إيران تنتصر بسلاح وأموال ودماء العرب!
الخميس 15 أُغسطس ,2019 الساعة: 12:54 مساءً

ماهي احتمالات المستقبل في اليمن بعد ان سيطرت مليشيات جنوبية تتبع مايسمى المجلس الانتقالي والحزام الأمني بقيادة عيدروس الزبيدي ونائبه ابن بريك على العاصمة المؤقتة عدن ، وقد بدا واضحاً ان ذلك تم بتخطيط وأوامر اماراتية وبموافقة السعودية . 

تم إخراج ممثلي الشرعية وسلطة الرئيس هادي من المشهد، وذلك يفرض وقائع جديدة على الأرض.

قبل الخوض في احتمالات المستقبل يتعين علينا فهم السياق العام الذي قاد الى هذا الوضع . 
بعد انقلاب الحوثي واستيلائه على السلطة في صنعاء بدأت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية ، وبناءاً على طلب السلطة اليمانية الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي ، عملية " عاصفة الحزم " في الخامس والعشرين من شهر مارس / اذار عام ٢٠١٥، وبدأت الحملة بضربات جوية مكثفة نفذتها بشكل أساس الطائرات السعودية والإماراتية مع مشاركات رمزية لبعض الدول مثل المغرب .

وفِي الثاني والعشرين من شهر اپريل/ نيسان من نفس العام أعلنت قوات التحالف تحقيق أهدافها بتدمير القوة الرئيسية للحوثيين، وأن عملياتها دخلت مرحلة جديدة تحت مسمى "إعادة الأمل " . 
بغض النظر عما تحقق فعلاً ومالم يتحقق، فإنه من الملاحظ ومنذ لحظة البدء غموض العلاقة بين السلطة الشرعية اليمانية وقوات التحالف العربي التي يفترض بها أن تكون بإمرة القيادة اليمانية، وأن تكون قوة إسناد ودعم على أساس أن الأهداف  الستراتيجية للحملة العسكرية هي أهداف الجانب اليماني التي تتلخص بعبارة "استعادة الشرعية "، وبعكسه فإنها تتحول إلى قوة احتلال إذا انتهجت برنامجاً يتعارض مع هذا الهدف.
الأمر الآخر، هو الطبيعة الهلامية للتحالف الذي تشكل وفقاً لإعلانات الناطق الرسمي باسمها من عدد غير قليل من الدول بدت مواقفها غير متسقة مع موقف التحالف مثل مصر التي فتحت أبوابها أمام الحوثي وظلت تدعو لحل سياسي ينطلق من الأمر الواقع ، كما لم يلاحظ قيام البحرية المصرية، وهي قوة مهمة في البحر الأحمر،بأي نشاط على سبيل المشاركة في الحصار البحري لمنع المعونة الإيرانية من الوصول الى الحوثي. وَمِمَّا ينبغي الالتفات اليه هو التغييب المتعمد - كما يوحي تطور الأحداث حالياً - لتصور ستراتيجي واضح للتدخل وأهدافه المباشرة أو النهائية، مع عدم وجود تقدير زمني واقعي للعملية ؛ هذا الوضع أدى بشكل عام الى إعطاء الإنطباع بأن كلاً من السعودية والإمارات تنفذان حملة عسكرية لتحقيق أهداف تتعلق بخدمة مصالحهما، وهي لا تخلو من أطماع ذات طابع ستراتيجي - تاريخي نجمت عن معطيات جغرافية اليمن ، ولو استعرضنا مجرى العملية بعد عام ٢٠١٥ لرأينا ذلك بكل وضوح.
بعد تحرير عدن وإعلانها عاصمة مؤقتة للبلاد ومقراً لحكومتها توجهت السلطة اليمانية الشرعية لاعادة تأسيس السلطة ومؤسساتها فيها ، لكن مساعيها باءت بالفشل وتعذر على الرئيس هادي العودة والإقامة بشكل دائم من أجل إدارة المناطق المحررة، فقد واصلت كل من السعودية والإمارات تنفيذ عمليات عسكرية تسببت في تدمير البنية التحتية للبلاد بحجة استخدامها من قبل الحوثي لأغراض عسكرية ، كما تم التلكوء في استكمال تحرير بعض الأهداف الحيوية التي بدت في متناول اليد مثل تعز والحديدة رغم أهميتهما الستراتيجية بالنسبة لمستقبل البلاد.
في النطاق الجغرافي الذي وقع تحت سيطرة الامارات بالكامل وهو معظم محافظات الجنوب عدا اجزاء كبيرة من محافظتي حضرموت والمهرة بسبب وجود سعودي مكثف فيهما.
في عدن قامت الامارات بتأسيس مليشيا " الحزام الأمني " التي باشرت بفرض نفسها قوة مهيمنة في المدينة بديلاً عن سلطة الشرعية ، والى الشرق أنشأت مليشيات النخبة الحضرمية ومن بعدها مليشيا النخبة الشبوانية ، وهنالك تقارير دولية تفيد بأن عناصر من القاعدة وداعش وجدت طريقها للإنضمام الى هذه القوات المليشياوية بموجب اتفاق  موله طرفا التحالف ماليا،  وفرضت هذه المليشيات نفسها سلطة بديلة عن قوات الشرعية تحت ذريعة محاربة الإرهاب ، وفِي سقطرى يجري تنفيذ ذات السيناريو مع تلميح إلى أن لهذه الجزيرة صلات قبلية واجتماعية تاريخية مع الامارات.
بلغ تعداد المليشيات الاماراتية في اليمن حوالى خمسين الف عنصر - تقدرها بعض المصادر بتسعين الفاً- لكن الغريب أنها ، باستثناء عدن ، قد أُنشئت في محافظات لم يكن للحوثيين وجود فيها ، ورغم وجود بعض عناصر المرتزقة الأجانب في تكوينها إلا أنها من أبناء اليمن بشكل عام ، فلماذا لم تتم إضافتها الى بنية الجيش الوطني مهما كانت الادأهداف المعلنة من وراء انشائها ؟! 

هذا سؤال لا يفسره غير جواب واحد وهو أنها وجدت من أجل تنفيذ أجندة اماراتية وليست يمانية ، وأهداف الامارات واضحة وهي ذاتها السائدة على موقف الامارات في كل الإقليم من منطقة قناة السويس الى مضيق هرمز مروراً بضفتي البحر الأحمر وسواحل اليمن وعمان المطلة على بحر العرب: منع قيام أي ميناء قادر على منافسة موانئ الامارات ذاتها، وإعاقة قيام سلطات وطنية مستقرة في أي من دول الإقليم كلما كان ذلك متاحاً.
قدر تعلق الأمر باليمن، يعتقد البعض أن عداء السعودية والإمارات لقوى ثورة ١١ شباط / فبراير ٢٠١١ بسبب طابعها الديمقراطي ووجود قوى إسلامية تتصدر مشهدها ، وخاصة حزب التجمع اليمني للإصلاح ، هو السبب الكامن وراء السعي لتكييف الأوضاع بالشكل الذي يؤدي الى زعزعة استقرار حكومة هادي التي أنتجتها الثورة كنوع من الحل التوافقي الذي يحظى بقبول يمني شعبي عام، لكن السياق العام للأحداث يوحي بتفسير آخر مفاده أن طرفي التحاف الفاعلين على الأرض ، السعودية والإمارات ، تحركتا منذ بدء الحرب نحو تحقيق هدف آخر له جذور تاريخية يتمثل في اعاقة قيام دولة يمانية مستقرة وقوية من خلال العودة الى تقسيم اليمن وخلق مراكز قوى متعددة في محافظات اليمن الجنوبية التي تحول دون تأسيس سلطة شرعية قوية وموحدة فيها لاتخاذها مرتكزاً وقاعدة للإنطلاق نحو الشمال باتجاه صنعاء وانها الانقلاب الحوثي؛ تبعاً لذلك فإنه من غير المستبعد أن ينتهي المشهد بتسوية مع ايران تعترف بدورها في الجزء الشمالي من اليمن .

وفقاً لصحيفة واشنطن پوست فإن تلك الصفحة قد بدأت فعلاً بانسحاب الامارات وترك مناطق نفوذها بأيدي مليشيات أسستها وتقوم بتمويلها ، وكانت أولى بوادر نشاطها هو طرد الحكومة الشرعية من عدن المدينة الوحيدة التي شهدت لفترة محدودة وجوداً للشرعية على الأرض.
بلغت تكاليف الحرب بالنسبة للسعودية حتى الآن وفق أفضل التقديرات حوالى ٧٢٥ مليار دولار ، وربما تجاوزت مائة مليار بالنسبة للامارات ، وهما الطرفان الوحيدان المنغمسان في عمليات التحالف الى جانب السودان الذي اكتفى بتقديم حوالى ثلاثين الف مقاتل توزعوا على الجبهات التي تشغلها السعودية والإمارات وتحملتا نفقاتهم .
ماذا كان سيحصل لو أن جزءاً من هذه الأموال قد تم إنفاقه على برامج تنمية حقيقية في اليمن ، أو لو تم انفاق ماهو أقل بكثير منها لو تم قبول اليمن عضواً في مجلس التعاون الخليجي لتسهيل اندماجه بشكل كامل وعملي في الاطار العام لنموذج الحياة السائد في مجتمعات مجلس التعاون ..
كم من الفرص كانت ستجدها ايران مفتوحة أمامها لو تم الانفاق على ذلك بدلاً من إنفاقها على تدمير اليمن وسحق بنيته التحتية الضعيفة أصلاً ؟!!
اياً كانت المحصلة النهائية للأحداث فمن الواضح من خلال المعطيات المتوفرة أن بقاء الحوثي قوة عسكرية - سياسية معترف بها في اليمن بات أمراً مؤكداً خاصة وأنه قد حظي بالاعتراف الأممي من خلال المفاوضات التي قادتها الأمم المتحدة وآخرها جولة ستوكهولم.
 
هنا يتعين علينا ان نسأل من الخاسر ومن الرابح؛ لاشك أبداً في أنها ايران التي زرعت الحوثي هنالك وحولته من قوة قبلية منزوية في صعدة الى طرف سياسي رئيسي في صنعاء ولم يعد تخطيه ممكناً، وبدت كل النفقات التي بذلت والتضحيات بالدماء التي سفكت وكأنها قد كُرست منذ اللحظة الأولى لانطلاق عمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل نحو تكريس ذلك وفرضه كحقيقة واقعة على الأرض ، رغم أن الحوثي لايمثل بتوجهه المذهبي الطائفي أية نسبة سكانية ذات بال حتى في أوساط اتباع المذهب الزيدي في البلاد ؛ بدت وكأنها عملية إهداء وتبرع بثلث سكان اليمن ليكونوا تحت زعامة الحوثي وفرضه لنفسه ممثلاً عنهم شاء من شاء وابى من ابى .. ألا يحق لنا بعدها أن نقول ان ايران تنتصر بدمائنا وأموالنا وسلاحنا ؟!!
------------
كاتب ودبلوماسي عراقي
نقلا عن موقع كتابات


Create Account



Log In Your Account