البهلوان البشير
السبت 22 ديسمبر ,2018 الساعة: 11:08 مساءً

ذهب البشير الى دمشق ليلتمس خيط بقاء جديد في بهلوانياته التي أكملت عقدها الثالث، فعاد ليواجه مؤشراً شعبياً يشكك في ثقته بإخماده للداخل السوداني. مؤشراً بأن دماءاً لا زالت تنبض وتقول إن البشير ليس نهاية التاريخ السوداني ولن يكون مصيره الأبدي.

 

الرمال المتحركة تزداد سخونة تحت البهلوان البشير. الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت من الجامعات ليست البداية ولن تكون النهاية.

 

سلخ جنوب السودان ليحفظ توازنه بالاستمرار على مساحة أضيق ولا زال يمسك بخيوطها. وقبل سلخ الجنوب كان قد خلع جلده الترابي ومضى بجلد خليط من جلده القديم في الحركة والجيش. ومؤخراً منذ سنوات وسع مساحة مناوراته لتشمل لاعبين متعددين في الإقليم والعالم.

حركة البهلوان في اقليم ملتهب تزيد من مخاطر السقوط. هذا التوسع لحراك يحمل في ذاته كل عوامل انفجاره. خمود الداخل السوداني ، خادِع في إيحائه بأن البشير قد أحكم السيطرة وتجاوز كل تهديد جدي لسلطته.

 

غليان الداخل لن يكون فعالاً على المدى القريب في الإطاحة بمستبد يتحول إلى بهلوان مشابه لجاره الأرتيري. غير أن هذه الاحتجاجات مؤشر لبداية تحول اتخذ من توسيع مساحة اللعب الخارجي مناسبة للظهور والإعلان عن وجوده لن تدهب الاحتجاجات بعيداً الآن، غير أنها فتحت باباً داخلياً كان الكل يعتقد أن البشير قد أغلقه تماماً على الأقل لعقد قادم.. الآن تنعكس التأثيرات بين الداخل والخارج.

 

ظهر البشير في السنوات القليلة الماضية كلاعب قادر على توظيف تناقضات القوى الدولية والإقليمية لصالح بقائه ضداً على الداخل السوداني المتشظي والمقموع. غير أن ذلك بدأ يرتد عليه الآن. توسيع الحركة البهلوانية في الخارج انقلب الى موقض للداخل من سباته ومحفزاً له للخروج من كمونه. وتحت السطح الداخلي ما يكفي من تراكمات ومكبوتات تكفي لإزاحة سدادة السودان المحكمة قبضتها عليه منذ ثلاثة عقود، حينما تكتمل لحظة انفكاكها من قبضة المستبد البهلوان.

 

ربما ساهم المصير الدامي للثورات الشعبية واصطدامها بالمهيمنين الدوليين وبحروب محاور اقليمية تخوض معاركها على صفحتها، في كبح جماح التغيير في السودان، والبشير استغل هذه جيداً، غير ان ذلك يستنفد وتبطل مفاعيله مع كل خطوة يمضيها البشير لسحق الداخل معارضين ومجتمع، والمضي في اللعب بالسودان ومصيره خارجياً وتحويله إلى "مرتزق إقليمي في صراعات ملتهبة" ومع اطراف متناقضة، محاولاً بذلك زيادة عوامل بقائه كمستبد أبدي.

 

أعلن الداخل السوداني اليوم عن تململه، عبر احتجاجات مطلبية ومعيشية شملت الجامعات السودانية وامتدت إلى الأوساط الشعبية، غير أنها على محدوديتها وربما عدم استمراريتها في الأيام القادمة، تقول إن رفض الداخل للمستبد البشير لم ينطفيء، وإن بقيت شعلته خافتة. وأن حركته قد بدأت وربما يكون استئناف الربيع العربي من أكثر من ساحة مستقبلاً مناسبة لتخلق قوى أكثر تنظيماً وقدرات واستعداداً لملأ الفراغ في اليوم التالي لإزاحة المستبد.

 

هذا البناء للقوى البديلة على المستوى الثقافي والسياسي مهمة كل التواقين إلى التغيير والانتقال لدولة القانون والمواطنة والعدالة. كتب ياسين الحاج صالح في خاتمة مقال له قبل عامين عن الثورة السورية يقول: "خسرنا المعركة اليوم بعد كفاح عظيم، وما تتعين مقاومته بكل قوة هو أن نخسر قضيتنا، إِنْ بالاستكانة لمخططات القوى المتفوقة التي سحقت الثورة، أو بالإنزواء السلبي، أو بإستبطان القبلية".

 
*نقلاً عن صفحة الكاتب في فيسبوك


Create Account



Log In Your Account