشرات الإصابات في العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة وبعض مناطق الشرق الأوسط. فقد أعلنت مراكز الوقاية من الأمراض في الولايات المتحدة يوم الأحد، 15 مارس/آذار أن هناك 60 حالة في 15 دولة مرتبطة بالبواخر النيلية.

ترجمة: عربي بوست


Create Account



Log In Your Account