الأمم المتحدة ودورها في اليمن: انتكاسات متلاحقة
الإثنين 03 ديسمبر ,2018 الساعة: 12:38 صباحاً

يحفل تاريخ الأمم المتحدة وما يسمي مجلس الأمن الدولي بالكثير من الانتكاسات والإخفاقات والفشل في حق الشعوب والدول المستضعفة، إذ أنه لم يحصل قط أن حققت الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي، نتائج إيجابية في توجهاتها وقراراتها المتخذة على مدى تاريخها، لصالح تلك الدول والشعوب، قدر انتهاكها ومؤامراتها ضد تلك الدول والشعوب لصالح القوى الإستعمارية الكبرى.

 

وقد تحولت هيئة الأمم ومجلسها من عامل مساعد لتحقيق الأمن والإستقرار الدوليين وإقرار حقوق الشعوب والدول الصغيرة والمستضعفة، إلى عصا غليظة بيد القوى والدول الكبرى، لنهب ثروات تلك الدول والهيمنة عليها واستعادة إستعمارها بطرق العصر الحديث.

 

والحق أن خير توصيف لمجلس الأمن أن يطلق عليه مجلس الحرب الدولي، وذلك بالنظر إلى تلك الحرائق والحروب التي أشعلها في أكثر من بقعة من العالم ..

ولنا في سجلات التاريخ الحديث عديد شواهد جلها وقائع العقدين الأخيرين، بدءا من العراق مرورا بسوريا وليبيا واليمن وغيرها ..

 

ولعل من أبرز تلك الانتكاسات في سجل الأمم المتحدة هي عدم تنفيذ قراراتها، حيث تظل مجرد حبر على ورق أو مجرد رقم يسجل في إطار تسلسل القرارات المتخذة للترويج الإعلامي وذر الرماد على العيون .

 

وفيما كنا خلال النصف الثاني من القرن المنصرم نتأسى على قرار مجلس الأمن 242 الذي ظلت تلوكه الألسن وتستشهد به الكتابات والخطابات، فإن السنوات الثلاثين الأخيرة حملت من تلك القرارات، الكثير لتي لم تنفذ على واقع الأرض على الرغم من حصولها على الأغلبية في أصوات الأعضاء أو الإجماع، ما يضع أمام المجلس أكثر من تساؤل : إذ كيف تتخذ دول المجلس قرارات بمحض إرادتها ولا تقو على تنفيذ معظمها، إلا ما يحلو للدول الأقوى، وتحديدا أمريكا بشكل أساس، وتتبعها إلى حد ما روسيا وبريطانيا.

والأمثلة على ذلك كثيرة، أكان في العراق أو البوسنة والهرسك، كأمثلة على قوة التمثيل، وفي لبنان وليبيا واليمن وغيرها في عدم التنفيذ..

 

إن هذا الأمر يقودنا إلى مسلمة بديهية لا تحتاج إلى جدال ولا يشوبها شك، وهي أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي قد أصبحا مطية بيد تلك الدول المتصرفة في شؤون دول العالم، وتتخذ من هيئة الأمم والمجلس ذريعة لتحقيق كثير من أجنداتها وأهدافها أكان في التدخل وفرض السيطرة على تلك الدول والشعوب، أو بهدف تغيير الحكام الذين يسعون للتمرد على توجهات وإشتراطات القوى الكبرى.

 

وإذا ما نظرنا إلى مبعوثي الأمم المتحدة إلى تلك البلدان الملتهبة، في الوقت الراهن، فإننا نجدهم في مهماتهم قد تحولوا من ميسرين لإيجاد تقارب وتوافق بين أطراف الصراع، الى حكام وفارضي أمر، وبذلك لم يجنوا أي ثمارا إيجابية لصالح الشعوب والدول، التي ابتعثوا اليها، بل إنهم عملوا على توسيع رقعة الأزمة وإطالة أمدها، ولنا في اليمن في راهن اليوم، حكايات لا تنسى مع أربعة من المبعوثين الأمميين.

وبالنظرة الموضوعية إلى حصيلة عملهم وما تمخض عنها في ضوء المهام التي أسندت لهم نجد بأنهم قد عملوا على تعقيد الأوضاع أكثر مما كانت عليه، وعملوا على خلط كثير من الأوراق، من خلال تقديم إفادات مغلوطة أو مبنية على حسابات وهمية، أو غير حيادية تخدم أطرافا بذاتها، الأمر الذي ترتب عليه اتخاذ قرارات في مجلس الأمن غير مبنية على أسس موضوعية، بدءا من ما أسفرت عنه مهمة الأخضر الإبراهيمي، الذي عمل على خيانة الأمانة التي أسندت له ما أفضى إلى الكارثة التي لازالت تداعياتها حتى اليوم مرورا بجمال بن عمر، الذي عمق الأزمة اليمنية وعمل على خلق فتنة وتأجيج الصراع بين القوى السياسية، بدلا من تذويب الفوارق بينها وقطع فتيل الأزمة في مهدها، وكذلك إسماعيل ولد الشيخ الذي تمددت الأزمة في ظل مبعوثيته وصولا إلى مارتن جريفيت الذي جاء يكحلها وعماها، كما يقول المثل الشعبي، وخيب آمال البسطاء، الذين اعتقدوا أنه جاء حاملا في جعبته الحل السحري، غير مدركين بأنه جاء وفي يده قميص يوسف، ليسوق من خلاله مشروع تلك القوى الكبرى، الرامي إلى مساواة الضحية بالجلاد، بل وتهيئة الظروف والمناخات أمام الجلاد لينفذ بجريمته ويكافأ عليها .

إضافة إلى تغاضيه عن الحديث عن المرجعيات الثلاث الأساسية المتفق عليها، والتي تشكل مرجعية أساسية لأي حل للأزمة اليمنية.

 

إن المتابع لتحركات وجولات وتصريحات جريفيت، يدرك مدى التلاعب الذي يبديه الرجل من أجل خلق تعقيدات جديدة أمام الأزمة والنأي بعيدا بمشروعية وإمكانية حل الأزمة وحسمها، إذ أنه من خلال الدور الذي يقوم به، والذي لاشك بأنه يأتي تماشيا وتنفيذا لأجندة الدول الكبيرة التي تأخذ من الأمم المتحدة شماعة لتمرير مخططاتها، فإنها تدير الأزمة ولا تعمل على إيجاد حلول لها، بدليل أنها لم تقم حتى اللحظة بالسعي الجاد لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 قدرما كالت عليه هالات من تراب النسيان، وتعمل على أضعاف دور الحكومة الشرعية لصالح مليشيات الحوثي من خلال الضغط المستمر على الشرعية، ومنع تقدم قواتها أكثر من مرة في أكثر من جبهة، وآخرها جبهة الحديدة لأكثر من خمس مرات ، بل ومؤخرا خلقت من نفسها طرفا، بدل أن تكون وسيطا بين أطراف النزاع من خلال مقترحها بإدارة ميناء الحديدة، وهي خطوة خطيرة إذ كيف تجرد حكومة شرعية معترف بها من إدارة شؤون بلادها وتصادر حقها ناهيك عن الإنحياز المفضوح والسافر، لصالح مليشيات الحوثي من خلال عدم اتخاذ اية إجراءات رادعة لمواقفهم الرافضة لقرارات الشرعية الدولية وعدم انصياعهم للالتزامات، وآخرها مشاورات جنيف وستعقبها، بلا شك، مشاورات السويد، على الرغم من تلبية كافة شروطهم على حساب موقف الشرعية المتوافق مع ماهو معلن من موقف أممي ..

 

وفي حقيقة الأمر يتبدى أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، يسعيان إلى القفز على القرار 2216 واستصدار قرار جديد وفق معطيات أخرى، وهو ما يتجلى من خلال الإصرار المتعمد بصورة مباشرة، حينا وغير مباشرة أحيانا أخرى لتعطيل هذا القرار وعدم الإلتفات إليه.

 

كذلك فإنه يمكننا التنبيه إلى أنه حتى اللحظة منذ اندلاع المواجهات، لم نسمع قيام الأمم المتحدة أو الدول الكبرى بأي إدانة لما أقدمت عليه مليشيات الحوثي من تفجير للحرب، بل على العكس فهي لم تنظر لها كجماعة خارجة عن القانون، بل تعاملها وتصر على معاملتها كطرف ند وقوي تسعى إلى فرضه في مواجهات سلطات البلد الشرعية .

 

كم هو حري بالأمم المتحدة في سياق مراجعاتها لدورها، أن تعمل على إيجاد آلية ملزمة لتنفيذ قراراتها وأن يتساوى أمامها الجميع دون انتقاء ..حيث وأن قراراتها لم تسقط بالتقادم، قدر مايهال عليها التراب في الرفوف، وتصبح عدما على الرغم مما يمكن أن تحدثه هذه القرارات من أثر إيجابي في السلم والأمن الدوليين إن جرى تنفيذها، والعكس أيضا صحيح عندما يتماهى المجلس ويتراخى عن تنفيذ قراراته .

------

* مداخلة قدمت في ورشة عمل نظمها مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان الاثنين الماضي حول جهود المبعوث الأممي في وقف الحرب والإنتقال للعملية السياسية .

 


Create Account



Log In Your Account