الشهيد النعمان.. وإصلاح الجمهورية
الأربعاء 26 سبتمبر ,2018 الساعة: 09:28 مساءً

اليمن، مَـوطن العرب الأول، تَـفرق العرب وبقيت أسوأ تناقضاتهم مَحصُورةً في ذات الحيز الجغرافي، وصار لها تواريخ مُشتتة لا تاريخ جَامع، تبعاً لذلك، كرس الشهيد محمد أحمد نعمان جُهده لمُعالجة مشاكلها المُعقدة من مَنظور مُختلف، جاعلاً من تلك التناقضات مُنطلقاً للدراسة والتقييم.

 

اجترَّ «النعمان» الماضي بمآسيه الثقال، وقدمه في كتابه «الأطراف المعنية» بشفافية مُطلقة، أفزعت البعض، وبلغة جادة تمردت على السياق المُتداول، وبعبارات رصينة ابتعدت كل البعد عن تلك المسحة الحالمة التي كرسها كثيرون في كتاباتهم.

 

«إن هناك من يَفزع أشدَّ الفزع لمُجرد ذكر الفروق الموجودة في الاعتبارات بين أبناء الشعب، ويعتبر ذلك عملاً ضد الوحدة الوطنية، يقصد به التمزيق والتجزئة، وتقسيم الشعب إلى شيع وطوائف وأحزاب، ويعتبر أيّة مُحاولة لبسط المشكلة من هذا القبيل اثارة مخربة».

 

قالها «النعمان» قبل أكثر من «50» عاماً، ثم مَضى مُتعمقاً في جذور المشكلة، رابطاً إياها بأحداث مُتصلة، داعياً الجميع للاعتراف بها، ومواجهتها، والانصياع للقانون التاريخي المُتحكم، مُعتبراً ذلك كسباً لنصف الجولة.

 

حين حاول «الأحرار السبتمبريون» القفز على تلك الحواجز، بفعل حماسهم الثوري، كانت النتيجة أن انفجر البركان، وكاد أن يحطمهم جميعاً، ليجدوا أنفسهم ـ حد توصيف «النعمان» ـ يواجهون حقائق وجودهم صارخة مُجردة، وينظرون لتناقضات حياتهم سافرة مُفزعة.

 

الأسوأ من تلك التناقضات تجاهلها، وقد قَسَّم «النعمان» المتعاطين معها إلى صنفين، «عاطفيون» يثيرون المشاعر ضد المواقف، حلولهم ذاتية، ولا تعدوا أن تكون ضرباً من ضروب الخيال، وأسلوب من أساليب القفز في الظلمات، و«عاجزون» يقنعون بالسلامة، يتخذون من مسوح التعقل منهجاً، وما يلبثون أن تدفعهم رغبة العيش في سلام لمواقف انتهازية، تُصبغ كل يوم لهم لوناً، وتصنع لهم في كل حين شعاراً.

 

ظل أمل إصلاح «الجمهورية» من الداخل قائماً على يد ثُلة من الأحرار المُخلصين، كان «النعمان» فيلسوف الثورة ومُنظرها الأبرز أبرزهم، سبق الجميع بالمناداة بالحرية والديمقراطية، كدعوة وطنية قائمة على مبدأ الشفافية لا الضغينة والانطواء.

 

كما طالب بتفعيل مشاركة أهل الحل والعقد، ذوي الفعالية الشعبية غير المفتعلة، أو الموجهة، أو المدعومة، وأتى بحلول صالحة لكل زمان ومكان، قائمة على إزالة الحواجز لا القفز عليها.

 

أستاء أعداء الاستقرار من دعوات «النعمان» الاصلاحية، أسكتوا صوته وللأبد «28يونيو1974»، وهو في بداية عقده الرابع، ليتجرأ شباب اليمن بعد «36» عاماً من استشهاده، بالمناداة بذات المطالب، وفي غمرة انشغال «الأطراف المعنية» بالحوار، وصياغة «دستور اليمن الجديد»، تسلل القديم؛ وقاد جحافله المُتوحشة للقضاء على الجمهورية، وهي لم تحقق أهدافها المُعلنة بعد.

 

كطرف ضالع في كل مآسينا، عمل أعداء اليمن وما زالوا على إعاقة تنفيذ «مُخرجات مؤتمر الحوار»، أرادوا قتلها في النفوس التواقة للاستقرار، كما قتلوا «النعمان» داعيها الأول، وفاتهم أن عُنف الحقد يحييها ويحييها.

 

*نقلاً عن صفحة الكاتب في فيسبوك


Create Account



Log In Your Account