مثقفون على الهامش
الثلاثاء 31 ديسمبر ,2019 الساعة: 05:13 مساءً

بحكم اختصاصي وعملي واهتمامي فإنني أتابع المواقع اليمنية والعربية، أقرأ لكثير من الكتاب، في معظم المواقع العربية أجد كتّابا محترمين ويستحقون الثناء، الأفكار واللغة والصياغات، وفي المواقع اليمنية نسبة غير قليلة من الكتاب يبدو أنهم لا يحترمون قراءهم ولا أنفسهم وكثير من تلك المقالات كتبت عن طريق الهاتف ولمرة واحدة، وكأنها قصيدة إلهام.

 

لا مراجعة للأفكار أو للصياغات وحتى رداءة التعبيرات والإملاء تشعرك بالخجل وبالفقر في الروح والخيال والفكر، ولهذا حولنا بلدنا إلى ما هو عليه اليوم، أخطر البلدان في العالم، نحل مشكلات العالم وأغرقنا بلدنا في مليون مشكلة صغيرة وكبيرة.

 

الفطرة والذكاء مهمان، لكن دون تغذيتهما بالعمل المستمر والقراءة الدائمة، فإنهما لن يثمرا، الشاعر الذي يعتقد اليوم أن القريحة الشعرية هي كل ما يلزمه فقط في العصر الحاضر فهو مخطئ.

 

منذ فترة طويلة لا أقرأ لأي شاعر يعتمد على إبداعه الشعري دون أن يمتلئ هذا الشعر بالفكر، إن العالم أصبح معقدا لدرجة أن الفطرة وحدها في الأعمال الإبداعية لا تكفي للتميز. الشاعر الذي لا يقرأ في الثقافات والأفكار لن يكتب شيئا أكثر مما كان يفعل امرؤ القيس وأحمد شوقي، وبالنسبة لي لن أقرأ شعرا بهذا الشكل.

 

المثقف اليمني قد يكون الوحيد الذي يكتب في كل شأن ولا يقرأ في شأن واحد، قادر على النقاش والجدال في كل الأوقات ويفرح كثيرا حين يُقال له بأنه أصل العرب.

 

بلد لم يعد يملك شخصيات استثنائية يمكن أن تضع حدا لحفلة التفاهة التي يعيشها البلد وليس لديه مخزون كبير تاريخي من المساهمة في الثقافات والعلوم.

 

نتفاجأ حين نعرف أن على المثقف أن يتفرغ ساعات يوميا لقراءة الكتب وخدمة المعرفة.

سياسيون دون قراءة ومثقفون دون قراءة ومجتمع غارق في الوهم.

عندما تقدم نفسك للمجتمع كمثقف عليك أن تقرأ كثيرا وأن تتخلى عن ألعاب البهلوانيات.

كل ذلك بالتعود وقوة التحمل.

 

وصل الطفلان التوأمان في رواية الدفتر الكبير لأغوتا كريستوف إلى قرية حدودية دون أب أو أم، فقط بصحبة جدة سيئة وواقع إجرامي.

 

انهارا في البداية ولم يستطيعا الصمود في هذا الواقع، وأدركا أن عليهما أن يتعلما كل شيء وأن يقاسيا كل الآلام، شيئا فشيئا علما نفسيهما الصفع، كانا يتبادلان الصفعات والركلات والشتائم حتى لا يبكيا حين يخرجان إلى الشارع.

 

تعلما كيف يتقبلان الإهانات والصراخ وحتى الضرب، وعندما لم يتبق شيء يتعلمانه لمواجهة المجتمع تخطى أحد الأخوين الحدود المزروعة بالألغام ليرحل أكثر من عشرين عاما بعيدا عن أخيه التوأم، وعاد الآخر إلى منزل الجدة، وعندما عاد بعد ذلك سأله رجل في المدينة: لماذا تركت أخاك وغادرت كل هذه المدة حتى دون ان تبعث رسالة واحدة، قال كلاوس: لقد تعودت مع أخي على التمرن على كل الأشياء سويا، ولم يتبق إلا أن نفترق حتى نتغلب على شعور الترابط الروحي الذي نشأنا عليه.

 

الثقافة ليست ادعاء، إنها ليال طويلة من الصبر والتحمل والعمل.


- نقلا عن صفحة الكاتب في فيسبوك


Create Account



Log In Your Account