الحل في اليمن
الخميس 14 مارس ,2019 الساعة: 11:55 مساءً

يبدو من الوهلة الأولى عنوان المقال  اعتياديا، فهو حلم وغاية ومنال ومطلب أكثر من كونه عنوان، وهو ما يدفعني في البداية أن أستسمح القارئ الكريم ببعض من وقته الثمين ليقرأ تفاصيل هذا المقال حتى النهاية ويصبر على الإستطراد أو الإستهلال، ويتجاوز العثرات فيه، فلا يعدم من وجود خلاصة تجربة وجهد مبذول ورؤية يمكن أن يسهم القارئ في إثرائها أو نقلها أو مناصرتها أو حتى الإضافة والحذف عليها بما يعزز الهدف الذي نسعى اليه جميعاً نحو الإستقرار والأمان والنهوض باليمن.


لا أحد يتابع المشهد في اليمن منذ سنوات خمس الا ويبحث عن الحل، فقد انقسم كثيرون ممن يعايشون ويتأثرون ويؤثرون في أحداث البلاد بين رؤيتين للحل لإنهاء الحرب في اليمن : 


وجهة النظر الأكثر طلبا ًلمن يريد إنهاء الانقلاب والقضاء على جذوره، تتجه نحو الحل العسكري، حيث يعتقد أرباب هذه الفكرة أن نهاية الحوثيين لن يطويها إلا دحرهم عسكريا وإزاحتهم من المشهد كمتحكمين بالقرار أو حتى شركاء في إدارة الحكم. 


الحل العسكري قد يكون ملحاً أيضاً للشرعية التي ترى أن عودتها للداخل ما لم يكلل بالانتصار العسكري سيكون عودة بلا روح ومبتدأ للمشكلة من جديد فإذا ما أمكن الجماعة الإنقلابية أن تكون شريكة قوية في المراحل القادمة بعد إراقة كل هذه الدماء وإفساد الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فهذا سيذهب باليمن الى مجهول صعب وصراع طويل.


الحل العسكري قد يكون أيضاً مسعى لبعض قوى التحالف العربي المساند للشرعية والذي قد يرى في الحسم عسكرياً رسالة طمأنينة لشعبه وتأمينا لمصالحه وحدوده البرية والبحرية وكسراً لذراع إيران في المنطقة.

كما يعتبر الحل العسكري أساساً عند الذين قتل أبناؤهم أو هجروا من بيوتهم أو تم اعتقال ذويهم في هذه المعارك الطويلة،  فهؤلاء تسكنهم رغبة الثأر والانتقام ولن تطفئها ، من وجهة نظرهم، سوى حسم عسكري ناجز ينهي بقاء السلاح في يد هذه العصابة.


الحل العسكري هو الأكثر تداولاً عند المقاتلين والمقاومين وربما غالبية الشعب الذي يتوق للخلاص من الجماعة التي نكلت بكل جميل في البلاد.

بينما هناك رؤية أخرى ووجهة نظر ثانية تساندها قوى دولية ويحركها المجتمع الدولي الذي أضحى يدير هذا الجانب من الحل بكل قواه وقدراته وأطماعه ألا وهو الحل السياسي. 


الحل السياسي ذو الوصفة الدولية، المعني بالمشاورات واللقاءات والاتفاقات والانسحابات المدروسة والتدخل الدولي بالقوانين النافذة تحت البند السابع أو ما يتقرر من مجلس الأمن.


فالحل السياسي هو ما تفكر به القوى الكبرى الذي تريد وقتا لدراسة المجتمع وإبعاد القضايا والإستماع للأطراف ومعرفة ما هي مواقع القوة والضعف وماهي المكاسب المرجوة من إدارة هذا الملف وكيف يمكن استثمار الصراع وتوجيهه لمصلحة الدول العظمى. 

الحل السياسي قد يعني أيضاً إعادة تشكيل المنطقة وفرض خارطة طريق جديدة لتوزيع الثروات وتحقيق المصالح الدولية وقد يعني كذلك مخرجاً من الحرب والدمار والقتل والكلف الباهظة للحروب الى التوافق والحلول والخروج بأقل الخسائر والتكاليف. 

ذهب اليمنيون جميعا الى الحل السياسي أكثر من مرة الى جنيف وبيل والكويت والسويد في محادثات طويلة وقصيرة وبرعاية أممية وإشراف من مبعوثين متخصصين في قضايا النزاع وإدارة الخلاف ومساندة بالقرارات والبيانات والتوصيات من مجلس الأمن. 


ورغم كل ذلك لا شيء أمام هذا المشهد سوى الفشل لعدم رغبة المفاوض الإنقلابي بالوصول الى أي حل لأن الإرادة مختطفة والحوارات غير مكتملة والقرارات معدومة الحرية والقدرة، وربما أيضا، المجتمع الراعي لها لا يرغب بإنجازها سريعا ولا يريد ممارسة ضغوطه على الفريق المتفلت من التزاماته أو لعلها سياسة أكبر من كل هذه الإرادات فالكبار في السياسة لم يقرروا بعد إغلاق الملف ويرغبون بالمزيد من الإستفادة منه. 


رغم فشل كل المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة إلا أن المجتمع الدولي عبر مبعوثيه الي اليمن وقرارات مجلس الأمن وتحركات الرباعية الدولية بشأن اليمن وتوصيات القمم العربية والإسلامية يرون أن الحل لن يكون إلا سياسياً بامتياز، والسياسة متقلبة ولا مشاعر فيها ولا عواطف ونفسها طويل وضحاياها شعب كل يوم تتفاقم مآسيه وتتوسع دائرة الصراع والمرض والفقر.

الحل السياسي ذهبت إليه الدولة مرات عديدة كما يقول رئيسها الشرعي عبدربه منصور هادي بحثا عن مخرج يحقن الدماء، وذهبت إليه قوى التحالف لذات السبب رغبة بتجاوز حرب مكلفة مادياً وبشرياً وحقوقياً واستجابة أيضا للضغوط الدولية.

وذهب الحوثي الى الحل السياسي بحثاً عن فرص إضافية ومكاسب جديدة وحضور دولي ولفت نظر العالم بوجوده كطرف قوي في المعادلة.

الحل السياسي لم يتقدم إلى الأمام رغم الفرص المتاحة ولا جديد فيه حتى الآن سوى وعود واجتماعات وقرارات وترحيل للمشكلة، فلا معتقلين خرجوا ولا موانئ سلمت ولا مناطق محاصرة فتحت ولا وساطات نفعت ولا قرارات دولية نفذت.

فما الحل إذاً؟ 

تتجه الأنظار المتعلقة بأمل الى السماء عل شيئا قدرياً سيجلي الغمة اليمنية، ويترقب اليائسون من أطراف الصراع، إن صح التعبير ، حدثاً مرتقباً ينهي العذابات الطويلة وقد فقدوا الأمل بأن يكون الحل سياسياً أو عسكرياً حتى.


ولم يعد كثير من الناس يثقوا بشكل أو بآخر لا بالحوثي الذي وجدوا منه الويل ولا  بالشرعية التي ملو انتظارها دونما جدوى.

لكن السماء لا تمطر ذهبا وسنة الله في التغيير جلية منذ تاريخ آدم عليه السلام.


فما الحل إذا؟ 

بلا تعقيد للمسألة ولا فلسفة للكلام ثمة حلٌ جليٌ واضحٌ يمكن  أن نتدبره وينهي كل هذه الإشكاليات بلا دماء ولا دموع أيضاً.

ما هو إذاً؟

الحل هو إقتصادي أمنى بامتياز..

حلٌ معني بالناس وباحتياجات وهموم الشعب وهو ليس وصفةً سحرية أو معجزةً الهية أو تعجيزا صعب المنال.

إنما نتحدث عن حل بأيدينا ويمكن صناعته بخطوات سهلة إذا توافرت إرادة وإدارة، ولكي نبسط ما نقول، فثمة خطوات بإمكانها أن تصنع حلا سريعا للقضية اليمنية تبتدئ بعودة الرئيس والحكومة الى الداخل مسنودة بتوافق من حلفاء الشرعية. 

بمعنى أدق أن يعود الرئيس هادي بعد أن يجلس على طاولة تفاهم واضحة تجمع بينه وبين ولي عهد المملكة وولي عهد ابوظبي، يتم ترتيب وضع العاصمة الاقتصادية بحيث تخضع لسلطة الرئيس والحكومة أمنيا وعسكريا. 

في هذه الجلسة الهامة يتم ترتيب وضع العاصمة المؤقتة وحل الأحزمة الأمنية ووضع حل واضح ومناسب لفكرة المجلس الانتقالي وأعضائه وأنصاره لتوحيد الخطاب في الداخل.

يمكن أن يتم ترتيب ذلك بالإضافة الى وضع آلية لإدارة خيرات اليمن من نفط وغاز وموانئ وشريط ساحلي، آلية بين الدولة والحلفاء، فاليمن لن تجد شركاء أفضل من جيرانها وأشقائها وحلفائها في إدارة خيراتها والاستفادة من الموارد والموائل المتوافرة، وبدلاً ان تظل هذه الأمور خاضعة للتأويل والعمل خارج سياق الدولة يمكن أن تنظم رسمياً وعبر اقنية الشرعية وفي العلن، بحيث يلمس المواطن اليمني أثر أي اتفاق اقتصادي في تحسن وضعه وتعافي اقتصاده.

ثم يليها الخطوة الأخرى: أم يرتب هادي سريعاً بيت اليمن الداخلي بإحداث تغييرات في القيادات العسكرية والأمنية وفق سجل الخبرة الوظيفية والسير الذاتية المتعلقة بالقدرة والتجربة والولاء أيضا لفكر الدولة.  

سيبقى الجيش محافظا على مواقعه ومستعدا للتوجيهات الجديدة فلن يظل الجيش برؤوس متعددة أو مفرقا بين عدن ومأرب، لن يخشى نائب الرئيس أووزير الدفاع أو  أي وزير في الدولة أن يتواجد في عاصمة البلد المؤقتة، ولن يكون هناك عائق أمام القادة العسكريين أن يتحركوا في نطاق أعمالهم وتكليفاتهم بين المناطق الشمالية والجنوبية.

حينها سيكون من السهل إعادة انتظام عقد جلسات مجلس النواب وإفساح المجال لتحديد مدة زمنية معلومة لإجراء انتخابات جديدة في البلد وإطلاع الشعب على استحقاقاته، وسيعلن عن استفتاء شعبي على دستور اليمن الجديد وفق مخرجات الحوار الوطني الشامل.

سينتصر الملف الأمني والإقتصادي على العسكري والسياسي سريعا عندما تبدأ دول التحالف بإجراءات سريعة ملموسة لإعادة الإعمار وتعويض المتضررين من الحرب ودعم العملة اليمنية والتعافي الاقتصادي بالسماح بتصدير البترول والغاز وتشغيل الموانئ اليمنية وتحرير التجارة.

لن تطلق رصاصة واحدة أو تحلق طائرة حربية في سماء صنعاء وسيهزم الحوثي سريعا عندما يجد نفسه عاجزا عن توفير وسائل الحياة للناس وبعيدا عن العيش على الصراعات والإختلافات السياسية، فالدولة ستقرر حال عودتها إعلان تكتل وطني جامع يضم الأحزاب السياسية، وسيجمد العمل الحزبي خارج التكتل ريثما يحدث التعافي الاقتصادي والإنساني في اليمن.

وسيكون لهذا التكتل برامج وأهداف واضحة في إعادة الثقة بين أبناء المجتمع وإزالة أسباب الخلافات وإرسال التطمينات للداخل والخارج والتحاور مع من تبقى في المناطق التي لم تحرر للانضمام الى الكيان الجديد.

سيترتب على عودة الرئيس والحكومة المسارعة في عملية التعافي الاقتصادي والنظر في القضايا الماسة للناس كالتعليم والصحة والمياه والكهرباء.

وسيعلن رئيس الجمهورية صرف رواتب جميع موظفي الدولة وفق قانون الخدمة المدنية وحسب كشوفات العام 2014م دون تمييز بين المحافظات.

رويداً ستعود الى العاصمة الاقتصادية سفارة الدول الأعضاء في التحالف العربي يليها السفارات الدولية المختلفة وستفتح المنظمات الدولية مكاتبها في عدن إذ لن يكون أمامها أي خيار آخر أو عذر أمنى.

وستتحرك الدبلوماسية اليمنية الخارجية بعد إحداث تغييرات مناسبة، تشمل تحريك السفارات والقنصليات والمكاتب المعتمدة دوليا للحديث عن عودة الدولة وكشف حجم الانتهاكات الذي يمارسه الانقلابيون.

سيجد الحوثي نفسه عاجزا عن إحتمال البقاء وسط السخط الجماهيري من فشله، وسيلجأ دونما شك للبحث عن مخارج إما بمحاولة العبث أمنيا أو الإستقواء بالأمم المتحدة وطلب العودة للتفاوض. 

وفي هذا الجانب سيكون أمام الدولة أن تحدد سقف التفاوض وآلياته وفي الجانب العسكري ستكون القوات المسلحة على جاهزية عالية وسيطلب الرئيس من القوات المساندة للشرعية دعماً عسكريا على خطوط التماس.

في جانب آخر  إنساني سيتوسع عمل الإغاثة ويشمل إصحاحاً بيئيا وصحيا ودعما مباشرا للعملية التعليمية والإسراع بإنجاز التزامات الدولة في ملف الجرحى والشهداء وسيكون هناك دور بارز وتفاعلي لمركز الملك سلمان للإغاثة بالشراكة مع الهلال الأحمر الاماراتي والجمعية العامة للإغاثة الكويتية في تلمس احتياجات المناطق الأكثر ضررا ومواصلة دعم مشاريع نزع الألغام. 

سيقرر الرئيس في المجال الإنساني أيضا فتح مطار صنعاء للرحلات الداخلية والخارجية على أن يكون مطار عدن الدولي أو مطار سيؤن هو مطار المعني بالترانزيت ومراجعة الرحلات   كما سيتم توجيه وزارة الاشغال العامة والطرقات بسرعة إصلاح وتعبيد الطرق الواصلة بين المحافظات التي تربط خط سير الرحلات اليومية لتسهيل مرور الناس والبضائع بين المدن. 

سيتبع ذلك خطوات سريعة حيث سيرأس رئيس الجمهورية ملتقى مشايخ وقبائل اليمن والذي سيعقد في مأرب للخروج بمعاهدة قبلية تعزز التلاحم والإخاء وقيم القبيلة اليمنية الأصيلة وتنبذ التعصب والسلالة والفكر الحوثي.

الحل الاقتصادي والأمني هو الذي سيركع الحوثي لأنه يعني أن تستقر المناطق الملتهبة التي كانت تمده بروح البقاء وسيكون هناك محافظات انموذجية حتى يكون الدرس واضحاً، للمحافظات التي ماتزال ترزح تحت وطأة الحكم السلالي.

سيأتي الحوثيون إلى طاولة الحوار يبحثون عن أي حل يكفل أن يبقي لهم موقع في مستقبل الحياة السياسية في البلد.

وحينها سيتم التفاوض معهم وفق الشروط التي تعيد لليمن الاستقرار فلن تذهب الشرعية لأي اتفاق أو تشاور غير واضح المعالم مهما كانت الضغوط فوجود الشرعية في الداخل وعملها من الأرض سيجعلها عصية على لي الأذرع أو الضغوط المفروضة، كما سيخفف عمل الشرعية من الداخل الضغط المستمر على التحالف العربي والذي بدوره سيتخذ الخطوة الأكبر في تاريخ اليمن والأكثر تأثيرا في سياق هزيمة المشروع الحوثي الإيراني الى الأبد. 

حيث سيرتب التحالف موضوع تهيئة اليمن للانضمام الى مجلس التعاون الخليجي عبر فترات زمنية يتم من خلالها تأهيل اليمن للانضمام الى المجلس عبر دعم البنية التحتية والمساهمة في تطوير المنشاءات المماثلة.

ملاك كل ذلك وآلية تحقيقه، ينطلق من إعادة تنظيم الإعلام عبر إيقاف الحملات العدائية الممنهجة التي تقودها بعض القنوات الإعلامية المتواجدة في سماء التحالف والتي تزيد من الفجوة بين أبناء اليمن وتنظيماته السياسية والمجتمعية وتقود لتفكيك نسيج الشرعية وتصب في خدمة إطالة أمد الانقلاب.

فلابد من اتفاق لميثاق شرف آعلامي واحد تلتزم به وسائل الإعلام المساندة للشرعية وللتحالف وليس هذا فحسب، بل يتم انتاج برامج ولقاءات وتحليلات واستضافات تدعو للملمة الصفوف وتوحيد الرؤى والمصالحة بين أبناء الشعب.

إن التأثير الذي ستخلقه القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الحديثة الموجهة ستذيب كثيرا من الجليد أمام نجاح المهمة الأسمى وهي الانتصار على الإنقلاب دون إراقة دماء أو الضياع في دهاليز السياسة الخارجية.

الحل في اليمن لا يبدو معقدا إن توافرت النوايا الصادقة، وبذل من أجله الجهد الكافي، فمشكلة اليمن وإن كانت تبدو معقدة وطويلة الأمد، فهي تظهر في الجانب الآخر يسيرة الحل وسهلة التحقيق.

إن أساس التغيير في اليمن سيكون الناس أنفسهم، فهم بدورهم عندما يتأثرون بوجود الدولة ويلمسون مصداقيتها وتضحيتها سيقفون معها ضد المشاريع الصغيرة والتعبئات الضارة.

الحل الأبرز والأهم هو الحل الاقتصادي والأمني ومن بعده لن يكون القضاء على الإنقلاب إلا تحصيل حاصل، فهو سيلفظ أنفاسه الأخيرة عندما يجد نفسه فكرا وجماعة منبوذا من المجتمع وملاحقا من كل أبنائه. 

هذا هو الحل في اليمن وخلاصة ما وصلت اليه بعد تعايش مع الأحداث بشكل يومي من قبل احداث 11 من فبراير 2011 وما بعد الانقلاب في 21 سبتمبر 2014م وحتى تاريخ كتابة هذه الكلمات وانتظار طال أمده للضمير الإنساني والدولي ومن قبله للحكمة اليمنية والصحوة المجتمعية.


Create Account



Log In Your Account