الأسوأ عالمياً .. لماذا؟ 2
الثلاثاء 22 أكتوبر ,2019 الساعة: 08:25 مساءً

تعتبر اليمن” الكارثة الأسوأ إنسانيًا وغذائيًا في العالم ” لأنها عالقة في ذيل دول المشرق العربي المغموس بوحل الخيبة والإخفاق.. الإخفاق في بناء وإنجاز الدولة وما أنجر عنه من اخفاقات في التنمية وفي حماية السيادة والاستقلال.

انفجار الدولة – القبيلة

أُجهضت محاولة بناء الدولة والجمهورية في شمال البلاد حين سارعت مراكز القوى القبلية إلى تعريف الجمهورية بقانون ناسف لمعنى ومبنى الجمهورية وهي في مهدها، وهو ذلك القانون التمييزي بين “القبائل” و ” الرعية” والخاص بإنشاء “هيئة لشؤون القبائل” ثم توالت عمليات الإجهاض لجمهورية 26 سبتمبر 1962 بالحروب المتسلسلة وصولاً إلى حرب ” التطهير الطائفي” للمؤسسة العسكرية من الوافدين الجدد عليها من المنطقة الوسطى وتعز والجنوب في أغسطس 1968، وفي الجنوب كانت الجنازة أسبق من العرس وتهاوت دولة الاستقلال بسلسلة من التصفيات والاغتيالات ودورات العنف الدموية التي بلغت ذروتها في يناير 1986.

وكما سقطت خرافة “الجيش الوطني” في أغسطس الشمال فقد سقطت في يناير الجنوب وآلت الجيوش إلى مليشيات، كانت هي العناوين التأسيسية والافتتاحية التي أفضت إلى ” ربيع المليشيات” و “أعراس الدم” التي تشهدها اليمن حاليًا.

وحتى في إطار صفقة الوحدة “الأكذوبة المسلحة” – حسب تعبير د/ أبو بكر السقاف- وجمهورية 22 مايو 1990، تم تجميع تلك الجيوش – المليشيات تحت قبضة “الدولة – القبيلة “¹ في خنادق متجاورة ومتقابلة، وكانت تلك خطوة واسعة وخطيرة نحو انفجار حمامات الدم بين الجيوش – المليشيات – وصولاً إلى الانفجار الكبير والمديد “للدولة – القبيلة” التي حملت أسباب فنائها في داخلها.

لقد تمخض جبل الثورة والجمهورية والوحدة عن تمكين فأر دولة القبيلة وقبيلة الدولة، التي تهاوت مع أول هبة لرياح ” ثور الربيع”؛ لأنها كانت في الأصل تحمل جرثومة الانقسام والانهدام في جوفها.


إن الإخفاق في بناء الدولة الوطنية ” دولة المواطنة” بما هي إطار قانوني وأخلاقي وتجسيد مؤسسي لرابطة سياسية واجتماعية ووطنية قد استبطن فشلًا  في تحقيق الاندماج الاجتماعي الوطني، وترتب عليه إخفاقًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وانعدام لفرص العمل وانقطاع حبال الرجاء والامل وبطالة: دمار شامل.


غرنيكا- بيكاسو

وتخصبت تربة الاضطرابات والفوضى والحروب بسبب من اختلالات بنيوية عميقة في الداخل ولم نصل إلى ما نحن عليه إلا بفعل أزمة تاريخية أسهمت دول الجوار في رعايتها ودعمها، وقد أفضى تدخلها على مر العقود السابقة إلى تدعيم النظام الهجين الذي لم يقطع مع المنظومة السابقة لـ 26 سبتمبر 1962 ولم يأخذ من الحداثة السياسية غير المساحيق والرتوش والديكور والمسميات.

حتى عندما تدخلت دول الجوار في 2011 بـ ” المبادرة الخليجية” ودعمت ” الحوار الوطني” والانتقال “السلس” للسلطة، جرى تصريف الأمور في مجرى الانتقال غير السلس، من مخالب مليشيات القبائل والأحزاب إلى أنياب مليشيات المذهب، برعاية سفراء الدول الكبرى الراعية وتوقيع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة.


وهكذا تكرس موقف دول الجوار والعالم الداعم للانفجار، الفاعل في إدارة الحرب والاقتتال، الفاشل في إدارة الحوار بين فرقاء المحنة اليمنية.. وتحت المظلة الأممية صارت اليمن هي: ” الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم”.

تحت المظلة نفسها تكالبت على اليمن عوامل وقوى الشد إلى الوراء والجذب إلى القاع وغاب العامل المطلوب للتوازن وإحداث الفرق: عامل البناء.

اللافت أن التقارير الأممية كانت ولازالت تتحدث عن بلد الأزمة الإنسانية “الأسوأ في العالم” بنبرة احتفالية كمن يتحدث عن إنجاز باهر أو وليمة لاينقصها إلا الاسناد العالمي لإنتاج نسخة من بيكاسو الحالة اليمنية المؤهل لرسم “غرنيكا” يمن الهباء المنثور والعصف المأكول، ذلك أن الإحساس المأساوي بالمشهد يحتاج إلى اللمسات الجمالية الأممية أيضًا.
----------------
ينشر المقال بالإتفاق مع موقع بوابة الصحافة الإنسانية " أنسم"

 


Create Account



Log In Your Account