"جرحى تعز".. قصة الخذلان والإهمال المحلي والحكومي
الجمعة 01 نوفمبر ,2019 الساعة: 05:45 مساءً
الحرف 28 - مازن فارس

ما زال الشاب العشريني "أسامة عابد" يعاني من جراح في يده اليمنى التي فقدها إثر تعرضه لطلق ناري من قبل قناصة الحوثيين قبل ثلاثة أعوام من الآن.

 

وقد انتهى المطاف به اليوم وعشرات من رفاقه الجرحى للاحتجاج والتظاهر أمام ما يصفونه بصمت وخذلان الشرعية والسلطة المحلية في محافظة تعز اليمنية.

 

السبب الذي دفع الشاب الجريح " للتظاهر منذ نحو أسبوع، هو "تجاهل السلطة المحلية لمطالب الجرحى، بالإضافة إلى تفاقم معاناة رفاقنا الجرحى في الخارج في مصر والهند" يقول عابد.

 

وبين الحين والآخر يبرز ملف الجرحى في تعز وسط دعوات ومناشدات بالحل الجذري، إلا أن تلك الدعوات لا تجد طريقا للاستجابة تليق بتضحياتهم.

 

الجرحى بالأرقام

وتؤكد إحصائية حكومية أن عدد جرحى تعز يبلغ نحو 22 ألف منذ بداية الحرب عام 2015.

 

وتشير إحصائية خاصة باللجنة الطبية المشكلة من قبل السلطات لهذا الغرض – اطلع عليها الحرف 28 – إلى أن أكثر من 300 جريح يحتاجون إلى سفر عاجل الى الخارج لتلقي العلاج، ونحو 1300 جريح بحاجة الى عمليات جراحية داخل تعز.

 

يقول "عابد" إن جرحى الداخل يعانون من "رفض مستشفيات تعز لاستقبالهم وتوفير الأدوية ولم يحصلوا على الرعاية والاهتمام". مشيراً إلى أن خروجهم إلى الشارع والاحتجاج ليس "الأول ولن يكون الأخير".

 

وطبقا للإحصائية فإن "500 جريح بتعز يحتاجون الى أطراف صناعية، بالإضافة إلى أن نحو 200 جريح مقعدي الحركة بحاجة الى علاج طبيعي".

 

يتحدث الشاب الذي فقد ذراعه بأسى " العشرات من الجرحى أصبحوا اليوم يعانون من "تعفن جراحاتهم وتلف أعصابهم" فضلاً عن تدهور حالتهم التي تزداد سوء مع استمرار الإهمال وعدم توفير المستلزمات الطبية بما فيهم جرحى يحتاجون للسفر إلى الخارج بشكل عاجل.

 

معاناة جرحى الخارج

لكن السفر إلى الخارج ليس نهاية المعاناة، بل إنها بداية لمتاعب أخرى تجمع بين الغربة والألم، حيث يمضي الجرحى معظم الوقت وهم يتابعون مستحقات التطبيب والمصاريف

 

بحسب اللجنة الطبية، يبلغ جرحى محافظة تعز الذين يتلقون العلاج في الخارج 130شخصاً " 93 جريحا في مصر و 37 آخرين في الهند".

 

يشعر عابد بالأسف حيال وضع زملائه الذين سافروا للعلاج في الخارج ، حيث يتواجد عشرات الجرحى من رفاقه في مستشفيات الخارج وبعضهم حالته خطيرة.

 

يشتكي هؤلاء من "عدم توفر تكاليف العمليات الجراحية والسكن"، يقول "عابد" لافتاً إلى أن عددا من أولئك الجرحى تم طردهم من السكن إلى الشوارع. يحدث ذلك بوجود لجنة طبية معنية بمعالجة هذا الملف المثقل بالوجع.

 

في 2017 تشكلت اللجنة الطبية العليا الخاصة بجرحى تعز بقرار من رئيس الوزراء، وترأستها إيلان محمد عبد الحق (وكيلة المحافظ للشؤون الصحية) حتى مطلع أغسطس من العام 2018، لتقدم استقالتها نتيجة تعرضها لاتهامات بالإهمال والعجز والفساد.

 

وبدلا من معالجة مشكلة الجرحى تحولت اللجنة الى مشكلة أخرى، واتخذت المساجلات بين أطراف مسارا آخر غير الجرحى ليغدو الملف مادة للتوظيف السياسي.

 

وجهت تهم فساد للجنة التي بدورها أنكرت ذلك، بحسب مصادر مطلعة فقد تم تشكيل لجنة برئاسة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة للتحقيق في التهم أثناء قيادة المحافظ السابق أمين محمود لكنه قام بالتحفظ على تقرير اللجنة ومنع تداوله وأستمر الأمر مع خلفه المحافظ نبيل شمسان حتى اللحظة.

 

الكل يشكو

اللجنة الطبية الحالية بدورها ، تشكو من عدم توفر ميزانية ثابته من قبل الحكومة، فضلاً عن وجود عراقيل اعترضت طريق مبالغ مالية وجه بها رئيس الجمهورية لجرحى تعز.

 

وطالبت في بيان لها، الجمعة الفائت، بسرعة صرف المبالغ المخصصة لعلاج الجرحى، وعدم عرقلتها كالمبالغ السابقة، مشيرةً إلى أن "مبلغ المليار ريال الذي وجه بصرفه كل من نائب الرئيس ورئيس الوزراء، ولم تُصرف حتى اليوم".

 

وقالت اللجنة إن "الحلول الترقيعية والإسعافية لا تجدي مقارنة بحجم عدد جرحى تعز ومعاناتهم بالغة الوجع".

 

وأشار البيان إلى أن رفض وزارة المالية صرف المليار ريال الذي وجّه بصرفه كل من نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة "ضاعف من معاناة الجرحى".

 

ويؤكد رئيس اللجنة الطبية العسكرية لجرحى تعز، العميد الدكتور محمد الثوابي، ان الحكومة ممثلة بوزارة المالية لم تستجب لدعواتهم بصرف مبالغ الجرحى.

 

وقال الثوابي لـ" الحرف 28": "خاطبنا رئاسة الجمهورية والدفاع والوزراء بتوفير ميزانية تشرف عليها وزارة المالية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وتتم آلية الصرف بموجب توجيهات واخلاءات بطريقة شفافة الا انه لم يستجاب لدعواتنا..".

 

يتحدث الثوابي عن وجود جرحى معاقين، ولم تصل ملفاتهم الى اللجنة الطبية "فلا نعلم عنهم شيء ويحتاجون إلى رعاية وعلاج وراتب شهري بشكل مستمر".

 

جرحى في الخارج يرفضون العودة

يكشف رئيس اللجنة الطبية العسكرية عن وجود مشكلة أخرى، ويقول إن جرحى الخارج الذين استكملوا علاجهم "يرفضون العودة" محملاً قادة الألوية العسكرية مسؤولية "عدم القيام بإعادتهم".

 

بحرقة و شعور بالإحباط يتحدث "عابد" عن "الجرحى الذين دافعوا بالأمس عن هذه المدينة (تعز) واستعادة هيبتها ودولتها" قال إنهم اليوم "يُجازون بالخذلان والتهميش".

 

يطالب الجريح الشاب ورفاقه المنسيين "بتوفير ميزانية ثابته للجنة الطبية واعتماد ترقيم الجرحى وسرعة محاسبة اللجنة الطبية السابقة".


Create Account



Log In Your Account