التشكيلي اليمني مُحمد العسلي: تستهويني الثقافة اللونية والحروفيات تمنحني الحرية
الجمعة 12 يوليو ,2019 الساعة: 07:40 مساءً
القدس العربي

استطاع الفنان التشكيلي والخطاط اليمني مُحمد العسلي (1984) أن يحدد خط سير لوحته منذ وقت مبكر؛ فعقب أول معارضه الشخصية أدهشته تجربته على صعيد تداخل ألوان الحروف مع الرسم؛ فانجذب للحروفيات بجانب تجربته مع الرسم والخط… فنظم خمسة معارض شخصية (2009-2015) عكست مستوى تطور لوحته، وخلالها نال الإجازة العالمية في فن الخط العربي من جامعة أرسيكا التركية.

 

الألوان الأشراقية

يلحظ المتابع للوحاته الخطية والحروفية والتشكيلية عموماً، ميلاً نحو الألوان الإشرافية وتقديم رؤى جمالية لأفكار مضيئة؛ ففي الرسم الذي يشتغل فيه بالألوان الزيتية والأكريليك والمائية على خامات مختلفة، قدّم لوحات اقتربت من المكان، وعبّرت في مضمونها عن رؤى ومواقف للفنان عن علاقة المكان بالزمان والتاريخ، كلوحاته عن مدينة تعز وغيرها، التي قدمها جميعاً بألوان طغى عليها الأحمر والأزرق والأصفر والأخضر؛ وهي ألوان تُشُع بريقاً يؤكد مدى شغف هذا الفنان بالضوء والخيال اللوني، إن جازت التسمية. ففي ذات الألوان اشتغل على لوحات الحروفيات التي تعكس مستوى مختلفاً لتجربته في علاقتها بالرسم والخط في آن؛ وهي التجربة التي تقدم نفسها بشكل أكثر وضوحاً في اشتغالاته على فضاءات الألوان في سماوات الحروف، وتحديداً في الرسم الحروفي القرآني؛ وهي مساحة اشتغل عليها بعناية خيالية مكنته من تقديم أعمال تمنح أكثر من قراءة للتجربة.

 

بالاطلاع على تجربته في فن الخط العربي نلحظ اهتمامًه الكبير بها، من خلال غزارة الأعمال التي قدمها في هذه التجربة؛ وهذا واقع طبيعي، إذ شكل هذا الجانب مجال دراسة استغرقت منه في تركيا ثلاث سنوات حتى نال الإجازة العالمية، كما تلقى هذا الأعمال قبولاً واهتماماً، علاوة على ما تتيحه للفنان من قدرة على اكتشاف ذاته الجمالية مع كل لوحة ينجزها؛ والتي تفتح شهيته لعمل آخر… وعلى ما في تقنية إنجاز أعمال الخط العربي من صعوبة تستدعي وقتاً ومراحل وتجارب، بالإضافة إلى ما تحتاجه من هدوء وصبر، وهو ما اكتسبه الفنان خلال دراسته في تركيا التي يقيم فيها حالياً، إلا أنه صار يتعامل معها ببراعة ومهارة وحب، وهو ما يعكسه جمالها الإبداعي في تقاسيمها وتداخلاتها، وقبل هذا وذاك نجده يتحدث عن علاقته بفن الخط بحميمية باعتبارها هواية وموهبة رافقته منذ الصغر.

 

بداية ومعارض

تعود بداية تجربته مع الخط العربي إلى طفولته، وهنا ينوه بتشجيع الأسرة له وصولاً إلى اختياره الدراسة في تخصص تربية فنية جامعة إب/ وسط اليمن.

 

يقول: «عقب تخرجي في الجامعة قررتُ تنظيم معرضي الشخصي الأول، وأن أمزج فيه بين تجربتي في الرسم والخط، ورأيتُ أن استخدم فيه بشكل كلي خامات طبيعية، فقدمتُ أعمالي على لوحات من الجلد الطبيعي مستخدماً ألوانا من مواد طبيعية كالأتربة والورود والزهور وغيرها، ونظمته بعنوان «بوح الطبيعة، وعرضتُ فيه عام 2009 حوالي 28 لوحة في مجالي الخط والرسم، واستهوتني حينها تداخلات الحروف اللونية في مجال الخط، فجذبتني لعالم الحروفيات".

 

ويضيف: "عقب المعرض الأول شاركتُ في عشرات الفعاليات، وتوليتُ مهام مدير بيت الفن في مدينة تعز (جنوب غرب)، في 2012 لمده عامين، ونسقتُ الكثير من المعارض والفعاليات داخل اليمن وخارجه وصولاً لتركيا، من خلال تنظيم معرضي الشخصي الثاني بعنوان «حروفيات قرآنية» في قاعة جمعية الحكمة الدولية في إسطنبول، وخلال تنظيم المعرض تقدمت هناك بطلب لدراسة فن الخط العربي، ونيل الإجازة من جامعة أرسيكا، وعن عودتي لليمن نظمت معرضي الشخصي الثالث؛ وهو عبارة عن لوحات حروفية مستوحاة من أغاني الشاعر الغنائي الراحل عبدالله عبد الوهاب (الفضول)، وعقب مجيء الموافقة من إسطنبول بقبولي للدارسة، سافرتُ لدراسة فن الخط العربي لمدة ثلاث سنوات، نلتُ بعدها الإجازة العالمية وهي أكبر درجه يمكن أن يحصل عليها الخطاط في مجال الخط العربي على مستوى العالم، وخلالها نظمت معرضي الشخصي الرابع في مدينة تعز عن المدينة نفسها، فيما نظمت معرضي الخامس في إسطنبول عن مدينة إسطنبول نفسها».

 

التقنية والموضوع

المتتبع لتجربة العسلي سيلاحظ أن علاقته التقنية والموضوعية بلوحته في الرسم والحروفيات والخط، مرتْ بمراحل اكتسبَ خلالها مهارات وقدرات تطورت معها إمكاناته، خاصة علاقته بالتقنية والرؤية، وبشكل يميزه عن زملائه من جيل الفنانين الشباب في المحترف اليمني.

 

كما لم يؤثر تنوع التجربة على قدراتها؛ فقد استطاع الفنان العسلي المواءمة والاشتغال بشكل واع منذ البداية على مجالات تجربته، فحقق خلال سنوات قليلة حضوراً وتميزاً يؤكد خصوصية لوحته التي تسير بخطى واثقة نحو مستقبلها كفنان شاب.

 

الحروفيات والحرية

على الرغم من تميز تجربته الخطية باعتبارها موهبة رافقت تجربته مع الرسم؛ التي عكسها بوضوح في معرضه الأول، حيث تجلى الرسم والخط في أعماله الأولى؛ وهي التجربة التي اكتشف فيها جمال عالم الحروفيات؛ فكرس له معرضه الثاني.. وهكذا مضت تجربته بوعي إلى حيث يريد، مستثمراً قدرات ثقافته اللونية التي ساعدته على تقديم لوحة مختلفة تُعبر عنه وحده، سواء في الرسم أو في الرسم والحروفيات، أو في الخط العربي…

 

يقول: "أنا في الأصل رسام يستهويه الخط بسبب الثقافة اللونية الموجودة فيه، وتدهشه عوالم الحروفيات، حيث أعجبني فيها ما تمنحه للفنان من سماوات لونية يشعر معها أنه يحلق في ملكوت الفضاء الجمالي. أشعرُ مع الحروفيات بأن اللوحة ليست مجرد إطار حروفي، بل هي عالم من الجمال امتلك فيه قدراً أكبر من حرية الحركة… بينما الرسم في مدارسه كلها لا يمنحني تلك المساحة من الحرية، حيث أشعر فيه بمحدودية مساحة الخطاب، بينما الحروفيات تتيح ما يتجاوز إطار اللوحة إلى مساحة لونية وكونية غير محدودة".

 

«ولهذا أجد نفسي في الحروفيات وفي الخط الكلاسيكي القديم، وكذلك في الرسم ففي الرسم جزء مني، بل إنني أجد نفسي حاضراً أكثر في الحروفيات وفي الرسم الحديث، بما يتيحه من حرية تامة، وفي الخط أيضًا؛ أنا أحب القواعد كأساسيات، لكنني في ما بعد أتجاوز القواعد». يضيف العسلي، الذي درس في تركيا خطي النسخ والثلث، واستطاع أن يمتلك مهارات إجادة فن الخط العربي بما يستدعيه من صبر ومهارة ودقة وجمال وإتقان أصوله وقواعده.

 

ويتابع موضحاً: «يحتاج الخطاط لسنوات من الدراسة والمران ليصبح خطاطاً.. الخطاط صبر وهدوء يرافق إنجاز اللوحة التي تمر بمراحل تستغرق أياماً وصولاً إلى التنظيف والزخرفة وغيرها من المراحل، التي يجب على الخطاط أن يتقنها ويعي عوالمها الجمالية واللونية والخطية».

 

حروفيات السلام

يعمل الفنان العسلي، حالياً على معرض بعنوان «حروفيات السلام»؛ وهو معرض، كما يقول: «يندرج في إطار الفن من أجل السلام، ويعالجُ عدداً من موضوعات الحرب في اليمن، وسأنظمه في إسطنبول ومن ثم في الدوحة وصولاً إلى باريس؛ وهو معرض شخصي».

 

يضيف، «هي تجربة تتميز بالحداثة التعبيرية والجمالية الحروفية في توظيف الرسم… والهدف من ذلك هو تعريف العالم بما يعانيه المواطن اليمني جراء الحرب؛ وهو معرض لا ينحاز لطرف من أطراف الحرب، بقدر ما ينحاز لمعاناة الناس وحاجتهم للسلام. سأنقلُ صورة من معاناة ضحايا الحرب في بلدي للعالم».

 

أمضى مُحمد أربع سنوات خارج بلاده، منذ بدء الحرب، لكنه استطاع أن يزور اليمن خلال عام 2017، وأمضى في تعز سبعة شهور، هاله خلالها ما أوصلت إليه الحرب بلاده، لدرجة كان يعجز عن التنقل داخل إطار محافظته خوفاً على سلامته؛ لكنه بقي كل يوم يعيش فصلاً من فصول معاناة أبناء بلاده؛ فقرر أن يخصص معرضه المقبل لهذه المعاناة ويقدمها للعالم؛ وهو معرض يضم أربعين عملاً، كل عمل يجسد رسالة إنسانية عن معاناة الحرب، انطلاقاً مما لمسه من معاناة الناس خلال زيارته؛ فوضَعَ الاسكتشات هناك ونفذها عند عودته لإسطنبول، «إذ يجب على كل فنان ومبدع يمني أن يعمل شيئاً لوطنه، ولابد هذا الشيء يخدم السلام ويضغط باتجاه إيقاف الحرب مهما كانت المبررات.. فإيقاف الحرب أولوية!»، يقول مُحمد لـ«القدس العربي».


Create Account



Log In Your Account