نقش غمدان في جامع زكي باشا
السبت 16 نوفمبر ,2019 الساعة: 06:26 مساءً
مهيب زوى

في الجنوب الشرقي لمسجد أحمد زكي باشا، بمنطقة البحر الأعظم في جيزة مصر، يواجهك نقش حميري، “يُعتقد أنه يؤرخ لقصر غمدان أهم قصور اليمن القديم الذي يعود تاريخه إلى ماقبل 4 ألف سنة قبل الميلاد”.

النقش الحميري واللوحة التعريفية على جدار واجهة مسجد زكي باشا، من صفحة محمد سبأ


ويحتل نقش “غمدان” الواجهة الخارجية لجدار القبلة خلف محراب المسجد الذي يعود تاريخ بنائه إلى أواخر عشرينيات القرن الماضي، تعلوه بـ 30 سم، لوحة رخامية للتعريف به، مرسومة بالخط الفارسي “الديواني”، مكتوب عليها: “تحت هذه اللوحة الحجر المكتوب الباقي من قصر غمدان الذي شيده الملوك التبابعة في صنعاء…إلخ” (كما في الصورة).

 

يقول الفنان التشكيلي محمد سبأ – الذي التقط صورة للنقش– لـ أنسم: ” كنت قد بحثت عن النقش منذ عامين مع الأخ عبدالله محسن ولكن لم نهتدي إليه وبعد التواصل والتنسيق مع جهات معنية تم التوصل له وتصويره”.

 

فيما يقول الباحث المهتم بالآثار عبد الله محسن لـ أنسم: “أول مرة أعرف عن هذا النقش كانت في يوليو 2017 في لقاء في المركز الثقافي اليمني بالقاهرة ولم نتمكن من الوصول إليه لتحفظ الجهات الرسمية، وأخيرًا بعد عامين تمكن الصديق محمد سبأ من تذليل تلك الصعوبات لتصوير النقش رسميًا وقام بالتقاط صور واضحة للنقش”.

 

كتابة نذرية

لا يتجاوز مقاس النقش الضارب لونه إلى الصفرة الـ 36 سم*19 سم، ويقع على الحائط الخارجي للمسجد على ارتفاع 3.30 أمتار تقريبًا، بما يسمح للمارة رؤيته و اللوحة التعريفية أعلاه بوضوح، كما لا يسمح لهم بملامسته وهو ما ساعد على المحافظة عليه وعدم تشويهه.

 

وبحسب دراسة للنقش أجرتها الباحثة رباب عادل حسن صالح، بعنوان “لوحة بخط المسند بالجيزة بمصر: دراسة أثرية تاريخية”، نشرتها مجلة أبجديات العدد 12\ 2017، فإن النقش قد تعرض لقدر كبير من الطمس والكسر في كل جوانبه، خاصة الجانب الأيسر إذ تغير لون الحجر في ركن الزاوية العليا إلى اللون الأسود،

 

وتشير الدراسة إلى أن أجزاء الحجر من جوانبه الأربعة مفقودة وأن الحجر الذي يتوسط الجدار عبارة عن الجزء الأوسط فقط من حجر أكبر فقدت أطرافه الأربعة “وهذا ما جعل معرفة مضمون محتواه أمرًا صعبًا، إلا أنه رغم فقدان جزء كبير من أجزاء الحجر الأثري فإن بعض الكلمات جاءت كاملة، فسمحت لنا بفهم المحتوى إلى حدٍ كبير”.

 

ويحتوي حجر النقش 11 سطرًا برسم المسند الحميري الغائر، وهو عبارة عن كتابة “نذرية” للإله “المقة” الإله القمري في الديانة السبئية القديمة – بحسب الدراسة – وقد ورد في النقش اسم شخصين “أحمد” و”وعل” ووردت لفظة المقة ثلاثة مرات، كما تم ذكر القبيلة التي ينتمي لها صاحب النقش، قبيلة “ذو ذران”، كما ذُكرت مدينة “صرواح” أيضًا.

 

وتشير دارسة أستاذة الإرشاد السياحي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، إلى أن مضمون محتوى النقش يقول أن “أحمد و وعل قدما صنمًا كقربان للإله المقة ويطلبان منه أن يُذهب عنهما البأس وأن يهبهما من خيراته وأن يُرهب أعداءهما كما يطلبان منه الرضا”.

 

إلا أن الباحث في الآثار خالد الحاج قال أن قراءة النقش في الدراسة السابقة لم تكن دقيقة وأورد أن المعنى العام للنقش هو: “وهب اللات وأخيه أحمد .. بنو عيهان من قبيلة ذمران أهدوا (معبود سبأ الرسمي) ألمقه سيد معبد أوعال صرواح، تمثالًا ووعلًا حمداً على حمايتهم ونجاتهم من كل بأس وشر، وليمنحهم المقه السعادة ورضا ساداتهم وشعبهم سبأ، بجاه الإله المقه”.

 

وتحتوي دراسة رباب عادل معلومات قيمه عن نقش تابوت تاجر البخور اليمني “زيد إل بن ضران” وكذلك نقوش أخرى بخط المسند وجدت في مصر “وادي البنات” في قنا في طريق البخور القديم، ما يؤكد عمق العلاقات المصرية اليمنية منذ أقدم العصور.

القطع الحميرية السبعة التي أحضرها أحمد زكي باشا من اليمن. الصورة من دراسة رباب عادل نقلا عن (الهلال يوليو 1929م)
 

القطع الحميرية السبعة التي أحضرها أحمد زكي باشا من اليمن. الصورة من دراسة رباب عادل نقلا عن (الهلال يوليو 1929م)

 

خروج النقش

في العام 1926 غادر الكاتب “أحمد زكي باشا” – أحد أعيان النهضة الأدبية في مصر، مولود في 1867في الاسكندرية – إلى اليمن والحجاز مندوبًا عن الرابطة الشرقية ومعه “نبيه بك العظمة” للوساطة بين الملكين: يحيى حميد الدين وعبد العزيز آل سعود، و مكثا في صنعاء من 6 أغسطس إلى 25 سبتمبر لاستكمال مساعي الوساطة.

 

وبحسب دراسة الباحثة رباب عادل فإن زكي باشا عاد من رحلته إلى اليمن بـ “العديد من التحف النادرة والدرر الفريدة، ومنها الحجر الحميري من قصر غمدان و ألف قطعة من العقيق اليماني، أعلن زكي حينها “أنها أجمل حُلية يزدان بها مسجده بفسطاط الجيزة”، وأرفقت الباحثة في دراستها صورة (أبيض وأسود) للقطع السبعة المهداة لـ زكي.

 

وتقول رباب عادل في دراسة أخرى بعنوان “مسجد أحمد زكي باشا” نشرت في العدد 15 من مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب، إنه رغم البناء الحديث للمسجد في(عشرينيات القرن الماضي) ، إلا أن قطعة حجر نقش قصر غمدان من اليمن السعيد “أضافت له قيمة مادية ومعنوية”، كما يحتوي المسجد الذي زُين محرابه ومنبره بحبات العقيق اليماني، قطعة من كسوة الكعبة أيضًا، ویعتبر المسجد تحفة فنیة للفنون والزخارف الإسلامیة- بحسب الدراسة.

 

ويرى الباحث محمد سبأ أن النقش المذكور على واجهة زكي باشا قصته لا تتفق مع قصر غمدان، وأنه ربما كان نقش قصر غمدان بين الستة النقوش الأخرى التي أهديت لـ “زكي”، مشيرًا إلى أنه ربما لجهل باني المسجد بالترجمة لخط المسند وضع بالخطأ نقشًأ آخر.

 

وأردف لـ أنسم: ” إن اللوحة التعريفية أعلى النقش تؤكد أمانة ووفاء أهل مصر في توثيق حقوق الغير والحفاظ عليها”.

 

قصر غمدان

يعتبر قصر غمدان من عجائب الهندسة المعمارية، إذ يقال أن عدد طوابق القصر كانت عشرون طابقًا بين الطابق والآخر عشرة أذرع و بني بالبوفير والجرانيت والمرمر، واستخدم القصر لإقامة الملك وإدارة البلاد.

 

وبحسب ويكيبيديا فإن الرحالة محمد القزويني ذكر قصر غمدان في رحلاته كأحد عجائب بلاد العرب، فيما يعتبره بعض المؤرخون أنه من أوائل القصور الضخمة في العالم وهناك اعتقاد بأن موقع القصر يقع في منشأة قصر السلاح القائمة حالياً في صنعاء القديمة بينما ترى جهات أخرى أن الجامع الكبير بصنعاء قد بني على أنقاض هذا القصر، أما أبواب الجامع الكبير فمن الثابت كونها هي نفسها أبواب قصر غمدان وعليها كتابات بالخط المسند، ذكره الهمداني في كتابه: الإكليل.

 سور قصر غمدان في أحد الرسوم الصخرية القديمة في نقش بخولان جنوب شرق صنعاء 

سور قصر غمدان في أحد الرسوم الصخرية القديمة في نقش بخولان جنوب شرق صنعاء


يقول البعض أن الملك السبئي إيلي شرح يحضب هو من بنى غمدان بينما ترجح الروايات أن بانيه هو سام بن نوح -الذي سميت صنعاء باسمه قديماً- وذكر ابن كثير أن من بنى قصر غمدان يعرب بن قحطان وقد اكمله بعده وائل ابن حمير بن سبأ بن يعرب.

 

ومثلما تختلف روايات بناء قصر غمدان تختلف روايات هدمه، إذ ترجح روايات أن هدمه مر بمراحل عدة منها ما أصابة من حريق أيام الغزو الحبشي لليمن حوالى (525) للميلاد وهدم جزء منه في حياة الرسول (محمد ص)، فيما يروي بعض المؤرخين الإسلاميين أنه قد جرى هدمه بأمر من الخليفة عثمان بن عفان.

 

وأقدم ذكر لقصر غمدان في النقوش يرجع إلى عهد الملك السبئي شعرم أوتر ملك سبأ وذي ريدان في عام 220 للميلاد، والنقش يذكر فيه قصرين هما: قصر سلحين في مأرب وقصر غمدان في صنعاء، فيما ذكره نقش آخر يعود تاريخه إلى منتصف القرن الثالث الميلادي في عهد الملك إيلي شرح يحضب ملك سبأ وذي ريدان.

 

وذكرت دائرة المعارف البريطانية بأنه ورد ذكر القصر (غمدان) في بعض النقوش التي وجدت في بعض الأحجار المتكسرة والتي تعود إلى القرن الأول الميلادي.

 

-----

تنشر المادة بالإتفاق مع البوابة اليمنية للصحافة الإنسانية "أنسم "

 https://www.ansom.net/ghamdan-546/ 


Create Account



Log In Your Account