ظلام التاريخ الذي أرى عودته
الأحد 20 أكتوبر ,2019 الساعة: 09:28 مساءً

في الليلة الماضية أدى " ماس كهربائي " إلى جعلنا سكان البيت الوحيد المظلم في مدينة مضاءة بالكامل.

أتشارك اللحظات مع إحساسي القديم بالظلام، ومع الماضي القريب الذي يطل من كل حدث.

يعاودني الشعور الذي حاولت التغلب عليه بطرق شتى، أحدها الهروب الذي نزعت إليه.

يعيدني لون هذه الليلة إلى ليالي شتاء صنعاء ٢٠١١ يوم كان إنقطاع الكهرباء واحدة من وسائل النظام لإطفاء الإحتجاجات ضده.

عند الثانية بعد منتصف الليل، كانت سيارة مسرعة تقل أسرة صغيرة تشق العتمة في الطريق إلى مشفى طرف المدينة.
الشوارع مقفرة، لا شيء غير السواد وجنود صالح وقد تخلصوا من لباسهم الموحد، يغطون نصف وجوههم، بأيديهم كشافات موجهة إلى وجوهنا وهم في قمة الشعور بقلة الحيلة وفقدان الأمل.

وصلنا الى المشفى وأيقظنا ممرضة سنعرف لاحقا أنها أتت من بونا الهندية.

عبر ذات الشوارع، ركضت سيارة أخرى كانت تقل طبيبة.
كنا ننتظر مولودنا الثاني في مدينة تستعد لأكبر هزيمة في تاريخها الحاضر.

كل شيء فيها يشير إلى النهاية: أصوات مولدات الكهرباء صينية الصنع ترعد في كل رأس، همهمات الذين يبحثون عن بعضهم كالغرقى، تتردد في كل حي، النظرات الفارغة والكلمات الممزوجة باليأس كلها تشكل لوحة الحياة في صنعاء حينها. 

نحن مازلنا في المشفى الذي يفرغ جيوبنا عبر موظفون يخرجون أيديهم، لعد النقود ثم يعيدونها الى مخبأها، وهم يرددون كلاما يأكل البرد القارس نصفه وأعينهم معلقة نحو الباب خشية أن نهرب.

كل القرارات تبدو كما لو أنها الأخيرة.

الناس يركضون ويسألون عن بعضهم وكأن زلزال وقع للتو، لكنه لم يكن قد حل بالفعل وإنما في الدرب نحو مستقبلنا.

هناك أضواء معلقة بالمشفى لكنها تبدو بعيدة 
وكأنها تريد أن تنطفئ.
كل شيء مظلم.

امرأة تقف على الباب تطلب مني الحديث في أذن صغيرة.
ثمة نور ملفوفا بالأقمشة تحتضنة الطبيبة وتقول
هل لديكم إسم له.
أطلب العون من مملكتي
وأنظر نحو صنعاء من نافذة المشفى الواقع في منتهى الزبيري، مجموعة منازل تدل عليها سُرُج مصفرة لونها وعواء كلاب بالخارج .
أعدت النظر إلى حيث تقف الطبيبة كأن دهرا مر، كأنني عدت سبعين عاما الى يوم قال حاكم صنعاء لإبنه : لماذا الدار كله مضاء
لما لاتجتمعون في غرفة واحدة؟
في تلك الليالي كان الدار الوحيد هو دار الحاكم بينما دور صنعاء كلها في ظلام.

كنت أحس بالتعب ، تعب التاريخ الذي أرى عودته، 
سمعت الصوت مجددا رغم أنها كانت قد صمتت: "هل أسميته " 
نعم
(ضياء )
كنت اهرب بهذا الإسم من تلك اللحظة
من الظلام 
من الماضي 
من الإمام الذي عاد بقوة، حاملا سيفه
ورأس مدينة في يده الأخرى 
معلنا انتصاره
وعلى فمه دم أعرف أصحابه...

----------
نقلا عن صفحة الكاتب على فيسبوك


Create Account



Log In Your Account