لحظة .. ولا تقضموا أظافركم
الثلاثاء 06 مارس ,2018 الساعة: 02:59 مساءً

عندما صدح الفنان الشعبي فيصل علوي برائعته ( منين العافية قادم اذا كان الوجع في الراس ) كان يرمي الى مدلولات بعيدة تتجاوز حدود الفهم السطحي لمعنى المفردة الغنائية الذي يتبادر الى الذهن مع الاستماع العادي للاغنية،وبذلك نقول إنه طالما وقد عشعش الفساد في دهاليز الشرعية والحكومة وبسط ذراعيه في الرأس بكل أريحية في كافة الأرجاء فإن مساحة الأمل في عامل التغيير تخبو وتتناقص.
وفيما أنه من بديهي الأمور المنطقية أن تسأل عن أوجه الفساد والعبث في أي زاوية يكمن، لكنه مع انفلات الوضع وانقلاب الآية فإن التساؤل أكبر من ظاهرة.

دعوني أضع أمامكم نموذج حي جُمعت دقائق معلوماته من مصادر موثوقة بما فيها وزراء وقيادات حكومية حتى لانرسل الكلام على عواهنه لمجرد الكتابة وذم وسب الآخرين لأننا نختلف معهم.

نعلم جميعاً أن مشكلة الكهرباء تكاد تؤرق الجميع وأصبحت هي الشغل الشاغل للناس، ومع اقتراب الصيف تتصاعد حمى الحديث عن خطط الحكومة وما عملت على انجازه من قراراتها التي خبرناها مع مرور الأيام وأيّقنا بأنها مجرد تخدير وذر الرماد في العيون، وأن النيات لحل هذه المشكلة لم تتوفر بعد، وتبدو مشكلة الكهرباء سياسية أكثر منها فنية يضاف لها معضلة الفساد التي وجدت لها مرتعا خصباص.

وأورد لكم نموذجاً للتدليل على حجم اللعب الذي يمارس ضد المواطن.

 

أحد رجال المال والأعمال تقدم الى الحكومة بعرض أقل مايمكن أن يقال عنه أنه أكثر من سخي ومغر ولو أن هناك من يحسن التصرف في الحكومة لقامت بوضع نصب تذكاري لصاحبنا رجل المال والأعمال أو لطبعت صورته على طابع بريدي كأقل تقدير.

المهم تم إيصال هذا التاجر لمقابلة دولة رئيس مجلس الوزراء احمد عبيد بن دغر الذي رحب بعرض رجل المال والأعمال وبعد مشورة المعنيين بأمر الكهرباء، وجه بن دغر أن يدرج عرض ومقترح صاحبنا التاجر في اجتماع الحكومة لمناقشته وإقراره باعتباره مشروع كبير وحيوي.

خلص اجتماع مجلس الوزراء في ذاك الاسبوع ولم يصل الى الفقرة في جدول أعمال الاجتماع الخاصة بهذا العرض، لأن وقت الغداء والقات قد داهم أصحابنا الوزراء وفضوا الاجتماع بعد أن استهلكوا ثلاث ساعات من الهدرة في مواضيع عادية رتبت في جدول الاعمال واحتلت الأولوية.. وأُجل موضوعنا الى الاجتماع القادم.
وفي الاجتماع التالي لم يكن الحال أحسن من سابقه،ويبدو أن ترتيب المواضيع في جدول أعمال مجلس الوزراء يرتب بعناية فائقة لأغراض في نفس يعقوب، وهكذا تم تأجيل البت في الموضوع للمرة الثانية فيما نوقشت مواضيع أقل مايمكن أن يقال عنها مقارنة بموضوع هذا العرض أنها ( تافهة ).
وفي المرة الثالثة وبقدرة قادر شطب المقترح نهائياً من جدول الأعمال، كيف وليش ولماذا؟ مافي جواب، ولم يسأل أو يتساءل أحداً ممن يعرفون بهذا الموضوع ولماذا أُخفي من جدول الأعمال، وحتى اللحظة ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر لم يعد لموضوع هذا المقترح ذكراً مع أن مجلس الوزراء يعقد اجتماعاته أسبوعياً.

ونأتي الى بيت القصيد والمتمثل في مضمون هذا العرض لرجل الأعمال هذا،يتلخص مشروعه في بناء وتنفيذ محطة كهرباء تعمل بالغاز _ ركزوا بالغاز لا بالديزل ولا بالمازوت _ بقدرة الف ومائتين ميجاوات، يعني بما يكفي المحافظات الجنوبية كاملة وزيادة، وبالمواصفات الفنية والتقنية التي تطلبها الحكومة. لحظة اصبروا، ويعطي رجل الأعمال الحكومة فترة سماح ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ تسليم المحطة !
هل في عرض زي هذا يحل لنا مشكلة الكهرباء المتفاقمة؟
وأزيدكم عادنا من الشعر بيت عن سخاء صاحبنا التاجر . امسكوا على قلوبكم من المفاجأة : التاجر اعطى الحكومة فترة سداد لقيمة المحطة من خمسة وعشرين الى ثمانية وعشرين سنة، يعني تسديد بالراحة ولا في الأحلام، تصوروا،، كيف أن لوبي الفساد لعب لعبته، أيش من كلام يمكننا أن نقوله حيال هذا الموضوع؟
وأثناء بحثي عن خفايا هذا الموضوع، قال لي مسؤل كبير اعتذر عن الافصاح بإسمه لأنني لم أستأذن منه قال : وهناك إضافة الى عرض رجل الأعمال هذا، هناك عرض مشابه الى حد ما من مجلس التعاون الخليجي،ولكن مشكلتنا في العقول المتحجرة.

تعرفوا ليش طمس وأُخفي هذان العرضان؟
ابحثوا عن حجم المبالغ التي تنفق مقابل الديزل والمازوت لتشغيل محطات الكهرباء وعن قيمة إيجار الطاقة المشتراة شهرياً، وحينها لن يصيبكم الذهول.

أكثر من مئة مليون دولار شهريا تنفق في محافظة عدن لوحدها فقط لتأمين هذا القدر الضيئل من الكهرباء التي لايتجاوز توليدها 300 ميجا وات.

وعندما نحسب هذه المبالغ سنوياً تصل الى مليار ومئتين مليون دولار ، اضربوها في خمسة وعشرين سنة كحد أدنى لسداد قيمة المحطة / المشروع،لن أقول لكم الرقم ،أنتم طلعوا نتيجته، لكني أود ابلاغكم أن قيمة تلك المحطة حسب العرض أقل بكثير من هذا المبلغ المصروف ناهيك عن ثلاثة أضعاف في الطاقة التوليدية ما بين المحطة حاصل اليوم.

هل بقي من أدلة أفسد من ذلك؟

حقيقة لأكثر من أسبوع ، حين توثقت من هذه المعلومات، وأنا أقضم أظافري حنقا ًوغيضاً.


Create Account



Log In Your Account