بطل الجمهورية الذي كافأه الطائفيون في صنعاء بالسحل 2-2
الثلاثاء 06 فبراير ,2018 الساعة: 10:36 مساءً

......
كانت واقعة 8 مارس أحد مظاهر إحتقان بدأ يأخذ مساراً يمهد لتصفية نفذتها أطراف عصبوية للخلاص من أبطال حصار السبعين.

عندما أعطى حسن العمري القائد العام للجيش أوامره بضرب مقر قيادة المقاومة الشعبية ونقابة العمال في الحديدة على خلفية شحنة السلاح التي وصلت للجيش، كان يكشف عن اصطفافاته العصبوية أكثر من كونه قائداً عاماً للقوات المسلحة، فقد قرر توجيه سلاح الجمهورية المفترض الى القوة العسكرية والشعبية التي الحقت الهزيمة بالملكيين وكسرت حصار صنعاء.

بالإضافة الى ذلك كان الرجل، يشعل فتيل مواجهة مسلحة بين تشكيلات الجيش، لتصفية من يعتقد أنهم الخطر الذي يهدد سيطرة قوى عصبوية على السلطة، هي وريثة ذات المزاعم الإمامية عن أحقيتها بالسلطة والسيادة على البلد، مرتدية زي الجمهورية .

وقد تدخل الكثير من العقلاء، لإطفاء نار المواجهة، واستجاب القائد عبدالرقيب عبدالوهاب لتلك المساعي، إحساساً من الرجل بالمسؤولية، كقائد وطني، وظيفته العسكرية تحتم عليه منع أي مواجهة تسعى لها قوى الشر المتغطرسة.

مع إنكشاف مخطط تصفية أبطال الحصار ورموز الجمهورية الحقيقيين، وإلحاح خصومه على عودته الى صنعاء قرر الرائد عبدالرقيب البقاء في الحديدة، لتهدئة الوضع، ولمنح الطائفيين، فرصة لمراجعة أنفسهم، لكنهم عمدوا الى ترويج التهم، للقائد الفذ بالسعي للإنقلاب، والمؤامرة.

على إثر هذا قرر أن يقدم على الخطوة التي تؤكد مجدداً أن عبدالوهاب قائد من معدن مختلف، فقد كان شجاعاً أولاً وكان رجل دولة مسؤول تصرف على نحو أربك العصبة الطائفية.

في الـ15 من إبريل عاد الى صنعاء كقائد حقيقي، وقدم استقالته، لرئيس المجلس الجمهوري، القاضي عبدالرحمن الإرياني، الرئيس الضعيف الذي كان واقعاً تحت تأثير ذات القوى التي انحرفت عن المسار الجمهوري.

أراد البطل عبدالوهاب، أن يقول للجميع من قلب صنعاء التي دافع عنها حينما هرب كبار الضباط، ومعقل العصبة التي استنفرت الغرائز والاصطفافات البدائية: أنا عبدالرقيب عبدالوهاب، في قلب صنعاء وبين أنياب عصبتها المتربصة،أقدم استقالتي، لم أعد أريد الاستمرار في المنصب الذي تستخدمه عصبة رجعية، لشق الصف الجمهوري، والإجهاز على الثورة.

وقوبلت استقالته بالرفض من الرئيس الإرياني، وانضم اليه،عود ثقاب مواجهات الحديدة، رئيس الحكومة الفريق العمري القائد العام للقوات المسلحة، وانهالت عليه الرسائل من شخصيات اعتبارية عديدة ترفض استقالته.

 

أما الشيخ المناضل حسين أبو راس فقد خاطب القائد عبدالوهاب معاتباً حد القسوة، في رسالة يوم 22  إبريل أي بعد أسبوع من الإستقالة، قائلاً: أخي وزميلي عبدالرقيب المحترم ، وصلت لزيارتك إلى مدرسة الصاعقة ولم أجدك ، والبالغ أنك تريد تستقيل من رئاسة الأركان وعلى فرض صحة هذا ، فأنا أول من أقتلك بنفسي "*

لقد قبل البطل العدول عن استقالته وعاد لمزاولة وظيفته كرئيس لهيئة الأركان وقائد لقوات الصاعقة.

 لكنه ليس من ذلك النوع الذي يقبل البقاء بالمنصب،كقطعة ديكورية في واجهة قيادة الجيش ، فقد واجه المحاولات المستميتة للرتب العليا ،الفارة من حرب السبعين، لتدمير الجيش وإشعال الفتنة الطائفية، وتغذية هذه النزعة المدمرة،للقضاء على كل العناصر الوطنية في القوات المسلحة والأمن.

 لكن هذه القيادات كانت قد حصلت على قرارات تعيين، فعمدت بأحقادها الى تكوين تشكيلات عسكرية كجيش جديد، باستخدام خطاب دعائي، يغذي المزاعم الطائفية، ضدا على الجيش الجمهوري.

لقد دفعت الممارسات الحثيثة لهذه القيادات الاوضاع الى الإنفجار في 18 أغسطس، تتويجاً للشحن الذي مارسته القوى الطائفية، وأشتعل فتيلها عندما هاجمت قوات الأمن المركزي وقوات من المدرعات معسكري قوات الصاعقة والمظلات.

بالتزامن مع ذلك جرت عملية أمنية قذرة، أكدت المنحى والدوافع الطائفية للتحرك، فشنت أجهزة الأمن والمخابرات، حملة مداهمات  استهدفت حصراً، أبناء محافظة تعز دون غيرهم بلا تمييز.

وسط هذه الفتنة التي استهدفت الجيش الجمهوري من قوى طائفية، كان رئيس الجمهورية الشكلي وأعضاء المجلس يفرون من صنعاء بدلاً من القيام بمسؤولياتهم في منع الإعتداء على قوات الجيش الجمهوري ووصلوا يوم 21 أغسطس الى تعز التي يجري تصفية أبناءها في صنعاء!

أشتدت وتيرة القتال أكثر،يومي 23 و24 أغسطس بعد إعتقال القوات المهاجمة، قائد سلاح المدفعية الرائد مثنى جبران، وكان سير المعارك يجري لمصلحة قوات الصاعقة والمظلات، فتدخلت الوساطات لدرء " الفتنة" وهي الخطة "ب" التي ستتضح لاحقاً من خلا الحلول التي اقترحتها.

كان من ضمن الوسطاء لدى القائد عبدالرقيب، د. حسن مكي وزير الخارجية، وقد تأكد شخصياً  كوسيط ،بأن إستمرار قوات الصاعقة والمظلات في القتال،سببه اعتقال مثنى جبران، ضمن مخطط تصفية أبطال حصار السبعين من الضباط الشباب.  

بعث مكي للقائد عبدالرقيب بهذه الرسالة :

(السيد قائد سلاح الصاعقة الأخ / عبدالرقيب المحترم ،

 بناءًا على موافقة الزملاء الوزراء بالإفراج عن علي مثنى وتعهد السيد الفريق(حسن العمري) بشرفة العسكري لإطلاق سراحه حال وصول بقية الزملاء الوزراء وأنا أتعهد لكم شخصياً ورسمياً بذلك .

حسن مكي – وزير الخارجية )*

وأصدرضباط وصف وجنود القوات المسلحة بيانا وردت فيه المطالب التالية :-

- إقصاء القيادات الجديدة التي صدر القرار الجمهوري بتشكيلها " المقصود الرتب الكبيرة التي هربت من المعارك ".

- إعادة النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، إلى رئاسة الأركان .

- إعطاء رئاسة الأركان الصلاحيات الكاملة غير مقيدة بأية شروط .

- محاكمة كل من هرب من المعركة في صنعاء دون النظر إلى أي عذر

- نرفض رفضاً باتاً تجزئة القوات المسلحة فهي كل لا يتجزءا وتابعة للقيادة العامة ورئاسة الأركان .

- استمرار التجنيد وميزانيتة وتشكيل لجنة للإشراف على العملية يقترحها رئيس الأركان .

- إننا حين شعرنا بعميق الخطر الدائم على ثورتنا وجمهوريتنا وضعنا هذه المطالب لنؤمن مكاسب الجماهير فيها وعلية نضع لتنفيذ ذلك 64 ساعة فإذا لم تنفذ فأن لنا موقفاً سيحدد فيما بعد.*

لكن الأمر كان قد أعد للخلاص من القادة الجمهوريين وفقا للخطة "ب".

فمع أجواء الترتيبات للتسوية مع الملكيين، كان لا بد من التمهيد لذلك بالخلاص من الجمهوريين والقوى الوطنية الثورية، وصدر القرار الرئاسي  بنفي 22 ضابطاً من " طرفي القتال" وكان القرار ،كما تبين لاحقاً، غطاءاً للخلاص من أبطال حرب السبعين وعلى رأسهم عبدالرقيب عبدالوهاب.

إشترط القائد عبدالوهاب للقبول بالقرارإطلاق كافة  المعتقلين، وكان أغلبهم من أبناء تعز، غير أن الأمركان قد بت فيه بلا رجعة، وتظهر رسالة للرئيس الإرياني الى قائد قوات الصاعقة، عدم اكتراثه للمطالب وللمواطنين المعتقلين، بل إنه وصف " الجنود" الذين قاتلوا رفقة عبدالرقيب بالمغرربهم وهو الذي كانت تتعرض قواته لهجوم.

وكان هذا نص رسالة الإرياني :

( الولد عبدالرقيب عبدالوهاب ،، المحترم واجبكم الوطني والعسكري هو الانضمام إلى أخوانكم المسافرين حسب الاتفاق وقد وصل الأخوان المشائخ وعرضوا علينا ملاحظاتهم وبشأن المعتقلين فإن من يثبت براءته سيطلق حالاً والجنود المغرر بهم لن يتخذ ضدهم أي إجراء وسيطلقون وسيسافر كل الذين كان الاتفاق على سفرهم ولن يتأخر أحد منهم وقد حولنا لكل واحد من الضباط مائة وخمسون ريالاً وأربعمائة وخمسون دولار ستسلم لكم عن سفركم وخروجكم بإجماع تام . وأنتم بطبيعة الحال غير مسؤولين عما يحل بعد سفركم من العدو الخارجي .

عبدا لرحمن الأرياني رئيس المجلس الجمهوري 8 ديسمبر 1968م)*

كانت الرسالة تنطوي على محاولة لتهدئة شكوك عبدالرقيب، بتأكيد الرئيس على أن  الضباط المتفق على خروجهم " سيسافروا .. ولن يتأخر أحد منهم" تأكيداً لما كان يضمره المدبرون للخطة، فقد تبين أن هؤلاء" الضباط" لم يصلوا الى الجزائر بل إلى القاهرة، وثمة رواية تتحدث عن عودتهم على نفس الطائرة الى صنعاء.*

لقد آلت الأمور الى سيطرة للمجموعة العصبوية على زمام القوات العسكرية، وتم تعيين الرائد محمد مهيوب الوحش بديلاً لعبدالرقيب قائدا لقوات الصاعقة، كتكتيك مؤقت، ليتم خلال أقل من شهرين إزاحته بطريقة دامية .

أثناء أحداث اغسطس كان قد تم تصفية الرائد محمد صالح فرحان، الرجل الذي كان من أبرز قادة نصر السبعين، في مقر قوات سلاح المشاة في باب اليمن بقنبلة يدوية.

وفي 1 نوفمبر 1968، بعد حوالي شهرين من " التسوية الفخ"، أغتالت أيدي الغدر المقدم محمد مهيوب الوحش قائد قوات الصاعقة، في وضح النهار بوسط صنعاء، دون أن تحرك الجهات الرسمية ساكناً وكان الجزء قبل الأخير من مسلسل تصفية قادة الجمهورية.

في الأثناء تم اعتقال قائد سلاح المدفعية مثني جبران، الذي ظل محتجزاً في سجن القلعة الرهيب عرضة لكافة أشكال التعذيب، وفقا لرواية القائد عبدالغني مطهر، حتى أفرج عنه الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي عام 1974م، وهو في حالة انهيار صحي وجسدي.

لم يمكث عبدالرقيب كثيراً في الجزائر وقد اتضحت المؤامرة بصورة جلية، وعاد بعد شهر الى عدن، متأثراً بميوله القومية اليسارية، وهو يفكر على ما يبدو ببدء مرحلة أخرى من النضال.

لقد تم تصفية القوى الجمهورية في الجيش، وفرضت القوى الطائفية طابعها على القوات المسلحة والأجهزة الامنية، فشنت حملات مطارادات طالت حتى الجنود العاديين من أبناء تعز، لتعود تركيبة الجيش أقرب الى ما كنت عليه قبل ثورة 26 سبتمبر.

لا يعرف حتى الآن ما الذي جذب عبدالرقيب للعودة الى صنعاء وقد أصبحت عش دبابير طائفية أشعلت حرباً للخلاص منه ومن رفاقه القادة الجمهوريين.

الأرجح  أنه كان حسن النية فقد وضع ثقته في الأشخاص أنفسهم الذين فتكوا برفاقه، وأستدرجوه للعودة لملاقاة نهايته في المدينة التي دافع عنها وأحبها.

تقول الرواية المتداولة على نطاق واسع، إن العقيد علي سيف الخولاني، هو من تولى إستدراج القائد عبدالرقيب، حد قبول الأخير المكوث في منزل الخولاني بصنعاء.

في ذلك المنزل، تم تصفيته، ويوم 24 يناير 1969 كانت قوى الإجرام، تسحل جثة الشهيد في شوارع صنعاءوتمثل بها مؤرخة لأبشع وأحط عملية غدر في منزل مضيفه ، غير عابئين لما يسمونه العيب الأسود وفقاً لأعرافهم القبيلة.

 تحت نشوة القوة العصبوية وجنونهم الطائفي، أشبعوا غريزتهم البدائية في التنيكل الوحشي بحق بطل قاتل دون صنعاء وجمهوريتها، وحرس عرضها عندما فر كبارالقادم من معركة المصير.  

بقي القائد عبدالرقيب عبدالوهاب، بتاريخه النضالي الناصع حاضراً في كل المنعطفات التاريخية الحساسة للبلد، وانتهى قتلته كنكرات، أو أدعياء يزورون التاريخ، يحاولون شراء لطخة ملفقة في كتب صفراء وباهتة بأموال اليمنيين المسروقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*ورقة مقدمة في فعالية ندوة تحضيرية لاقامة مهرجان إحياء الذكرى 45 لاستشهاد النقيب / عبدالرقيب عبدالوهاب - محمد عبدالرقيب نعمان - يناير 2014


Create Account



Log In Your Account