لماذا تتغيب الكرة النسائية العربية دوما عن نهائيات كأس العالم؟
الإثنين 10 يونيو ,2019 الساعة: 05:38 مساءً

نجحت المرأة العربية في اقتحام العديد من الألعاب الرياضية التي ظلت إلى عهد قريب حكرا على الرجل بينها كرة القدم. وتنظم بطولات في اللعبة في عدد من الدول العربية على غرار بطولات الرجال، والتي كانت فرصة بالنسبة للكثير من اللاعبات لإبراز مهاراتهن واللعب في منتخبات بلدانهن بل والاحتراف في نواد أوروبية.

 

لكن لم تنجح حتى الآن أي من هذه المنتخبات في بلوغ نهائيات كأس العالم التي تنظم منذ 1991. واقتصرت مشاركاتها على المنافسات القارية سواء كأس الأمم الأفريقية من خلال أربعة منتخبات، وهي الجزائر، تونس، مصر والمغرب، فيما كانت الأردن المنتخب العربي الوحيد الذي مثل العرب في كأس أمم آسيا للسيدات في 2014.

 

تواضع البطولات

يأتي على رأس الأسباب، التي تعرقل تطوير كرة القدم النسائية العربية، تواضع مستوى البطولات التي تنظم من قبل اتحادات الكرة التقليدية في غياب مؤسسات نسوية تشرف على اللعبة بالبلدان العربية. وتحاول هذه الرياضة في ظل هذا الوضع أن تفرض نفسها إلى جانب رياضات أخرى، تفوقت فيها المرأة العربية في أكبر التظاهرات القارية والدولية كألعاب القوى وكرة اليد وغيرها.

 

فالبطولات النسائية لم تصل بعد إلى مستوى الاحتراف، وتمارس اليوم كهواية ليس إلا. وتعتبر البطولة الجزائرية في كرة القدم النسائية من أهم البطولات في المنطقة المغاربية والعربية، من حيث مستوى أداء الأندية المشاركة فيها، حسب الرئيسة السابقة لرابطة كرة القدم النسائية التونسية فاطمة الشعري الفراتي.

 

كما أن غياب منافسات أفريقية أو عربية بين الفرق لا يساعد الأندية النسائية المنشطة للدورات العربية على تحسين مستواها، حسب رأي مدربة المنتخب الجزائري أقل من 20 سنة نعيمة العوادي، التي استغربت في حديث لفرانس24 عدم مناقشة قضايا الكرة النسائية على المستوى الأفريقي.

 

وأنجبت البطولات النسائية العربية لاعبات كبيرات استطعن أن يفرضن أنفسهن في أندية أوروبية كاللاعبة التونسية مريم حويج، التي تلعب لصالح بطل الدوري التركي أتاشيهير، حسب ما جاء في تصريحات الرئيسة السابقة للرابطة التونسية لكرة القدم فاطمة الشعري الفراتي لفرانس24، لافتة إلى أنه توجد لاعبات عربيات على مستوى عال، رغم المشاكل التي تعترض مشوارهن الكروي.

 

غياب الإمكانيات

وتعاني الأندية النسائية في كرة القدم بالدول العربية من نقص كبير في الإمكانيات. المدربة المغربية فدوى شرنان، تحدثت عن "دعم مالي هزيل جدا تتلقاه الفرق النسائية..."، لا يساعدها على تطوير نفسها ويحرم اللاعبات من الاستقرار المادي.

 

"الموهبة موجودة، لكنها لا تصنع لوحدها لاعبة عالمية. من الضروري توفير الإمكانيات المادية للنوادي"، تؤكد من جهتها العوادي، وهي أيضا كادر فني في المدرسة الوحيدة التي تهتم بكرة القدم النسائية في الجزائر العاصمة "نادي اتحاد أمل الشراقة"، باعتبار النوادي المنتج الأول للاعبات اللواتي بإمكانهن تطعيم المنتخبات العربية.

 

وليس بالأمر المستحيل، بالنسبة للعوادي التي لعبت لنواد أوروبية من 1992 حتى 2006، بلوغ أحد المنتخبات النسائية العربية لنهائيات كأس العالم يوما ما، إلا أن ذلك يستلزم، بحسبها، "اهتمام الدول العربية بهذه الرياضة، وهذا لا يتم إلا بنقل البطولات المحلية إلى الاحتراف. فلا يعقل أن لاعبة في المنتخب لا تتقاضى راتبا شهريا"، تتأسف لاعبة نادي فرانكفورت الألماني السابقة.

 

النظرة الذكورية للعبة

عامل آخر له دوره في تدني مستوى كرة القدم النسائية في العالم العربي حسب رياضياته وهو النظرة الذكورية للعبة. فالمدربة المغربية فدوى شرنان، أثارت في حديثها لفرانس24 الصعوبات التي تواجهها الأندية النسائية حتى مع بعض أسر اللاعبات في البداية لإقناعها بالسماح لبناتها بممارسة هذه الرياضة.

 

والموقف الذكوري من تعاطي المرأة للرياضة بما فيها كرة القدم، "هو امتداد طبيعي لموقف تاريخي وثقافي وحتى نفسي من المرأة" في مجتمعاتنا العربية، وفق قراءة الدكتور المغربي سعيد جعفر المختص في علم الاجتماع والفلسفة، كما أنه "حلقة طبيعية ضمن مسلسل النظرة الذكورية للمرأة. فالمعلوم أن الفضاء العام في شبه الجزيرة العربية، والمقصود به الصحراء والقبيلة والسوق ومجال الهجرات عبر القوافل التي ينطلق منها أغلب ساكنة المجتمعات العربية الحالية، كان حكرا على الرجال دون النساء لأسباب مرتبطة بالشرف والرجولة، وتعزز هذا التوجه بتكييف الإسلام لاحقا مع مقتضيات وضوابط الواقع القبلي والصحراوي، وهو ما سيتحول إلى قاعدة في التعامل مع المرأة منتجا معادلة وقانونا خاصا لعلاقة المرأة بالرجل في المجتمع الشرقي. مضمون هذا "القانون" هو التالي: المرأة للبيت وللرجل ما هو خارج البيت، مما أنتج معه قياسا للحرية وحدد مساحاتها وهوامشها بالنسبة للمرأة".

 

ويؤكد جعفر في حديث لفرانس24 أن وضعية المرأة عموما، ومنها المرأة الرياضية والمحبة والمشجعة للرياضية، "مؤطرة بترسبات تاريخية حضارية وثقافية ذهنية ونفسية حتى، ومؤطرة سياسيا من خلال توظيف السياسيين لهذا الواقع التاريخي والحضاري في الحكم عبر تغذيته وتشجيعه لمواجهة موجات التحديث والتحولات المجتمعية، التي تمس الأجيال الجديدة ومنها الشباب والنساء".

 

"وعلى خلاف بعض القراءات التي تذهب إلى أن المجتمعات العربية فشلت في كسر هذه النظرة الضيقة للمرأة مما يضعف إسهامها في التنمية والبناء"، يلفت الباحث المغربي إلى أن "هاته القراءات ربما تعوزها الدقة أو التتبع. فقد أثبتت التجربة الميدانية أن حضور المرأة العاملة في ميدان الإنتاج الاقتصادي الصناعي والخدماتي خصوصا أصبح مؤثرا بل وحاسما، وبدون شك فولوج المرأة لقطاعات تعتمد على الجسد ومواهبه كالغناء والرقص والتمثيل، أصبح واقعا حقيقيا، ويكشف عن تحولات عميقة تمس بنيات المجتمع وذهنيات أفراده. وبطبيعة الحال، فدور التقاطع بالعالم الغربي في المرحلة فكريا وتقنيا واللقاء به افتراضيا عبر وسائط التواصل الاجتماعي، سيعزز لاحقا هذا التحرر".

 

ويقدم الباحث المغربي اقتحام البعض من النساء لمدرجات ملاعب كرة القدم كمثال في بداية اختراق المرأة للفضاءات الكروية العامة، إذ "تتشكل الإلترات المشجعة لفرق كرة القدم المغربية ولا سيما الوداد والرجاء البيضاويين من عدد من الإناث يشرفن على إعداد "التيفوات" والشعارات، ورغم أن عددهن قليل مقارنة بأعداد الذكور، فإنه مؤشر أولي ومشجع على اختراق هذه القوالب التاريخية الجامدة في محاولة لتحديثها وتفكيكها ولو في مستوى محدود".

 

غياب الإرادة السياسية

الاهتمام بالرياضة النسائية بما فيها كرة القدم في الدول العربية، يكون في عدد من الحالات بهدف تجميلي لوجه حكومات معينة أمام أنظار الغرب. وتغيب فيه حسن النية والجدية اللازمة لنجاحه كمشروع يهم النصف الآخر من المجتمع أي المرأة.

 

وتؤكد الشعري الفراتي، التي تشغل اليوم منصب رئيسة جمعية آفاق الرياضية التونسية التي تعني بجميع الرياضات النسوية وعلى رأسها كرة القدم أن: "جل البلدان العربية تهتم بكرة القدم النسوية، فقط لإيهام الرأي العام الخارجي على أنها تولي أهمية خاصة للقطاعات الرياضية النسوية بما فيها كرة القدم".

 

والعمل على تجاوز هذه النظرة الذكورية للمرأة الرياضية في العالم العربي، هي معركة لا تخص المرأة لوحدها. فهي "مهمة تاريخية تخص المرأة والرجل" على السواء، يشدد سعيد جعفر وهو أيضا دكتور في التواصل السياسي، "وتهم بشكل أكبر المثقفين ومؤسسات الوساطة كالأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمنظمات الأهلية".

 

وإن كان جعفر لا يخفي "أن التركيز على المدرسة والمقررات الدراسية سيكون حاسما في التهيئة الذهنية والنفسية والفكرية لإحداث تغييرات في التعامل مع المرأة ومع الحرية ومع الفضاء العام بما فيه الملاعب والنوادي والصالات الرياضية"، إلا أنه يشدد في الوقت نفسه "على دور فلسفات وعقائد أنظمة الحكم في تصورها للحرية وللفضاء العام، فكلما كان هناك استعداد للتحديث والدمقرطة كلما كانت هناك حظوظ أكبر لتحرير المرأة ونجاحها في كل المجالات بما فيها المجال الرياضي ممارسة وتشجيعا... وبناء عليه فالمعركة الثقافية والقانونية لا تزال طويلة، وتحتاج نفسا طويلا".

 

المصدر: فرانس 24


Create Account



Log In Your Account