الأسوأ عالمياً .. لماذا؟ (1)
السبت 19 أكتوبر ,2019 الساعة: 06:37 مساءً

تجمع تقارير الأمم المتحدة على أن اليمن ” أكبر وأسوأ أزمة إنسانية في العالم” وأفاد برنامج الغذاء العالمي في مارس 2019 أن ” اليمن تواجه أكبر أزمة غذائية في العالم” ويقوم البرنامج المذكور بإطعام أكثر من 10 ملايين شخص شهريًا.

 

وتتحدث التقارير عن 24.1 مليون – ما يقرب من 80 % من عدد السكان – يحتاجون إلى الحماية والمساعدة الإنسانية، بينهم 18.2 مليون من النساء والأطفال و 3.3 مليون نازح و3 ملايين امراة وفتاة معرضات لخطر العنف الجنسي، وأن عدد النساء والفتيات النازحات أكثر من مليون، وحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان هناك 120 ألف امراة وفتاة معرضات للقتل نتيجة أشكال مختلفة من العنف.

 

ووفقًا لمكتب الشؤون الانسانية OCHA فإن هناك ما يقارب ربع السكان يعانون من سوء التغذية الحاد وهناك 230 مديرية من أصل 333 مديرية تواجه خطر المجاعة – يعرف مصطلح المجاعة بأنه المعاناة الشديدة أو الموت الناجم عن نقص الغذاء -.

 

• في حزيران / يونيو 2019 تم تأكيد الحالات الشبيهة بالمجاعة في عشرات الأماكن في جميع أنحاء اليمن من قبل منسق الإغاثة في حالات الطوارئ وكرر: “هناك ما يقدر بـ 24.1 مليون شخص في حاجة ماسة للبقاء على قيد الحياة”.

 

وفي بداية 2019  وفقًا لمقدمي الخدمات الإنسانية اعتبارًا من ديسمبر 2018، كان هناك 3.2 مليون شخص يحتاجون الى علاج سوء التغذية الحاد بما في ذلك أكثر من مليون طفل دون سن الخامسة.

 

• في حزيران / يونيو 2019 لاحظ فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة أن هناك 2.3 مليون في مرحلة المراهقة خارج المدارس منهم 1.3 مليون من الإناث وجُل هؤلاء أصبحوا نهبًا للاضطرابات النفسية والعقلية ووقود للقتال في الخطوط الأمامية للجبهات، وفي الأثناء قتل أكثر من 1500 معلمًا ونظرًا لعدم دفع رواتب المعلمين منذ أكتوبر 2016 تأثرت حوالي 10 آلاف مدرسة وما يقارب من 4 ملايين طفل.

 

وفي آخر تقرير للأمم المتحدة صدر 10 اكتوبر الجاري فإن اليمن يسير نحو تصدر قائمة أفقر بلدان العالم وقال التقرير أن نسبة الفقر في اليمن وصلت الى 75‎%‎ مقارنة بـ 47‎%‎ قبل الحرب.

 

وجاء بالتقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “إذا استمر القتال حتى عام 2022 فسيصنف اليمن كأفقر بلد في العالم ” مشيرًا إلى أن أكثر من أربع سنوات من القتال أعاقت التنمية البشرية لمدة 21عامًا، وموضحًا” لم تتسبب الحرب في جعل اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم وحسب، بل أغرقته في أزمة تنموية مروعة أيضًا”.

 

وورد أيضًا” يعود إرتفاع نسبة الفقر في اليمن إلى عوامل تتعلق بالحرب الدائرة، بما في ذلك انهيار الاقتصاد الذي خسر فيه البلد 89مليار دولار من نشاطه الاقتصادي من عام 2015.

 

وتكاد قائمة الأرقام حول المحن والكارثة الإنسانية المتطاولة في اليمن لا تنتهي، فهي تكبر وتتكاثر  على مدار الساعة، ويجري ربطها بالانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014 والحرب التي استعرت فيما بعد ولازالت مستمرة في كل الجهات والجبهات، حتى أنه لا يوجد مكان آمن للاختباء من القتال – حسب تقرير مجموعة الخبراء التابعين للأمم المتحدة – فالألغام الأرضية التي خلفها الحوثيون تقتل وتشوه الناس والمدافع والرصاص والحصار الاقتصادي والعسكري – كأسلوب قتال – يودي بحياة المئات ومن لم يقتل يتعرض للاحتجاز أو الاعتقال أو الاخفاء أو الاغتصاب، وتتحدث الأرقام عن المئات من ضحايا الألغام والقتلى قنصًا وحرقًا واغتيالًا وغرقًا وعن تفجيرات المنازل والمساجد والأضرحة والطرقات والجسور وعن اغتصاب الأطفال والأمهات والكهول والشيوخ والمهمشين واللاجئين والاغتصاب الفرجي و الشرجي والفموي و “الرقمي” بالأصابع والعصي والأخشاب، وعن ترحيل وتسفير وتهجير وعن مئات من ضحايا قصف الطيران وانتهاكات و فظاعات التحالف “الأعرابي”.

 

تتحدث الأرقام والمعطيات عن كل المليشيات في الداخل – شمال البلاد وجنوبها – ومعها التحالف يخوضون مباريات تنافسية ضارية في استعراض عضلات التوحش والهمجية على شعب منكسر بالحرب ومتخبط بين الخرابات والأطلال والحفر ومثخن بجراحات الحرب والكوليرا وحمى الضنك.

 

كل الأطراف تخوض حرب ” الأرض المحروقة” لتخليف البلاد المستباحة والشعب المغتصب.

 

رأس البلية

الحاصل أن الوضع الانساني الأسوأ في العالم والوضع الغذائي الأكثر سوءًا في الكون ليس وليد الانقلاب الحوثي وحده وما استدعى من تدخل التحالف بقدر ما هو وثيق الصلة بالوضع الاقتصادي الكارثي الذي كان ولازال هو المحرك الأساس للازمة الإنسانية في اليمن و ” حتى قبل اندلاع النزاع – حسب تقرير الخبراء – كان لليمن أدنى ناتج محلي إجمالي للفرد في الشرق الأوسط على مؤشر التنمية البشرية وقد احتل المرتبة الأسوأ أداءً بين الدول في مجالي الصحة والتعليم حيث تراجع من المركز الـ 161 في عام 2014 إلى 178 في العام 2018 – قبل الحرب كانت اليمن تستورد 90 % من طعامها.

 

ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في اليمن فبراير 2019 ” يظل الحد الأدنى لتكاليف سلة الطعام للبقاء على قيد الحياة أعلى بأكثر من 110 في المئة مما كان عليه قبل اندلاع الانقلاب والحرب التي أطاحت بحياة اليمنيين.

 

حدث هذا ويحدث على خلفية ابتلاء اليمن بـ أفسدِ وأحطِّ النخب التي استولت على مقاليد السلطة و”شفطت” ما فوق الأرض وما تحتها وأموال المساعدات والقروض والإغاثات وشيدت القصور وحتى المدن في العواصم الخليجية والعربية والأجنبية لحساب تجريف وإفراغ البلاد من الثروة والسياسة والكفاءة والذكاء الاجتماعي.

 

ليس من فراغ أن تعيش اليمن اليوم إحدى أكبر الأزمات التي عرفتها في تاريخها فهي الأكثر هشاشة بين كافة الدول التي تزلزلت بفعل “الربيع العربي” وانزلقت بسرعة الضوء إلى حرب أحرقت السهل والجبل والبحر والصحراء والواجهات الكرتونية لعمارة السياسة وبقايا الدولة وحولت أشباه المدن والقرى إلى ديار منخولة بالقذائف وخرابات وحواجر كونكريتية ومطبات ومقابر ومعابر مزنرة بالمفخخات و المفخخين وشوارع ملفقة تجوبها الأشباح  و يقعقع فيها السلاح ويسترخي في تجاويفها القناصة والقتلة لقضاء قيلولة ما بعد الحرب وما قبلها وقنص ما تيسر ومن تعثر من البشر.

 

وعلاوةً على ابتلاء اليمن بأفسد منظومة و” نظام سابق” ورَّث للنظام اللاحق أكثر فضلاته عفناً وتطرفًا ورجعية وتخلفًا، فقد كان الابتلاء بلعنة الجوار أشد جورًا وكان لدور “الامبرياليات المحلية” – الإمارات الملتاثة بمتلازمة الجزر أكثرها جموحًا – نصيبًا كبيرًا في تدمير ما هو مدمَّر والاستثمار في المليشيات والعصابات الإجرامية وزيادة الخراب خرابًا.

 

وظهرت الآثار الكارثية للصراع الخليجي واضحة و فادحة في اليمن إذ قامت دول الصراع باحتضان ودعم الجماعات القاعدية والجهادية والاسلامية فلول الأنظمة السابقة للثورات في الشمال والجنوب وفلول الثارات والحروب اللاحقة و عمدت إلى ” رسكلة” – حسب تعبير اخواننا التوانسة – تدوير كل تلك المخلفات والنفايات وتغذية النزعات الكلبية للمليشيات والجماعات العدمية والعبثية ضمن منهجية تقصدت إسقاط الشعب اليمني سهوًا من حساب كل الفاعلين ومن كل حساب في العالم ووضعه تحت رحمة الاحتلالات: الإماراتي، السعودي، الإيراني والأمريكاني بالاعتماد على وكلاء رخيصين و مبتذلين، جاهزين لبيع بلادهم بالجملة والتجزئة وحرمان أهلها من حق التفاوض على شروط وجودهم واخراجهم من دائرة التأثير على مصير بلادهم والدفع بالأمور إلى أقصى درجة من فقدان الدولة والسيادة وتغيير الكيان في مجرى من السيولة العالية الهادفة إلى طمس معالم وعلامات وحدود ومكانة هذا البلد.

 

لقد راهنت ” الامبرياليات المحلية” على أتباعها وجماعاتها الذيلية وعلى الاستعداد الكلبي لتلك الجماعات للانقضاض على المجتمع و تذريره والاستيلاء على السلطة أو فرض ” سلطة الأمر الواقع” في أي مكان وكل مكان ودعمت العبث وجنرالات وأمراء الحرب وعولت على الطارئين من جياع التاريخ والسلطة والسطو وهي تزعم أنها تدخلت لـ دعم الاستقرار وإعادة الشرعية ومحاربة الإرهاب، و اتضح بالكاشف أنها دعمت الاستقرار المحروس بالجماجم والدماء و أكداس الجثث والشتات والضعف الرهيب والرعب في صورته المطلقة.

 

في كل الأحوال أن كل هذا لاينتمي إلى بنية الـ : عجيب / غريب.

 

وللحديث بقية.

-----

ينشر بالإتفاق مع بوابة الصحافة الإنسانية " أنسم "


Create Account



Log In Your Account