كيف أصبح غريفيث كابتن هنس آخر، هدفه ميناء الصليف ولماذا تعمل الإمارات على تعطيل سواحل تعز المغرية؟ (تحليل خاص)
الجمعة 17 مايو ,2019 الساعة: 02:54 صباحاً
برهان الصهيبي

في يونيو 2017 تم اعتماد بريطانيا كمركز رئيسي لتحالف المحيطات والذي يعد أكبر اتفاق تشغيلي بين شركات النقل البحري، ويستخدم الممر التجاري بين آسيا وأروبا.

 

تحيي بريطانيا، مملكة البحار، شغفها بالموانئ، ففي الماضي تركت ميناء عدن بقرار جلالة الملكة بالاستغناء عن عدن والمحميات في ال30 من نوفمبر 1967م حيث كانت تدرك أن عدن لم تعد مناسبة كميناء يلائم مستقبل الملاحة لجيل السفن العملاقة التي تتحكم قناة السويس في مواصفات بنائها، فقد كانت قناة السويس بعمق 18 مترا، فيما عمق ميناء الزيت في عدن لايتجاوز 11مترا، وبقية أعماق الميناء تتراوح بين ال11- 15 مترا مايعني أن أقصى غاطس آمن، للسفن التي يستقيلها الميناء  لا يتجاوز ال 10 أمتار.

 

بالإضافة الى ذلك فإن طبيعة قعر الميناء المكون من صخور بركانية صلبة، تصعب عملية تأهيله بعمق يناسب استقبال جيل السفن التجارية الكبيرة في المستقبل الذي نعيشه الآن، الأمر الذي أدركته بريطانيا وقتها، وجعلها تستغني عن ميناء عدن الذي كان السبب في إحتلالها للجنوب لإنتهاء أهميته، وبالتأكيد فقد لعبت ظروفها الخاصة الناجمة عن الحرب العالمية الثانية وحركة الكفاح المسلح في الجنوب دورا في عزوفها عن البقاء في عدن، لكنها ظلت محافظة على هونج كونج حسب اتفاقية انتهت في 1997م.

إشعال الحرب وإخفاء أهمية سواحل تعز

عام 2008م أنجزت شركة هولندية الجزيرة الصناعية بدبي المسماه جزيرة النخلة والتي زادت مساحات سواحل دبي بمقدار،112 كيلو متر وهو طول سواحل تعز بالضبط: من باب المندب حتى حدود الحديدة تماما، مع ميزة هذا الساحل التعزي بهدوء الأمواج وإمكانية عمل موانئ صناعية عديدة بسهوله ويسر، وهذا ما فتح شهية دولية للسيطرة على هذا الساحل.

 

وهو أيضا، يفسر اهتمام الشركات، متعددة الجنسيات، التي تحكم العالم والتي أدخلت اليمن في أتون حرب، دعمتها عبر وكلائها في الخليج، حماية لاستثماراتها الطويلة المدى من الإنهيار المفاجئ، والتدرج في نقل استثماراتها عبر إبعاد الأطماع الدولية، التي يمكن أن تستثمر بسهولة وخلال فترة زمنية قصيرة في سواحل تعز ذات الموقع المثالي للإستثمار ويغري الشركات الدولية من الدرجتين الثانية والثالثة.

 

لهذا حرصت الإمبراطوريات المالية على إخفاء أهمية هذا الساحل، الذي يبدو عادياً، وليس به ميناء ظاهر يثير انتباه أصحاب الأرض، فدعمت الحرب بقوة وتم تشريد أدوات الدولة، ليبقى الساحل، الكنز، مخفياً الى حين الرغبة في استثماره.

 

وعن طريق إزالة الأدوات الشرعية التي يمكن من خلالها تنفيذ عقود تأجير الأرض للشركات الدولية من الدرجة الثانية والثالثة والتي يمكنها أن تستثمر في إنشاء موانئ اصطناعية سهلة ،حال استقرار هذا الساحل الكنز، المختفي حتى عن الحس السياسي الهزيل لمسمى المسؤلين السياسيين لليمن، والمختارين بعناية، والذين أغدقت عليهم العطايا وإغراقهم في ثراء، أبعدهم عن الإحساس بالمسؤولية وأغناهم عن وجع التفكير بالبلد وإمكاناتها.

 

وفي الوقت ذاته، أغرقت الداخل في حرب وأموال يستحيل معها نهوض رافعة وطنية من أوساط المجتمع، تحقق تطلعات اليمنين في استثمار إمكانيات البلد وموقعه الجيوستراتيجي الخطير.

 

الإمبراطوريات المالية التي تمارس إلهاء الساسة، قصيري النظر ، وعديمي المسؤولية غير المدركين لكنز الساحل التعزي المخفي عن عيون هؤلاء الذين يفتقدون لحس المسؤولية الوطنية، و يساعدون كثيراً في تجذير الإحتلال الجديد للبلد، أستغلت هذا الحال ومضت في مخططاتها.

 

وقد وجدت في هؤلاء رخاوة وعدمية ملائمة لأطماعها، لم تكن تتوقعها، في إدراك مقدرات البلد المتوارية عن الأنظار، لايمكن إخفاءها عن نظر سياسي متوسط الذكاء.

 

ما وراء الحديدة.. ميناء الصليف الواعد، جائزة تحالف المحيطات البريطاني

لكنها، هذه المرة، وجدت نفسها في مواجهة الواقع الظاهر في الحديدة، من خلال مشاهد تنفيذ ما يسمى اتفاق استوكهولم الممسرح، والقصد ليس ميناء الحديدة كما يذهب إليه البعض، فهو كميناء عدن، إمكانياته الطبيعية متواضعة للإستثمار، وكميناء طبيعي، يصعب تعميق غاطسه.

 

لكن ضرورات التعمية والإلهاء، تدفع إمبراطوريات استثمار الموانئ لإخفاء أهدافها، وجعلت المفاوضات تبدو انسانية وأدخلت صوامع الغلال كورقة ضغط ظاهرة، رغم أنه يمكن حمايتها، كما حدث في صوامع غلال عدن، كذلك صوامع ومطاحن البحر الأحمر الواقعة تحت سيطرة قوات الشرعية، وتبقى شركتين خارج السيطرة، كما أنه يمكن حمايتها أيضا بالضغط الدولي على أطراف الحرب عبر مستخدميهم كما حدث في عدن.

 

وكما يمكن تجاوز هذه الذريعة بالابتعاد عن المدينة، مسافة آمنة من إمكانات الأطراف العسكرية المتواضعة والإلتفاف عليها من قبل القوات الحكومية وحصار مليشيا الحوثي فيها واستكمال الوصول والالتحام مع جبهة الساحل الشمالي.

 

لكن هذا الأمر غير مرغوب وسينهي الهدف الدولي، باستثمار أهم ميناء طبيعي في البحر الأحمر، فهرعت إليه بريطانيا، بمسمى مبعوث أممي أثناء اعتمادها كمركز دولي لتحالف المحيطات في يونيو 2017م، ولم تكن لتفوت هذه الفرصة التي صنعتها كدولة تدرك أهمية النقل البحري وتجارة البحار.

 

جريفيث كابتن هنس جديد عينه على الموانئ

لذلك أرسلت بريطانيا ذراعها جريفيث، المبعوث الأممي، والذي أوقف الزحف على الساحل من الجهتين، بمسافة آمنة ومتساوية قدرها 60 كيلومتر من جهة الشمال ومثلها من الجنوب.

 

كان هذا الإيقاف يسعى لوضع اليد على الهدف الأهم والمتمثل بميناء الصليف -الذي سنوضح أهميتة في هذه التناولة - فالجبهة القادمة من الشمال تجاوزت ميدي ومتوقفة في حيران 60 كم من ميناء الصليف والقوات القادمة من الجنوب والتي عبرت ما يقارب ال100كم في يوم واحد وتوقفت في مشارف الحديدة، التي بدت وكأنها العقبة الكأداء التي لا يمكن تجاوزها لأكثر من سنة.

 

إنه غريفيث ، الكابتن هنس السلس، ويدير رغبة بريطانيا في استثمار ميناء الصليف بمقابل زهيد جدا.

ميناء الصليف بالإمكانات الطبيعية التي تفوق أي ميناء على البحر الأحمر والمتوسط، مهيأ بغاطس طبيعي من 20 - 35 متر.

 

تتضح أهمية ذلك إذا ما عرفنا أن قناه السويس - المتحكمة في مواصفات صناعة السفن - بعد أن كان عمقها 18متر تم تعميقها الى 24مترا، هذا العمق المدشن في 31ديسمبر 2014 بعبور أكبر سفينة حاويات عملاقة تحمل 19الف حاوية وبغاطس 16.5متر، وتلاه عبور أكبر سفينه عملاقة وصلت بريطانيا ودشنتها مركزا لتحالف المحيطات منتصف 2017م.

 

التسخين العالمي في الخليج .. مشاهد وإرهاصات صعود تحالف المحيطات

إن تسارع الأحداث في الخليج وتلويح إيران بإغلاق مضيق هرمز وما تلاه من تفجيرات وتهديد للملاحة وقدوم الأسطول الأمريكي، كلها تداعيات تواكب قرب الإتفاق النهائي بتسليم الحديدة وتدويل مشكله الحديدة - والهدف الصليف - وكل تلك مقدمات تمثل فيه إيران دور الخطر في الخليج، وعبر أذرعها في صنعاء، يتم ظاهريا التفاوض الذي يجري تنفيذه بخطوات أحادية الجانب ويتزعمه تحالف المحيطات.

 

بدأ هذا التحالف الانقضاض، على التحالف الخليجي (العربي) في اليمن بزعامة المملكة والامارات اللتان تتوهمان التحكم بالأمور، فيما سيتلاشى دورهما وينتهي، وفي أحسن الأحوال، سيكتفيان بشراكة اقتصادية في أذرع تحالف المحيطات البريطاني.

 

إن مشاهد التلويح بحروب وكوارث، ليست إلا تخريجات مهندسة للإقناع، وماهي إلا مسألة وقت، لوضع اللمسات الأخيرة للإطاحة بميناء دبي لينهض تحالف المحيطات في الصليف.

 

وتستهدف الأحداث الأخيرة التي بدأت بتلويح إيران بإغلاق مضيق هرمز لاستجلاب الأسطول الأمريكي ودق طبول الحرب، إظهار الخليج منطقة غير آمنة للملاحة الدولية، بجعل الأمور تتجه صوب إغراق الخليج بحروب مع العدو التقليدي، ايران، كما أن حضور الأساطيل في المشهد، لبعث تطمين من الحليف الأمريكي كمنقذ، ليبقى خيوط اللعبة بيده كمتحكم بطرفي الصراع ويتمكن أيضاً من إبتزاز المال الخليجي المهدور.

 

ودارت الدائرة على الخليج

ستدور الدائرة، اذا، على الخليج و على المدى القريب، سيكون تعطيل المصالح التجارية في دبي، ضرورة في ظل وجود البديل لدبي المتمثل بميناء الصليف اليمني الذي يوفر على السفن التجارية العملاقة مسافة تتجاوز 4000 كم في رحلة الذهاب والعودة إلى خط الملاحة الدولي في باب المندب والوفر مهول جدا إذا ما عرفنا أن السفن العملاقة تصرف 10اطنان من الوقود كل ساعة وتقطع به مسافة 45 كم فقط.

 

ستنتهي أحلام الإمارات، التي يتآمر ساستها عليها، وستصبح كحال عدن، التي كانت الأولى في الشرق الأوسط إبان إزدهار مينائها، وصارت حطاما بعده وهو ما ستؤول إليه دبي والإمارات.

 

سواحل تعز.. الموانئ الواعدة واستراتيجية تعطيل المستقبل

إلى جانب ميناء الصليف، ستطبخ الموانئ الصناعية العظيمة في الساحل التعزي على مهل وستستثمر ميزاتها بهدوء كمضمون ليس في حسابات أي جهة خارجة عن تحالف المحيطات.

 

الساحل التعزي والممتد من باب المندب حدود عدن الى حدود الحديدة على مسافة 111.2كم يتميز بهدوء الامواج بسبب حماية المضيق الذي يعزله عن إمتداد المحيط المتصل ببحر العرب الأكثر عرضة للعواصف وهياج الأمواج.

 

يشبه الساحل التعزي بموقعه ساحل دبي الواقع بعد مضيق هرمز، حيث تشكل المضايق ميزة لحماية الموانئ من الأمواج والعواصف التي تدهم السواحل المفتوحة على المحيطات، وهذه نقطه مشتركه بين دبي والساحل التعزي تغري بإنشاء موانئ صناعية بواسطة كاشطات الرمل من القعر وإنشاء أرصفه وكواسر أمواج صناعية معززة بالصخور لمنع تسرب الرمال.

 

غير أن ما يتفوق به الساحل التعزي عن دبي، هو قربه من خط الملاحة الدولي الأهم في العالم، وهذه ميزة إضافية تحسب لصالح الساحل التعزي وتتمثل في اختصار المسافة وما يشكله ذ لك من وفر في كلفة النقل، ما يعني انهيار دبي حال استثمار هذه الموانئ بهذه الطريقة السهلة المغرية للشركات ذات الإمكانات العادية نسبيا، مقارنة بإمبراطوريات المحيطات.

 

تتضح أهمية المسافة التي يختصرها الساحل التعزي التي تزيد عن 3500كم ذهاباً واياباً إلى ذات النقطة لخط الملاحة الدولي، إذا ماعرفنا أن السفن العملاقة تحرق 10طن وقود لكل 45كم وتقطع تلك المسافة في ساعة وهذا يعني وفر مهول في الوقت والإمكانات التي تصب في صالح الساحل التعزي.

 

كذلك هناك ميزة إمكانية إنشاء أكثر من 35 ميناء صناعي على طول الساحل التعزي، ما يجعل شركة دبي غير قادرة على السيطرة والفوز بكل العقود لاستثمار تلك الموانئ مما جعلها تربك المشهد أمام المستثمرين باعتبار رأس المال محرك السياسة ودينمو الحروب.

 

في النهاية ستذكر كتب التاريخ أن مارتن غريفيث، المتدثر بعباءة أممية، ليس سوى مفاوضا يعمل لرعاية مصلحة بلده وتوطين قدمها في موانئ اليمن.

 

لن يلتفت الرجل للشكليات والتصريحات بأن الانسحابات الأحادية الجانب خطأ ما دامت صادرة عن الضعفاء الذين لن تصل أصواتهم مسامع الأقوياء والكبار.


Create Account



Log In Your Account