من ليالي الخلود
الثلاثاء 28 مايو ,2019 الساعة: 02:06 مساءً

ليلة القدر ليست ليلة مثل سائر الليالي، فهي لحظة مكثفة بالروح وليلة تحتوي الليالي وتختزل أزمان، حتى تبدو بجوهرها سرمدية أبدية تنتمي إلى الخلود.

وألف شهر ، هنا، تقريب للمتلقي بم يحسه ويشعر به من الأيام والليالي والشهور الجارية.

لتصل الرسالة إليه بأن ليلة القدر هذه قطعة من الزمن الذي لا يبلى  والخلود الذي لا ينتهي أو يمر.


الزوال والفناء من خاصية الزمن الذي نحن فيه ويمر علينا في الدنيا كغمامة على أجنحة الريح ....
طال أم قصر، فهو لمحة أو لحظة تكاد تنطق باللاشيئ وبصور العمر الزائل والوقت الهارب الذي يتحول إلى حالة وهم لشدة دورانه وتسربه.

لتأتي ليلة القدر بمعنى يربح فيه الإنسان عمره الشارد بليلة لا تعرف الشرود ولحظة لا تهرب من بين يديك، بل تحفك أجنحتها إلى النور حيث منزلة الخلود والربح التام ومشارف النعيم الباقي والزمن الذي لا يزول.

يقول( سعيد النورسي ) لا للذة مع الزوال والزوال ما هو الا شرود الزمن حيث تتحول السنوات الطوال يوم أو بعض يوم، فتضغط سرعتها إلى حد تهشيم كل الأشياء من ملك وامتلاك ولذة وتكسير كل متعة وذرها في رماد الأيام الشاردة المليئة بالأسى والحسرة والدموع على ما كان 
لتأتي ليلة القدر هنا تخاطب الوجدان بما يناقض شرود الزمن وهروب الأيام وذوبان العمر، حيث تتحول اللحظة الى أعمار والليلة إلى أزمنة محملة بالأرباح الخالدة، إلى ما لامتناهي من الليالي والأيام.


ألف شهر.... جملة تقريبية لثبوت الزمن وديمومته، حيث يسحب هذا الشيك الزمني من دار الفناء على رصيد بنك الآخرة الخالدة و التي تتميز بميزة إقامة الزمن وثباته ليصحبه بالضرورة إقامة النعيم (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )

ليتحول بالخلود كل شيء إلى شيء ذا قيمة ولذة ومعنى، فالخلود جوهر الروح و مبتغاه وأصل النعيم وحامله.

لتصبح ليلة القدر بهذا نافذة من نوافذ الجنة وباب إلى الخلود ومسار متصل مع الروح، وإليه حيث تتنزل الملائكة وتصافح الروح وتعانق الأرواح، الأرواح وينزل الله إلى السماء السابعة بجلال يليق بربوبيته.

إنها جائزة المولى وهديته إلى الإنسان الذي يهيم في الأرض، محملا على ظهره أشجان محب وحنين مغترب عن الديار، مثخن بالطين ونوازعه وغربة الروح وشوارده. 

ليلة القدر فرصة تقربنا إلى حقيقة علاقة الإنسان بالروح الذي تعشق الخلود ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ)

ليلة القدر هي ليلة من ليالي الخلود 
ومن لحظات الروح التي لا تفهم إلا بلغة الروح
وللروح مسارب ارتقاء ومنافذ نور 
وتبدأ بمنفذان :

التأمل والقرآن 
التفكر والذكر 
في رحلة سفر عميقة في الكون و النفس 
على طريق عودة الروح المغتربة.


Create Account



Log In Your Account