اكتوبر وانحدار المشهد
الإثنين 15 أكتوبر ,2018 الساعة: 11:50 مساءً

مأساة كبرى عندما يصنع الآباء الإستقلال ثم يُضيعه الإبناء في خضم عالم يعج بالطيش واللا إحترام  وَمِمَّا بات واضحاً اليوم أن إرث إكتوبر وقبله سبتمر يضيع مع إستمرار الهجوم المتعدد الأطراف والمتعدد المآرب فالأطماعُ تُقاسُ بمقدار الخسارة  عند من يخسر وبمقدار المكسب عند من يكسب ،والأطماعُ واحدةً مهما تباين المهاجمون وتقاطعت وجهاتهم والسؤال الذي يطرح نفسه

هل سيجتاز اليمني هذه الدوامة محافظاً على مكانته واستقلاله ؟.أم أن المسألة ليست إلا إنتقالاً من مستبدٍ إلى أشد ومن طامعٍ فتاك إلى طامعٍ أشدُ فتكاً ؟؟...

يتبلور الصراع وينكشف اللاعبون مع استمرار الدوامة  وتنكشف الخطط التي كانت يوماً ما في بداية المعركة  مُبطنةً في وداعة منقذ وظف  جهود اليمنيين ودماءهم  في إطار صراعه الإقليمي وحربه التجارية  وغدا اليمنيون اليوم كقول القائل "والمستجير بعمرٍو عند كُربتِه ...كالمُستجير من الرمضاءِ بالنارِ"

السلالية الحوثية والأطماع الخليجية  وجهان يختزلان الأزمة والكارثة والدمار والعنف في وعي الشعب المغلوب ويمثلان الإنقلاب على إرادة الشعب اليمني ومكاسبه  ،الحوثيون ينقلبون على مكاسب سبتمبر وفبراير والإطماع الخليجية تنقلب على مكاسب إكتوبر وفبراير  وكلاً له أسلوبه ونهجه  وكلاهما  يتفقان في إقتلاع الجمهورية اليمنية القوية  التي ستبقى  بجذريها -(سبتمبر وإكتوبر )-عقيدةً في قلب كل مخلص يعرف حجم المؤامرة شمالاً وجنوبا ً ويعرف معنى الرجوع إلى ماقبل سبتمر وأكتوبر كل مخلص للوطن يعرف أن الصراع عريض واللاعبين  كُثر وأن نحافظ على ما تبقى وإلا سنصل يوما إلى لا شيء وسنفيق يوما مسلوبين الحق والارادة معاً ...

نعم إن تمرد الحوثي وعفاش على الشعب هو رأس المشكلة لكن تمادي التحالف وحرّفه لمسار الإنقاذ لتنفيذ أجندته محلياً وإقليمياً جعل للمشكلة رأسان في جسد واحد هو الخراب واللا جدوى

وَدعونا نستعرض كيف وصلنا إلى هذا المأزق القاتل ...

تمردَ الحوثي وعفاش على الشعب ومقدراته وهددوا دول الجوار بحكم  ولائهم لإيران  وكان الجميع يعرف مغامرة علي صالح وتحالفه الذي استشرى يلتهم المؤسسات ويصادر الحقوق والمبادىء الجمهورية واختلطت الاوراق على الجميع وعلى عفاش نفسه -فقد راح ضحية ورقة تحالفه الأخير مع السلاليين  -ولم يكن بُدّا من الشرعية إلا طلب التدخل العربي لإنقاذ المشهد فبدأوا بعاصفةٍ  استبشر الجميع  بها في إطار عودة الصدارة للمجتمع العربي واسترجاعه لحقوقه ودفاعه عن مقدراته ؛ بدأ التحالف  بعاصفة لكن الحقيقة المرة أن العاصفة أزاحتنا إلى وحلٍ  وها هو الشعب يختنق ويفقد أمله إضافةً إلى أن حقوقه تُصادر وتُنتهك  من أولئك الذين استنجد بهم  ولديهم القدرة على حسم الصراع وتسليم البلاد لشعبها  وفقا لشروط التدخل  لكنهم وجدوا اليمن بيئة خصبة لتصفية حساباتهم الإقليمية  وتوظيف اليمن أرضاً وبشراً لتحقيق مكاسبهم في إطار الصراع الإقليمي فلم يفشلوا في إستعادة الشرعية لأنهم لا يريدوا عودتها وهذا ما يبدو جلياً فقد عمدت الإمارات  في توظيف كل الصراع لخدمة أجندتها ومصالحها  في إطار الحرب الإقتصادية الإقليمية فهي تخاف من أي منافس إقليمي لمينائها وهيمنتها المالية وعلى سبيل المثال نجدها  عملت في إطار تهميش الدولة المصرية ودورها الإقليمي والعالمي

وعين الحقيقة أن مليارات الدولارات لمصر ليست لغرض إسقاط نظام الإخوان بِحُجَّة الإختلاف معهم أو لإنهم إرهاب وحسب وإنما كان المال لتمكين مُستبدٌ عميل يعمل على تهميش مصر وتهميش جيشها وإقتصادها ومكانتها ومثل مصر باكستان أيضاً ، وَمِمَّا يُثير الإستياء تبني المملكة وساطة للإصلاح بين إرتيريا وأثيوبيا نكاية بجيبوتي والصومال وليس هذا لُب ما نريد أن يعرفه اليمني فاليمني يُريد أن يعرف لماذا لم تنتهي الحرب بعد ُ؟ ولماذا الأزمة الإقتصادية تخنقه والعملة في إنهيار مستمر ؟ أين الجيش وأين الحسم وأين الأمن وأين الدولة في المناطق المحررة ؟

كل هذا والواقع نفسه يتكلم فالإمارات عملت في الجنوب على بناء كيانات مُدجنة أشبه بقوات  قائمة على ولاءات متعددة مرتبطة رأساً بالإمارات ولم تعمل الإمارات على بناء قوة على الأرض ذات طابع مؤسساتي الأمر الذي يُمكنها من تهميش الشرعية بهذه القوات وفي نفس الوقت يمكنها من فرض الواقع الذي ترغب به وتكون النتيجة شرعية تحتضر ببطء وجنوب ضعيف منزوع القرار والسيادة فهي تعرف من هو اليمني جنوبياً كان أم شمالياً وهي تعرف أن قيام كيان قوي في الجنوب أو في الشمال لن يمكنها من تحقيق أطماعها وسيؤول الأمر إلى دولة يمنية قوية أكانت من إقليمين أو من ستة أقاليم  في وجود عامل مشترك بين قوى الجنوب والشمال وهو غياب الهيمنة الفردية على القرار بعد انقراض صالح والحوثيين ..

لقد شرَعت الإمارات منذ الوهلة الأولى على بناء أتباع مُطاوعيين لا يملكون كيان قوي كي تتمكن من استخدامهم عند الحاجة وفي المقابل تعمل لإعادة تدوير قوات صالح تحت قيادة  طارق عفاش وإعطائها طابع مؤسساتي  بناءاً على  تحالف المصالح والرؤى بين محمد بن زايد وبين أحمد علي عفاش فهي ترغب في سيطرته على الشمال وهيمنته على الجنوب في نفس الوقت وكل هذا يَصْب في مصلحتها القائمة على تهميش دور الموانىء اليمنية واستغلال ثرواتها من خلال نافذين محليين  وأصبحت ترى الوقت مناسبا ً للإنقضاض على الجنوب وإفراغه من نفوذ الشرعية وفي نفس الوقت تؤهل قوات طارق في قلب العاصمة عدن في تناقض يُغري للتساؤل عما تريد أن تقوم به النزوة الأعرابية كما أن أمراً كهذا يُثير الشك في مدى إخلاصها لأتباعها الذين يقضمون جسد الوطن بأسنان الأعراب ، وَمِمَّا يُشهر المؤامرة أكثر أن الأمارات ذات الإحتياطي النقدي الضخم لو ضخت فقط 10مليار دولار في الاقتصاد اليمني لكان الوضع المعيشي مختلفاًتماماً لكنها ترغب لنا حياة منكصة كي نرضَ بالقليل ...

و إلى ما سبق يغزو وعي اليمني  تساؤل ٌمريرٌ مفادُه هل قيام دولة على الأرض يستوجب بيع جزءاً منها مُقدماً؟ ...تأتي الإجابة واضحة وصريحة (إن كانت الإمارات ذو النصيب الأكبر  في السيطرة على المشهد وإشهار سيطرتها على الجُزر والموانىء والثروات فإن السعودية لها نصيباً أيضاً فهي تطمع بمنافذ الى البحر عبر المهرة لتقتصها يوما ما من الخارطة  وتتعدد أوجه الإجابة إلا أن مضمونها مريراً إضافةً  لحقيقة أهم  مفادها أن من يُريد سرقة الأرض لن يُساعد في قيامِ دولة قوية فيها ...)

وما على الشعب إلا أن يستعيد شرعيته بنفسه وأن يُجبر التحالف على تحمل مسؤوليته في إعادة الأوضاع الى إتزانها وإلا ستؤول الأوضاع إلى الأسوأ والأخطر وسيكثر اللاعبون الإقليميون والدوليون وسنصحو يوما على أطلال وطن تشارك الجميع في إندثاره  فها نحن اليوم في ذكرى إكتوبر وقبله سبتمبر بحاجة إلى إكتوبرٍ جديد وسبتمبر جديد نحن اليوم بحاجة إلى أن نكون  أو لا نكون .


Create Account



Log In Your Account